من صور الإفراط في محبة العلماء

محبتنا للعلماء الذين بلغوا مرتبة الإمامة في علوم الدين يجب أن تكون متَّزنة، فكما لا ينبغي أن لا يكون فيها تفريط في التقدير والتكريم فكذلك لا ينبغي أن يكون فيها إفراط في التبجيل والتعظيم.

من صور الإفراط: اعتقاد العصمة عن الخطأ أو ما يشبه العصمة. 

لا نجد من يدَّعي العصمة لإمام مذهبه أو لأحد من شيوخ المذهب، لكنه يتعامل معهم كأنهم شبه معصومين!، فلا يتصور المقلد لهم أحيانا أن يكون واحد منهم قد أخطأ أو وهِم في بعض أقواله، فإذا سمع أن بعض أهل العلم بيَّن بعض الأخطاء التي وقع فيها إمامه غضب الغضب الشديد وتنمَّر للدفاع ولو بالباطل. 

وهذا بخلاف ما كان عليه أهل العلم الصادقون، فإنهم كانوا يخوضون في الأبحاث العلمية ويعرضون الأقوال والأدلة ويصححون ما يرونه صوابا ويضعفون ما يرون أنه لا دليل على صحته. 

أما اليوم فأنت ترى كثيرا ممن يحبون العلماء ليسوا محبين، ولكنهم عاشقون، لا يرون فيمن يحبونه أنه بشر يخطئ ويصيب، بل لا يرون فيه سوى وارثًا لعلوم النبوة، وبالتالي فأيّ إشارة إلى خطئه في بعض المسائل فكأنه طعن في النبي المرسل صلى الله عليه وسلم. 

يقولون: إن بيانك لبعض ما وقع فيه فلان أو فلان من أهل العلم يوهن من هيبة الدين في النفوس ويقوي جانب الملاحدة والعالَمَانيين!. 

هذا لأنهم ينظرون إلى العلماء نظرة تقديس حتى كأنهم في مقام النبوة والرسالة!. 

أقول: كأنهم. 

إذن لا بد من التصحيح. 

لا بد من أن يعلم الناس كلهم أن مقام العصمة هو للنبيين والملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام. 

لا بد من أن يعلم الناس أن الميزان من الناس الذي تُوزن بأقواله وأفعاله أقوال الخلق وأفعالهم هو سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد عليه صلوات ربي وسلامه. 

لا بد من أن يعلم الناس أن الأئمة والعلماء والمشايخ كلهم يلتمسون ويغترفون من هدي هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأننا نحبهم بمقدار حبهم وتعلقهم بسنته صلى الله عليه وسلم. 

الملاحدة والعالَمَانيون الذين يدَّعون الفهم والمنطق هم من أشد الناس عداوة للفهم والمنطق. 

إذا ظهر لنا مثلا أن رواية «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها لعشر» ضعيفة الإسناد فإنهم يفرحون ويروجون للتفلت من العمل بالسنة النبوية كلها، ولو فهموا المنطق لعلموا أن تضعيف رواية لا يعني تضعيف كل الروايات، وأن المنهج الذي أظهر لنا ضعف بعض الروايات وصحة روايات أخرى كثيرة هو شاهد صدق لصحة الصحيح منها، ولكن يبدو أنهم كما وصفهم ربنا عز وجل في كتابه الكريم: ﴿صم بكم عمي﴾.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين