( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ
أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي
وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ
فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ٢٥٨) [ البقرة : 258 ]
السؤال الأول:
ما دلالة التعبير (أَلَمْ تَرَ) في الآية؟
الجواب:
التركيب (أَلَمْ تَرَ) فيه دلالتان لغويتان:
1ـ استفهام عن رؤية قلبية أو بصرية نحو قولك: ألم تر فلاناً اليوم أو: ألم تر كيف حُلَّ الموضوع؟
و(ألم تر) تعني: ألم تعلم علم اليقين كأنك قد رأيت
ما يخبرك به الله، ولذلك يقول تعالى للرسول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ١) [الفيل: 1].
2ـ بمعنى التعجُّب بمعنى: ألم ينتهِ لعلمك؟ من أجل لفت نظر السامع وطلب التأمل، مثل آية الفرقان(أَلَمْ
تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ
جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا٤٥) [الفرقان: 45] مع (إلى).
واستعمل حرف (أَلَمْ تَرَ إِلَى) يدل على أنه أمر
بلغ من العجب غاية بعيدة، والحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي
حاجّ إبراهيم لأنه لا يعنينا التشخيص.
إذن (ألم تر إلى) لها دلالة غير دلالة (ألم تر كيف).
3ـ مع ملاحظة أن التعبير (ألم تر) ورد في القرآن الكريم في 31 موضعاً.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين (مِتُّم) بكسر الميم و(مُتُّم) بضم الميم؟
الجواب:
1ـ في قوله تعالى: (قَالَ
أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) استعمل الفعل المضارع (أميت)، ولم يرد لا في القرآن ولا في الشعر العربي في غير هذا الموضع استعمال المضارع (أميت)، وجاء على لسان من حاجج إبراهيم في ربه وليس الله عز وجل.
2ـ (أمات) رباعيُّ، و(يميتُ) من الرباعيِّ:
أـ عندما يقول: (مِتُّ) أصلها (أُمِتُّ) والتاء نائب فاعل، أي: أماته الله، ثم بناه لصيغة المفعول.
ب ـ وعندما يقول: (مُتُّ) ينسب الموت لنفسه، فتُعرب التاء في مُتُّ: (ضمير مبني في محل رفع فاعل).
وفي الحالين الأمر مردُّه إلى الله سبحانه وتعالى.
3ـ إذا قال (مُتُّ) يكون على سبيل المجاز؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو المميت سبحانه والإنسان لا يميت نفسه.
وهذه القراءات (مِتُّ) قراءة سبعية، و(مُتُّ) قراءة سبعية، لكنّ الفهم إذا كسر يفهم أنه بُني للمجهول، وإذا ضم الميم يكون قد نسب الفعل إلى نفسه، وفي الحالين يكون الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
السؤال الثالث:
ما أهم دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ في هذه الآية والآيتين التاليتين بعدها، ذكر الله سبحانه ثلاثة أمثلة من ولاية الله للمؤمنين، وهي:
آـ ولاية الله لإبراهيم عليه السلام في محاجّته للنمرود، والتعرف على وجود الله ووحدانيته.
ب ـ ولاية الله للذي مرّ على قرية، فأماته الله مئة عام ثم بعثه، وأخرجه من ظلمة الشبهة إلى نور الإيمان.
ج ـ ولاية الله لإبراهيم عليه السلام في تجلية آية البعث له كي يطمئنّ قلبه.
2 ـ كان المثال الأول في أرض بابل بالعراق، وكانت مملكة عظيمة، حكمَها النمرود وبختنصر، وكانوا يعبدون الأصنام، بل ويصنّعوها ويصدّرونها لغيرهم وكان النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح أولَ من طغى وتجبّر وادعى الألوهية، وأولَ من لبس التاج على رأسه، فأتى الله بنيانه من القواعد.
3 ـ قام إبراهيم عليه السلام بدعوة الناس إلى التوحيد، وقام بتكسير الأصنام التي تعبد من دون الله، فأمر به النمرود فسجنه بعد أن حاجّه في الله، وأوقدت له النار وألقي فيها، وكانت عليه برداً وسلاماً، وقيل: إنّ المحاجّة كانت بعد إلقائه في النار.
4 ـ والآية عرضت جوانب من المحاجّة حول الرب المتفرد بالإحياء والإماتة فحاول النمرود الالتفات على الموضوع والمغالطة في الإجابة، فقال إبراهيم للنمرود: إنّ ربي الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق فاجعلها إنْ كنت رباً أن تأتي بها من المغرب، فتحيّر النمرود في الإجابة، وانقطعت حجته.
5 ـ شأن النمرود شأن باقي الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.
6 ـ الفرق بين الملكوت و الملك؟
الملكوت:
تعني ملك السموات والأرض وما بينهما، وهذا أمر لا يملكه إلا الله جلّ في علاه، لذا
كلمة (الملكوت) لم تأت مسندةً إلا لله تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ
مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [المؤمنون: 88].
المُلْك: لِما دون ذلك، فتأتي لله تعالى (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج: 56] وتأتي
في حق الناس (أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) [ البقرة : 258 ]. والله أعلم.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول