نبذة عن حياة فضيلة الشيخ عبد الوكيل الدروبي رحمه الله تعالى

 

 
ما ابن الدروبي إلا آية ولها              في كل عصر لأهل العصر إعجاز
لإن يكن بعده أو قبله بشر             فذاك بالخير قد حاز الذي حازوا
 
هو شيخ الشافعية الفقيه الموحد الذاكر العابد سيد المتواضعين والزاهدين الشيخ عبد الوكيل بن السيد عبد الواحد بن السيد سعيد بن السيد سليم الدروبي رضي الله عنهم. عالم كتبي صوفي، وفقيه شافعي متمكن.
ولد ونشأ في حمص نشأة دينية، وتعلم بها وقرأ على علمائها وحفظ المتون، فدرس في كتاب الشيخ أحمد عبد السلام، وكان يقرؤهم أيضا النحو بين المغرب و العشاء في جامع الشيخ عمر شرقي حمص. قرأ المتون و هو صغير، وحفظ الأربعون النووية. وعمل في النسيج (المسدة) حين بلغ سن الثامنة عشرة.
ثم قصد دمشق وزار جبا لزيارة الشيخ سعد الدين الجباوي أحد خلفاء مولانا الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وأثناء عودته من هذه الزيارة مر في طريقه على الزبداني، والتقى بالشيخ ابراهيم الغزي هناك فأعجب به، ومكث فيها و استأجر دارا هناك، وعمل عند أحد الباعة، ثم عين قيما ومؤذنا في المسجد الكبير، وهنا الغاية الجزء الأول في العبادات وأول المعاملات. ثم جلس في درس مدرس الزبداني العلامة الشيخ إبراهيم الغزي، فمكث في مجالسه العامة و الخاصة، ودرس عليه علوما كثيرة:
في الفقه الشافعي: قرأ الباجوري على ابن قاسم، والأنوار للأردبيلي.
وفي الحديث النبوي: قرأ شرح الغريزي على الجامع الصغير، والشبراخيطي على الربعين والنووية. وشرح الأربعين النووية للهيتمي، وشرح الأربعين للشبشري (على هامش مصباح الظلام)، وجزءا من شرح الزرقاني على الموطأ.
وفي التصوف: قرأ شرح الحكم لكل من، ابن عجيبة وابن عباد. والرسالة القشيرية، والعهود و المنن للشعراني. كما قرأ بعضا من كتب الشيخ يوسف النهاني: شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، حجة الله على العالمين، وشرح الرائية الكبرى والصغرى.
وقد سؤل عن الشيخ إبراهيم الغزي فقال: ما رأيت مثيلاً له في تقرير العبادة. كما تعرف الشيخ عبد الوكيل رحمه الله تعالى على الشيخ حسين الأزهري عبد الحق فقرأ عليه الأصول، وأقام درساً في الزبداني صباحا في كتاب روضة المحتاجين في معرفة قواعد الدين للشيخ رضوان العدل في جامع الجسر. و في عام 1940 تزوج مولانا الشيخ عبد الوكيل من آل جندل الرفاعي (من حمص)، و أعقب ذكرين و بنتين، سيدي نبيل المهندس المبدع، وسيدي محمد مهندس قرأ على والده كتاب إعانة الطالبين وله شرح على عمدة السالك. ثم انتقل سيدي الشيخ عبد الوكيل إلى دمشق سنة 1948 فعمل في بيع البن والشاي وبيع الكتب مدة أحد عشر عاما حتى 1959.
وكان الشيخ رحمه الله يتردد حين يقدم إلى دمشق على جامع الدرويشية يحضر مجلس شيخ الجامع الشيخ أحمد الصوفي الحنفي الذي بلغ من العمر حوالي السبعين عاماً، وحضر عنده بعضاً من ملتقى الأبحر، وبعضاً من التاج الجامع للأصول وبعضاً من شرح الباجوري على جوهرة التوحيد. وكان متجر الشيخ مركزا لدراسة الفقه، إذ كان يحضر إليه طلاب العلم أمثال الشيخ شهير عربي كاتبي ليقرؤوا عليه الفقه الشافعي وأصول الشريعة الغراء. ثم مرض الشيخ نسيب السكري إمام جامع الدرويشية فاستلم الشيخ عبد الوكيل إمامة الجامع وكالة لمدة ثلاث سنوات، وتسلمها رسمياً إمامة و خطابة سنة 1961.
وكان يقام في الجامع دروس يلقيها الشيخ محمود الحبال والشيخ نايف العباس، فكان إذا غاب أحدهما أو سافر أناب عنه في التدريس الشيخ عبد الوكيل. وفي دمشق جالس الشيخ عيد البغجاتي (من تلاميذ الشيخ أبي الخير الميداني)، وقرأ معه كتاب الشفا للقاضي عياض. ولطالما جالس الشيخ عبد المجيد الطرابيشي الفقيه الحنفي. وما أن حضر رحمه الله إلى دمشق حتى بدأ بالتلمذة على شعراني زمانه الشيخ محمد الهاشمي وحتى 1963 ودخل الخلوة معه، وحضر مجالسه كلها، ثم من بعد أن خلفه الشيخ عبد الرحمن الشاغوري انضوى تحت لوائه و بقي ملازماً لحضور مجالسه لا ينقطع عنها. ومنذ أن أسس الشيخ عارف عثمان مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في البيوت ثم في دار الحديث، ثم في المساجد وهو لم ينقطع عن المواظبة عليها يوم الأربعاء من بعد صلاة الفجر.
أقيمت في غرفة الشيخ عبد الوكيل مجالس عظيمة في كل الفنون و العلوم الشرعية، من بعد صلاة الظهر وحتى المساء و ربما بعد العشاء. فقد أقام جلسة سماع في ليلة الأحد امتدت عشرة سنوات كان يحضرها: مولانا الشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ عدنان النجار، والشيخ وجيه الرباط، والشيخ عبد القادر الكلاس (مؤذن الجامع)، ويحضره بين الفينة و الفينة بعض المنشدين منهم الأخ منير عقلة، وكانت الجلسة تمتد ساعات تشرح فيها القصائد في التوحيد والتصوف. وكان الشيخ عبد العزيز عيون السود عندما يزور دمشق يقدم إلى هذه الغرفة العامرة بالإيمان والعلم والتقوى، وتجول المناظرات العلمية وتظهر مكانة شيخنا العلمية فيخرج الشيخ عبد العزيز من غرفته وهو يدعو له على شيئين: على هذا العلم الذي قدمه الشيخ، وثانياً على كأس الشاي التي كان لا يدخل أحد الغرفة زائراً إلا وشربها من يد الشيخ، يشربها كاملة ولا يبقي نقطة واحدة في أسفل الكأس، لأن الشيخ ينبهه بأن الشيخ ابن حجر الهيتمي نبه عليها وأمر بها حفظاً لنعم الله تعالى.
وفي أواخر حياة الشيخ سعيد البرهاني قدم إلى غرفة الشيخ عبد الوكيل في جامع الدرويشية وعرض عليه أن يكون خليفة له وقال له: "كما أن السيد محمد الهاشمي سلمني إياها أسلمك إياها"، فقال سيدي الشيخ عبد الوكيل: "لست أهلاً لها" فقد كان شاذلي الطريقة.
عمل الشيخ في شراء الكتب و بيعها في غرفته بالجامع حتى أصبح متخصصاً بها، خبيراً بطبعاتها ولقد غدا في خبرته في الكتب كخبرة الشيخ صادق حبنكة، والسيد أحمد عبيد والسيد عدنان جوهرجي، وكان أحد عشرة أشخاص يشتركون في المزاودة على الكتب على يد السيد حسين شويكي (آخر دلال للكتب). وقام بنشر عدد كبير من الكتب الشرعية والصوفية.
فقد كان أحد خبراء الكتب المعدودين بدمشق، ونشر مطبوعات قيمة في العلوم الإسلامية والتصوف، وكان أحد عشرة أشخاص بدمشق يشتركون على مزاد الكتب.
وكان، رحمه الله، عالماً عاملاً ذكياً، حاضر البديهة، كثير الحفظ، يحب المزاح العالي، فقيهاً من الدرجة الأولى، محلالا للعبارة الفقهية بشكل رفيع، ويحفظ أبياتا كثيرة في المنظومات والمتون الحكم وهو أحد أربعة في المذهب: الشيخ أحمد المحاميد والشيخ محمود الحبال والشيخ صادق حبنكة.
وكان رحمه الله مستحضرا للجواب مع مكان وجوده في كتب المذهب، تسأله فيجيبك ويقدم لك النص الفقهي مدعما بالشرح من عدة كتب.
وعلى الرغم من أن الشيخ كان صوفي شاذلي ويحب التصوف و يقدره، إلا أنه كان إذا قدم عليه طلاب علم مبتدئين يأمرهم مع دراستهم للتصوف بالعلم، بل كان يقدم العلم على التصوف.
كان الشيخ رحمه الله تعالى خلاصة طبقات عدة من علماء دمشق وحمص، وحضر لطبقات كثيرة.
انقطع في داره في آخر عمره لمرض ألم به، وعقد بها حلقات العلم حتى توفي بدمشق وصلي عليه في جامع الدرويشية عام 1993م، رحمه الله تعالى ونفعنا به.
المصدر:
غرر الشام للشيخ عبد العزيز الخطيب: 2/1035.
علماء دمشق وأعيانها: للدكتور نزار أباظه: ص 262.