مولد النور
بقلم: فياض عبسو
قال الله تعالى :{هو الذى بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين}.
كما تطلع الشمس فتفجِّر في الكون ينبوع الضوء المسمى بالنهار.. يولد الرسولصلىالله عليه وسلم فيفجر في الكون ينبوع النور المسمى بالدين.. وما النهارإلا يقظة النفس بعد غفوتها.. وما الدين إلا يقظة الروح بعد غفلتها..
في يوم الاثنين الثاني عشر على المشهور، والتاسع على الصحيح، من شهر ربيعالأول من عام الفيل.. سنة {571}من ميلاد أخيه المسيح عيسى بن مريم عليهماالسلام.. في أواخر القرن السادس من الميلاد.. ولد النبي المصطفىالمختار.. فأنقذ الدنيا بطلعته البهية..
محمد أنقذ الدنيا ببعثته ومن هداه لنا روح وريحان
وتشرَّف الكون بمولده.. وسعد الزمان ببعثته.. وقبل مولده الشريف صلوات اللهوسلامه عليه.. خيَّمت على العالم ظلمات الجهالة وأحاطت به سبل الضلالة.. فانحط العقل البشري حتى عبد الحجارة.. وقسا القلب الإنساني حتى وئدت البنات بأيديآبائهن عند بعض القبائل العربية في الجاهلية.. فكان لابد من المنقذ.. فكانمولدالهدى والنور.. والجمال والكمال.. والحق والعدل..والحرية والنظام.. والرحمة والوئام.. وأشرقت شمس الرسالة المحمدية في مكة أم القرى قلب البلاد العربية بل قلب العالم..وانبثق الوحي الإلهي من غار حراء.. في قمة ذلك الجبل الأشم.. وشعنور الإسلام وهدي النبي القويم عليه الصلاة والسلام في أزكى بيوت قريش نسباًوأسماها شرفاً.. فسيرته العطرة أعظم سيرة في التاريخ.. فهي سفْر الخلود.. وسرُّالعظمة.. ومشرق النور.. ومنبع الفضائل.. روى الإمام أحمد بن محمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن عباس رضي اللهعنهماأنه قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين.. واستنبئ يوم الاثنين.. وخرجمهاجراً يوم الاثنين.. وقدم المدينة يوم الاثنين.. وتوفي يوم الاثنين.
ولذلككان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين.. ولما سئل عن ذلك قال : " ذاك يوم ولدت فيه.. وفيه أوحي إلي " والحديث رواه مسلم. قال الشاعر الإسلامي: يوسف عبيد المنبجي، رحمه الله تعالى:
هلَّ الربيع فزان الكون مولده وعطر الكونبالبشرى محمده
أطل على الدنيا فاستضاء به كل البرايا فقد وافـــاه ســـيــده
محمد رحمة للناس مرسلة كوابل الغيثمدتبالهدى يده
ماذا أقول وآي الذكر شاهدة بمدحه فهــي عنــوان يخلــده
أمام من أحيت الدنيا رسالته ما الشعرإلاجماد حين ننشده
وإذا ذكرت الشهور فحيهلاً بربيع الأول، وإذا ذكرت الأيام فحبذا يومالاثنين،وإذا ذكرت الساعات فنعما طلعة الفجر.. أي فجر؟.
قال الشاعر الكبير يوسف عبيد رحمه الله:
أي فجر لاح في الأفق سنيا مشرق الطلـعة بســـامالمحيا
مزقت أنواره سحب الدجى وسرى في الكون هديا أحمديا
ولد المختار يا أرض ارقصي طربا واستقبلي الــدهــر فـتـيا
إنه النور الذي أخرج من رحم الظلماء إشـعـاعـاً بـهيـا
فاخمدي يا نار لن تلقي على عرشك المعبود رباً كســرويا
شاه وجه الشرك لم يبق له موكب في الأرض يختالعتيا
وهوت تلك التماثيل التي شادها الباغون تضليلاً وغيا
لقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم.. وطلع نجم أحمد.. فاستبشر العالم
بقدومه...جاء بعد طول انتظار.. جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.. ويهديهم إلىالصراط المستقيم.. جاء لينقذ الإنسانية مما ترزح تحته وتئن من ظلم واستعباد وفوضى واستبداد وجاهلية جهلاء.. جاء ليتمم مكارم الأخلاق.. جاء ليعطي كل ذي حق حقه.. جاء ليحرر العبيد ويعتقهم ويقول لهم :" اذهبوا فأنتم الطلقاء"..
جاء ليحرر المرأة من الظلم الذي حاقبها، ويعطيها حقها في الحياة..
جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة
اللهرب العباد.. ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.. ومن جور الأديانإلى عدلالإسلام..
جاء ليصنع من عمر بن الخطاب، عميد الجاهلية.. فاروق الإسلام العبقري الملهمالذي ينطق الحق على لسانه وقلبه..
جاء ليجعل من خالد بن الوليد، ذاك الفتىالقرشي، سيف الله المسلول الذي سله الله على أعداء الإنسان والسلام.. جاء ليجعل من حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله..
جاء ليعيد انسجام الإنسان مع الكون والحياة.. وقبل كل ذلك ليعيد صلته بالخالق العظيم جل في علاه.. فمن أجل هذا وغيره.. كان العالم على موعد مع ولادةالحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام.. والحديث عن مولد سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه.. حديث عن بعثته ورسالته العالمية وأخلاقه الحميدة.. فقدكان أعظم نبي ورسول.. أرسله الله في خير أمة أخرجت للناس.. رحمة للعالمين..وأنزل عليه القرآن الكريم أعظم كتاب سماوي.. فقد جاءنا بقرآن كالشمسوضحاها، وبسنة كالقمر إذا تلاها، فمن تمسك بهما سار في ضوء النهار إذا جلاها،ومنأعرض عنهما، سار في ظلمة الليل إذا يغشاها.. ما من خير إلا ودلنا عليه وما من شر إلا وحذرنا منه..تركنا على المحجةالبيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.. فتح الله به أعيناً عمياً وآذاناًصماًوقلوباً غلفاً.. فتح الله به العقول وأنار القلوب..
بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاهاليقين.. فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ورسولاً عن رسالته ودعوته.. وقد مدحه ربه بما منحه.. وأقسم بعمره وحياته.. ولم يقسم بعمر أحد من خلقه،غيره.. فقال تعالى:{ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}..
ونادى جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم..{يا ءادم اسكن أنت وزوجك الجنة }..{ يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك}.{يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا بالحق }..{ يا موسى إني أنا ربك }.. { يا عيسى بنمريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟..ونادى نبيه ومصطفاه :{ يأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً* وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً }.. { يأيها الرسول بلغ ما أنزلإليك منربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..}. وهذا يرفع من مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته عند ربه عز وجل.. والله سبحانه وتعالىيعلمنا بذلك الأدب مع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ومدحه أصحابه رضي الله عنهم.. الذين عاصروه وعرفوا تفاصيل حياته فقالوا : كانرسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالناس.. ولقبته قريش قبلالبعثةبالصادق الأمين..
شهدت بفضله الأنام حتى العدا والفضل ما شهدت بهالأعداء
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه.. متحدثاً بنعمة الله وفضله عليه: " إنما أنا رحمة مهداة..أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة..أنا سيد ولد آدم ولافخر.. أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين وضعتني نوراً أضاءلها قصور الشام.. إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة،واصطفىمن قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.. فأنا خيار من خيار من خيار
..". لقد جمع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العظمة من جميع جوانبها وأطرافها.. وكانت دعوته عالمية في مداها..شاملة في موضوعاتها..وكان مؤمناً بما يدعو إليه.. وهذا سر نجاح الداعية.
وكل موقف من سيرته وحياته الشريفة.. وكل جانب من عظمته المنيفة.. هو معجزةمنأكبر المعجزات. فحياته وسيرته كلها معجزة.. عجز عظماء العالم عن أن يتركوا لهم سيرة وحياة مثلها.. وأما معجزته الخالدة الكبرى فهي القرآن الكريم، معجزة المعجزات..
وبعد: فإن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل، والمثل الأعلى، والقدوة الحسنة، ومعلم الناس الخير، وأستاذ الإنسانية، وهادي البشرية
..وذكراه أعظم ذكرى وسيرته أعطر وأعظم سيرة.. ولذلك أحبه البشر والحجر والشجر.. وهوجدير بكل محبة وتقدير واحترام.. عليه الصلاة والسلام
* * *
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول