نداء إلى العراقيين للحفاظ على مُقَدَّساتهم نداء ونصيحة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.

       السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
       فقد مرَّ على احتلال العراق أكثر من تسع سنوات ولم يجد العراقيون فيها بغيتهم من الأمن والاستقرار والرفاه والعيش الرغيد والراحة والوآم التي كادوا يستبشرون بها عندما تولى زمام الحكم مجموعة جمهورهم ممن ينتمي إلى أحزاب إسلامية، ولاسيما مَن يدعي أنه منتسب إلى مذهب أهل البيت الأطهار -عليهم السلام-، أولئك الآل الذين ضحُّوا بدمائهم لأجل خدمة الإسلام والمسلمين وتوفير الراحة لهم، أولئك الذين اتصفوا بأجمل وأحلى الصفات من العفو والصفح وعدم الحقد والضغينة وعدم الانتقام لأنفسهم، وقد آثروا غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، والتاريخ يتحدث عن وقائع كثيرة لمآثرهم.
       وأهمها: عدم الحقد والانتقام من خصومهم إلاَّ بقدر التوجيه والنصيحة لهم.
       وما يجري على العراقيين من سفك للدماء البريئة والاتهامات الباطلة والسلب والمداهمات العشوائية غير الشرعية، والجوع والتهجير والعداوة التي أصَّلها المحتل العدو، ومن المؤسف أنَّ القائمين على دَفَّة الحكم الآن قد استمروا في تنفيذ ما تركه المحتل لهم من سوء، وما يجري على العراقيين كان أمرا غير مُتوقَّع حصوله لهم من بني بلدتهم ومن إخوتهم في الوطن.
       ولم يجنِ العراقيون من الوضع السياسي الراهن من توليهم الحكم إلاَّ النزاع السياسي على السُلطة، وكلٌّ يدَّعي أنه المُخلص للبلد وعدم الخضوع لتوجيهات بعض الدول المُجاورة.
       والطامة الكبرى ظاهرة النزعة المذهبية التي هيمنت على الحكم والتي صار يعرفها الداني والقاصي والصغير والكبير والعراقي وغير العراقي، والتي طالت شريحة مُعيَّنة من أبناء العراق، فتجاوز الأمر الحدود إلى سلب مساجد السنة وموقوفات آبائهم وأجدادهم وتحويلها إلى الوقف الشيعي وتحويل بعض الأضرحة المُدارة من قبلهم إلى الوقف الشيعي على الرغم من اعتزاز السنة بخدمتها حُبَّا بالأسرة النبوية، فقد حصل هذا السلب والغصب بشكل سافر دون حياء أو خجل أو مخافة من الله، ناهيك عن حملات الاعتقالات في أبناء السنة وربما نسائهم دون اكتراث بأمهاتهم وأطفالهم وزوجاتهم وذويهم.
وبناءً على ما يجري الآن أُوَجِّه النداء والنصيحة الآتيتين:
       1. كفاكم تجربة السياسة القاسية والحكم للسنين الماضية، فاعترفوا بفشلها، فإنها لا تخدم الشيعة ولا السنة ولا الأكراد ولا الأقلية الباقية، وعليكم بتغيير الأسلوب السياسي الحالي، ولا تجعلوا حظَّا للدُخلاء وبعض دول الجِوار للتدخل في شؤون العراق، واحتضنوا من هو أصيل في عراقيته ولم يتربَّ في أحضان الآخرين؛ ليكون العراق مستقلا من أي تدخل كان.
       2. نادوا بالعراقية الأصيلة، وتجنَّبوا تدخل المذهبية في السياسة؛ فإنَّ المذاهب هدفها وحدة الأمة ومن قبلها الأديان في وحدة البشرية، واجعلوها للتعبد فقط، وكونوا من خلالها أمة عراقية موحَّدة، وكل يتعبد بموجب اتجاهه الديني بعيدا عن إدخال ذلك في السياسة.
       3. إلتزموا بمبادئ الإسلام الذي راعى المسلمين وغيرهم في نظامه، وسيروا على سيرة السلف من هذه الأمة وفي مقدِّمتهم الأسرة النبوية المُطهَّرة في النصيحة لأجل الأمة ووحدتها ولَمِّ شتاتها وإعادة قوتها.
4. تجنبوا أي إجراء يؤدي إلى استفزاز الآخرين ويوقد نار الفتنة بين الإخوة، فإنَّ الهِرَّة إذا ما ضويقت قد لا تصبر وتقفز على مُضايقها بالخدش والعض لتثأر لنفسها وأطفالها، فما بكم بالآباء والأمهات والأطفال الذين غاب عنهم آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم سنين طويلة في سجون علنية وسرية دون اكتراث بهم وبأسرهم.
5. راقبوا الله تعالى وضعوه نصب أعينكم؛ فإنه يُمهِل ولا يُهمل، واعلموا أنَّ ما أنتم به لو دام لغيركم لما وصل إليكم، وإنَّ الأيام دَوَّارة يوم لك ويوم عليك (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) وخذوا الدروس والعِبَر ممن سبقكم من بعض الحكام، أين مصيرهم؟! فلم يتركوا إلاَّ اللعنة وراءهم.
6. أدعوكم إلى العودة إلى نكران الذات وفضِّ النزاع في ضوء المبادئ الإسلامية والأخلاق العربية، وسيروا على بركة الله في طريق خدمة هذا الشعب الجريح واسعوا لسعادته ورفاهيته.
7. أعيدوا المساجد لذويها والأوقاف لأهلها، واجعلوا السني يصلي إلى جانب الشيعي؛ فإنَّ المساجد لله لا لقوم خاصين ولا لمذهب معين (وإنَّ المساجد لله) وما انتزاعها الآن إلاَّ وسيلة لتأصيل النزعة الطائفية التي نحن بغنى عنها وبما يترتب عليها من فتنة وأحقاد.
8. اجلسوا على مائدة الحوار لإنهاء النزاع السياسي الذي انعكس على لُقمة عيش المواطن وعلى أمنه واستقراره، واطلقوا سراح المعتقلين واجعلوا منهم أصدقاء لا أعداء، واجتنبوا سياسة الإقصاء والتهميش لأي شريحة من المجتمع العراقي.
9. كما أُوجِّه رجائي إلى الإخوة علماء ومراجع الشيعة أن لا ينساقوا في مواقفهم وراء السياسيين، بل عليهم أن يصارحوهم وأن يُنكروا عليهم أي سياسة تؤدي إلى الفتنة وشق عصى المسلمين والعراقيين؛ فإنهم مسؤولون عند الله على هذا الصمت.
10. كما أوجِّه نصيحتي لأهل السنة أن يتحلوا بالصبر؛ فإنَّ الله مع الصابرين، والصبر مفتاح الفرج، وأن لا تستفزهم هذه الأمور لإحداث الفتنة، وحاولوا التوصل إلى حل المشاكل بالحوار والمطالبة السلمية بإعادة حقوقكم ومساجدكم ومقدَّساتكم بكل جد وحزم مادامت هناك أذان تسمع وقلوب تستجيب، وتعاونوا مع بقية الشرائح العراقية لإيقاف الاعتداء على الحقوق المتعلقة بكم وبهم.
وعند عدم السماع للحق فإنَّ لكل حادث حديث!
أسأل الله توحيد الصف والكلمة للمسلمين بصورة عامة وللعراقيين بصورة خاصة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
أ.د. عبدالملك عبدالرحمن السعدي
12/رجب/1433هـ
2/6/2012م