نور القرآن في زمان الفتن - نور القرآن

 

نحن في زمن تتالى فيه الفتن، ومن الفتن التي انتشرت واشتدت وطأتها في مجتمعاتنا فتنة القتل؛ فلقد ورد في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من ورائكم أياماً ينزل فيها الجهل ويُرفع فيها العلم ويكثر فيها الهَرْج؛ قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: القتل"، ولقد وصلت هذه الفتنة إلى حد "الاستخفاف بالدمّ" كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ورد في مسند الإمام أحمد: "أخاف عليكم ستاً: إمارة السفهاء، وكثرةَ الشُّرَط، وبيع الحكم، واستخفافاً بالدم، وقطيعة الرحم، ونَشَأً يتّخذون القرآن مزامير يقدّمون من يغنّيهم وليس بأفضلهم ولا أفقههم".

وهذا الأمر برز بشكل واضح في الأحداث الأخيرة في بيروت وغيرها من المناطق التي اتخذت بُعداً طائفياً ومذهبياً حيث تأججّت فيها العصبيات وتحكّمت فيها الغرائز. 

ومن صفات هذه الفتن كما ورد في أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها: "تموج كموج البحر"، ومن صفاتها أيضاً أنها: مُظلمة، وهذا ما أخبر عنه الرسول في عدّة أحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وفي مصنّف أبي شيبة: "فتن كقطع الليل المظلم".

شواهد قرآنية تضيء الظلام 

هناك العديد من الآيات تبيّن أنّ القرآن نور يضيء العقل والوجدان والفكر والطريق، ومن هذه الآيات: 

{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ منها} سورة الأنعام: 122، فالإنسان الحيّ هو من كان قلبه موصولاً بالله تعالى مليئاً بحقيقة لا إله إلا الله. 

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ُإِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} سورة ابراهيم: 1، والظلمات في هذا الزمن كثيرة: الشبهات والشهوات والفجور والأنظمة الفاسدة والتقاتل. 

{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سورة التغابن: 18.

الاتباع قرين القرآن 

الآيات السابقة أتت لتبيّن أنّ الطريق الذي حدده الله لا يجب أن نتّبع سواه، ولبيان أنه لا يكفي أن نعبّر عن عاطفتنا ومحبتنا تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله لنا قائداً بالقول فقط بل لا بدّ من اتباعه، فقال تعالى: 

{واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون} سورة الأعراف: 157.

{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة الأعراف: 158.

{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} سورة الأنعام: 153.

ولقد ورد في سنن الترمذي بسند ضعيف مرفوعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورجح ابن كثير وقفه على الإمام الراشد علي بن أبي طالب قوله: ستكون فتن! قلنا: فما المخرج منها قال: كتاب الله: فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته إلا أن قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً}، من قال به صَدَق، ومن حَكَم به عدل، ومن دعا إليه فقد هُدي إلى صراط مستقيم.

الذي حدث مما كسبت أيدينا الدليل قول تعالى: 

{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} سورة هود: 113، والذين ظلموا هم من: حكموا بغير ما أنزل الله واستهانوا بكرامات الناس واستهتروا بدمائهم ونهبوا الأموال وتسلطوا عليها؛ لذلك: إن اتباع هؤلاء المفسدين الذي يشيعون الفاحشة في وسائل الإعلام والمجتمعات لا يمكن أن ينتج عنه إصلاح أو فلاح أو نصر أو صلاح لأن {الله لا يُصلح عمل المفسدين} سورة يونس: 81.

{ يا أيها الذين آمنوا إن تَنْصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } سورة محمد: 7؛ فالمسلمون عندما لم ينصروا دين الله عز وجل ولم يُبَجّلوا كلامه ولم يعملوا على إعلاء شأن دينه وشريعته حلّ بهم ما حلّ!! لذلك المطلوب حتى نكون مسلمين حقّاً أن: 

أن نكون صادقين بإسلامنا ولا نتبجَّح به فقط ونظن أن الصفة الطائفية لنا تغنينا عن فهم إسلامنا  والالتزام به.

أن نطبق أحكام وتعاليم الإسلام في نفوسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا. 

أن نتحلّى بالنُّبل في أخلاقنا، وهذا ما حضّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة ورحمة للمسلمين بل حتى للعالمين بل حتى في تعامله مع الحيوان، ففي مسند الإمام أحمد أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: الشاة أذبحها وأرحمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الشاة ترحمها يرحمك الله. وفي مسند الإمام أحمد أن امرأة من المسلمين سباها المشركون، وكانوا أصابوا ناقةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فوجدت من القوم غفلة فنذرت إنْ أنجاها الله أن تَنْحَرَها! قال: فأنجاها، وقدمت المدينة فذهبت لتنحرها فمنعها الناس، وذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئسما جَزَيْتيها، ثم قال: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم. وحتى في الحرب كان هناك قوانين يتقيد ويسترشد بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعو المسلمين إلى الالتزام بها.

ولقد أسفرت الأحداث الأخيرة في لبنان النقاب عن أخلاق الطرفين المتصارعين البعيدة عن هَدْي الإسلام والنبوة؛ لذلك آن الأوان أن لا نُساق سوق النعاج بل يجب علينا أن نتبرأ من كل ما لا يَمُتّ إلى ديننا بصلة، وأن لا نمشي مع أي تيار أو جهة أو حزب لا يدعو بدعوة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واللجوء إلى الله بالدّعاء والتضرع.

وماذا بعد فما المطلوب؟ 

- العودة إلى الله سبحانه وتعالى بالقلب والفكر والممارسة التفصيلية، وإلا تكون النتيجة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد وأبي داود: "إذا تبايعتم بالعِينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم". 

- الاجتماع على كلمة الله والدليل قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّفوا} سورة آل عمران: 103، فهنا قدّم حبل الله لبيان أنه الأصل في الاجتماع. 

- أن لا نرفع إلا راية لا إله إلا الله، فلقد ورد في صحيح مسلم في كتاب الإمارة حديث الرسول: "من قاتل تحت راية عُمِّيّة فقُتل فقتلته جاهلية"، قال العلامة السِّندي: أن يقاتل لا لإظهار الدين ولا لإعلاء كلمة الله.

- أن لا نكتفي بدور المتفرّج، وأن ندرك حجم وخطورة المعركة؛ فلقد آن الأوان أن نزُجّ أنفسنا في مصنع الاستعداد من أجل صناعة المجد واستعادة عز أمتنا، ولا يكون ذلك إلا ببذل الأوقات واستغلال الطاقات واستفراغ الجهد والسهر والتعب:

والعزُّ على صهوات المجد مركبُه =والمَجْدُ يُنتجه الإسراء والسَّهَرُ 

- عدم الاستعجال والتحلي بالنَّفسَ الطويل لأنّ قِصَره خلاف سنة الله، فقد روى البخاري عن خبّاب بن الاُرتّ - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: يارسول الله، ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقعد صلى الله عليه وسلم، وهو محمَرٌّ وجهُه، وقال: "لقد كان مَنْ قبلكم يُمشَط بأمشاط من الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مَفْرِق رأسه فيُشَقّ نصفين ما يصرفه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتِمَّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرمَوت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون".

وأخيراً إنّ تجارب البشرية تقرر هذه الحقيقة: (لا يُحترم في هذا العالم إلا القوي)؛ لذلك نحن أمام خيارين إما أن نتمسّك بديننا فنكون أقوياء في أخلاقنا وفكرنا وعلمنا عندها ينصرنا الله كما وعد { إن تنصروا الله ينصركم}، وإما أن نبتعد عن ديننا فنكون ضعفاء عندها يذلنا الله ويصدق فينا قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} ال عمران:165

من موقع جمعية الاتحاد الإسلامي

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها اليوم 23/3/2019

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين