مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 233)

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾  [البقرة: 273]

 

السؤال الأول:

ماذا أراد ربنا بقوله: ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ وهل ضرب الأرض فِعل الأغنياء ؟

الجواب:

هذا وجه بديع من أوجه اللغة العربية وهو باب الكناية، والكناية: أنْ تقول كلاماً وتريد ما يلزم عنه، فتقول: هذا رجل سيفُه طويلٌ، يريد ما يلزم عنه وهو طول الرجل فلا يحمل السيف الطويل إلا الرجل الطويل.

 وقوله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ كناية عن عجزهم وفقرهم، فهم عاجزون عن التجارة لقلة ذات اليد، والضرب في الأرض كناية عن المتاجرة؛ لأنّ شأن التاجر أنْ يسافر ليبتاع ويبيع فهو يضرب الأرض برجليه أو بدابته.

السؤال الثاني:

ما دلالات هذه الآية ؟

الجواب :

 1 ـ في هذه الآية بيّن الله صفات أشد الناس استحقاقاً بصرف الصدقة إليه ،  وهم أهل الصفّة  وأمثالهم ، وهذه الصفات هي :

آ ـ  أنهم فقراء يحتاجون إلى العون والمساعدة .

ب ـ  أهل الصفّة حصروا أنفسهم على طاعة الله والجهاد في سبيل الله .

ج ـ عاجزون عن السفر والسعي على المعاش لأسباب خارجة عنهم كالشيخوخة والمرض أو بسبب عدو ، أو عدم وجود وسيلة للعمل .

د ـ نفوسهم عالية ، متعففون عن السؤال ، لا يمدون أيدهم لأحد ، فهم صابرون .

هـ ـ آثار الفقر والحاجة وقلة اليد تبدو على وجوههم  ، يعرفها من يتفرس حالهم .

و ـ لا يسألون الناس شيئاً مع عوزهم ، فضلاً عن الإلحاح في المسألة ، ويظنهم الناس أغنياء بسبب تعففهم .

ز ـ ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا :جاءت الآية في وسط آيات الإنفاق تخصيصاً وتأكيداً وختمت : ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ .

2 ـ ﴿ إِلْحَافًا الإلحاف : هو الإلحاح والسؤال بشدة .

3 ـ ﴿ أُحْصِرُوا : أحصرهم الجهاد ، وصرف نفوسهم عن  الاشتغال بأي شيء سواه .

4 ـ ﴿ بِسِيمَاهُمْ : السيما : بالقصر العلامة ، ويجوز مدها : السيماء .

5 ـ ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ( الجاهل ) : في الآية لم يُرَد به الجهلُ الذي هو ضد العقل ، وإنما هو ضد الاختبار . و( العفة ) ترك الشيء والكف عنه ، وأراد به التعفف عن  السؤال فتركه للعلم .

6 ـ في قوله تعالى  : ﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا   فنٌ من الفنون البيانية يسمونه : (نفي الشيء بإيجابه ) وهو نفي ظاهر الكلام ، ثم نفي ما هو من سببه ،  فالمنفي في ظاهر الكلام في الآية هو الإلحاف في السؤال ، لا نفس السؤال مجازاً ، والمنفي في باطن الكلام حقيقة نفس السؤال ، إلحافاً كان أو غير إلحاف ، وهذا الذي يقتضيه المدح .

7 ـ والصدقة مادامت في سبيل الله ستجدها يوم تلقاه.. ارْخِ يدك بالصدقة تُرخى حبال المصائب من على عنقك ، واعلم أنّ حاجتك إلى أجر الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه ! .. ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين