من مناقب الشهيد حسان الطحان

تقبله الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
 
لم يرحل شهدائنا قبل أن يتركوا لنا ذكريات جميلة تنقش بماء الذهب على صفحات القلوب والأفئدة، وكانت دمائهم مداداً لتدوين تاريخ العزة والكرامة في بلاد الشام أرض الرباط التي قدّم فيه أبناؤها أروع دروس البطولات والملاحم في أكاديميات العز والفخار.
 
ومن فرسان هذا الميدان الشاب الربيعي الذي لم يكمل عقده الثاني من عمره البطل الهصور الصنديد حسان ابن أحمد الطحان -تقبله الله- الذي نشأ في طاعة الله، وجاهد في الله وباع نفسه لله، إنه ابن بلدة تفتناز الصغيرة التي كان لها النصيب الأوفر من تنكيل الأسد وظلمه، وذاقت الأمرّين من ظلم نظام فاجر بغي، وقدّمت العشرات من أبناءها ما بين معتقل ومشرد وشهيد، ودمرت بيوتها فوق رؤوس ساكنيها .
الولادة والنشأة :
 
أبصر حسان النور في بيت إسلامي عام 1994 في أسرة متدينة متواضعة تحت رعاية أبٍ حانٍ وأم عطوف، ونشأ فيهم النشأة الصالحة كما يحب الله ورسوله، وأرشدوه إلى طريق المسجد، وأرضعوه الخلق الكريم والأدب النبيل فكان الطراز الفريد من الإنسان المسلم الحق .
كان أبوه يعمل في الزراعة، وأمه خريجة كلية العلوم في جامعة حلب، وهي مدرّسة مادة العلوم في ثانوية تفتناز
 
 اتجهت أسرته إلى المنهج السلفي في بداية تسعينيات القرن الماضي متأثرة بأشرطة وأقراص ليزرية لدعاة سعوديين كان قد جلبها أبناء القرية إليها، ومن أصدقاءهم، وقد تأثرت بهذا الفكر كذلك في جامعة حلب من خلال صديقاتها الملتزمات، ولهذا السبب كان والد حسان قد هاجر البلاد إلى لبنان لملاحقة المخابرات له .
وكشأن جميع الأسر والأهالي دفع الأبوان الكريمان بابنهما حسان إلى مدرسة القرية ليتعلم فيها الابتدائية والإعدادية ودخل المرحلة الثانوية حتى الصف الثاني الثانوي ولم يتيسر له إتمامه بسبب أحداث الثورة .
تميز حسان خلال مرحلته الدراسية بنباهته وذكائه الحاد ونطقه الفصيح وشخصيته القوية وسرعة استحضاره لحجته وبرهانه، وكان هو الأول على زملائه في الدراسة كما شهد بذلك معلموه الذين كانوا يجلونه ويحترمونه، ونال قسطاً كبيراً من تقديرهم لجده ونشاطه وصفاته هذه .
 
التربية الفكرية:
كانت حسان يزكي نفسه بتعاليم الإسلام ويترعرع فؤاده بنور القرآن، وكان كثير الإطلاع يقرأ ما يتيسر له وقد اعتنى بقراءة الكتب التي تعنى بالجهاد المعاصر، فقد كان يقرأ للسيد قطب رحمه الله، وقرأ كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، إضافة إلى كتب مباحث التوحيد والإيمان وضوابط التكفير، كذلك كان على تواصل مع شباب الإخوان المسلمين قبل أحداث الثورة وبالأخص مع أقاربه من آل الطحان الذين كانوا يقيمون خارج سوريا الذين أبعدوا عن بلدهم بسبب ظلم نظام الأسد.
 
انطلاق الثورة السورية:
من أول نشأة هذا الشاب كان يبصر ما يعانيه أبناء هذا الشعب من ويلات هذا النظام الذي لا يراعي إلا ولا ذمة ولا يعرف من الحقوق إلا اسمها فأبى شهيدنا إلا أن يقف في وجه الطواغيت فالتحق في ركب الثورة منذ انطلاقتها الأولى في درعا فكان شعلة من الحماس وأسس أول تنسيقية في البلدة واستعذب في سبيل هذه الثورة أسمى آيات الصبر، وكان يحض الشباب على التظاهر، ويكتب العبارات الثورية على الجداران , ويعمل في مجال التصوير والإعلام لصالح قناة الجزيرة وبعض القنوات الفضائية، وقد حصل على جهاز تصوير للبث الفضائي المباشر .
 
الثورة المسلحة :
حاول أبناء الثورة بكل ما أوتوا من قوة أن تنتهي ثورتهم بأقل الخسائر وأن لا يلجـأ أهلها إلى حمل السلاح ، وأن لا تسفك قطرة دم، وجفت منهم الحلوق وهم يهتفون سلمية ... سلمية ... لكن ذلك المجرم السفّاك ألجأ الناس على حمل السلاح ظناً منه أن يقمع الثورة ما بين عشية وضحاها إذ لم يكن بحسبانه أن يخرج من هذه الأمة جند يملؤون الآفاق والبلاد ليعيدوا لهذه الأمة كرامتها وحريتها وعزتها، وأنهم سيرغمون أنفه في هذه البلاد التي باركها رب السماء !!
 
ومن أولئك الأبطال الذين أنجبتهم هذه الثورة بطل قصتنا هذه حسان الذي رأى أن التظاهر والإعلام غدا شيئا من العبث وأدرك أنه لا ينفع معه إلا السنان والرماح، فألقى شهيدنا كاميرته، وهجر التصوير والإعلام، وأقبل إلى ساحات الوغى وكان من السبّاقين إلى حمل السلاح مؤمنا أنه لا نصر ولا كرامة إلا بالجهاد، وكان ينافس شقيقه الوحيد، محمد للعمل القتالي ،فصار يتواصل مع المعارضة في الخارج ولاسيما جماعة الإخوان المسلمين وينسق معهم ومع الجيش الحر لتقوية العمل الجهادي، وتعاون مع تجار السلاح ليشتريه منهم، ويوصله للبلدات الثائرة ولاسيما جبل الزاوية ثم شكّل مجموعة جهادية بمفرده أطلق عليها اسم رسية الشهيد حسين شعبان وهو الشهيد الثاني في بلدة تفتناز، وصار يتعامل مع حركة أحرار الشام وصقور الشام والجيش الحر وكذلك كانت له مساهمات مع جماعة جبهة النصرة، وقد طلب منه الشيخ الشهيد عمار السيد تقبله الله أن ينضم إلى جبهة النصرة لكنه رفض الانضمام، واكتفى بالتعامل معهم وتقديم بعض الخدمات الطيبة لهم .
 
مقتطفات من أعماله الجهادية العسكرية:
في بداية العمل المسلح كان يخرج مع مجموعته إلى الطرقات ليعمل الكمائن للضباط والعملاء، ولاسيما على طريق حلب وإدلب , وطريق باب الهوى، وقد أدركت قوات النظام خطره وعممت اسمه على جميع الحواجز وألبسته تهمة قتل سارية حسون ابن مفتي النظام، وقد دبّروا له كمائن لقتله لكن الله سلم منها عندما حاول عملاء الأمن قبل استشهاده بشهر قتله بعبوة ناسفة ألصقوها على سيارته وقد انفجرت السيارة قبل أن يصل إليها .
 
حضر حسان جميع المعارك تقريبا في محافظة إدلب وحلب، وقد كانت له مواقف بطولية مشهودة منها: عملية الأتارب، وعملية فك الحصار عن بنش وسراقب، وضرب الإمدادات القادمة للنظام إلى حلب، وضرّبِ حاجز كفر حلب عدة مرات فكنت لا تلفه في تلك الآونة إلا في المعارك ولا يعود إلى بيته إلا نادراً حتى أنّ أمه كانت تطلب منه أن يأخذ لنفسه صوراً تذكارية فكان يرفض ويقول هكذا أحسن حتى لا تتعلقوا بي .
 
كرامة الاستشهاد:
كان حسان ينسق مع حركة أحرار الشام لحصار معسكر الشبيبة، وقد حضر المعركة عند ذلك الحاجز التي كتب الله عز وجل له فيها الشهادة، فقد أصيب في تلك المعركة لكنّ إصابته لم تكن مجهزة، ولم يرق لجند سفاح القرن الواحد والعشرين أن يراه حيا فأجهز مصاص الدماء عليه بعد أن حجز جثته، وقام بحرقها أحرقهم الله بنيران المجاهدين في الدنيا، وكواهم بلظى السعير في الأخرى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، ولم يفرجوا عن جثته وجثة من استشهد معه سبعة شهداء إلا بعد أن افتدوا به عدة أشخاص من أسرى الشبيحة.
 
 ارتفعت روحه الطاهرة رافضة الاستسلام تاركة الدمعة في مآقي الأحبة، وقد ترك حسان وراءه أجمل الذكر، وأعطر الثناء والسيرة الصالحة.
 
 ولئن مات حسان فإن موته حياته وموت أعدائه، ونسأل المولى أن تكون روحه الآن في جوف طير خضر ترتع في الجنة حيث تشاء مع حور وولدان، ولؤلؤ ومرجان، وروح وريحان .
وكتبه نور الدين العبيدي: