
الحكم التشريعي الثالث والثلاثون :
لا إكراه في الدين
﴿لَآ
إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ
وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ
لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٢٥٦﴾ [البقرة: 256]
السؤال الأول:
ما الفرق بين الرُّشد والرَّشَد والرشاد ؟
الجواب:
1ـ الرُّشد: يقال للأمور الدنيوية والأُخروية، أمّا: الرَّشَد: ففي الأمور الأُخروية فقط، والرُشد عام ويشمل الرشاد.
2ـ الرشاد هو سبيل القصد والصلاح، وهو مصدر: قال تعالى: ﴿ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ٢٩﴾ [غافر:29]
أي: سبيل الصلاح عموماً أو طريق الصواب.
شواهد قرآنية:
﴿ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم
مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا ﴾ [النساء:6] الرُشد في الدنيا.
﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ ﴾ [البقرة:256]
﴿ عَسَىٰٓ
أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا٢٤﴾ [الكهف:24]
3ـ الرشاد مصدر، والمادة اللغوية واحدة لهذه الكلمات، فـــ (الرُّشد والرَّشد والرشاد) كلها مصادر للفعل: رشِد ورَشَد.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين (لا) في الآية ﴿لَآ إِكۡرَاهَ﴾ و (ما) ؟
الجواب:
يقال: لا رجلَ في الدار، ويقال: ما من رجلٍ في الدار، فما الفرق بينهما علماً بأنّ التعبيرين نص في نفي الجنس؟
ـ (لا) تستعمل لجواب سؤال حاصل أو مقدر هو: هل من، نحو: من سأل عن وجود أحد في الدار؟ فالجواب: لا، ويكون الجواب كالإعلام.
ـ (ما) تستعمل كردٍّ على قولٍ أو ما نزل هذه المنزلة، نحو من قال: إنّ في الدار لرجلاً، فيكون الرد: ما من رجلٍ في الدار، فهو رد على قول وتصحيح ظن.
شواهد قرآنية على استعمال (ما) كرد على أقوالهم:
﴿ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ
وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ ﴾ [المائدة:73].
﴿ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ
أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ٦١إِنَّ
هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾ [آل عمران:61-62].
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ٨﴾ [البقرة:8].
﴿ وَيَسۡتَٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ
ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن
يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا١٣﴾ [الأحزاب:13].
﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ
عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ [آل عمران:78].
﴿ وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ
إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُمْ
مِنْكُمْ ﴾ [التوبة:56].
شواهد قرآنية على استعمال (لا ) كإعلام للمخاطب:
﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا
رَيۡبَۛ فِيهِۛ ﴾ [البقرة:2].
﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ ﴾ [البقرة:256].
﴿ فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ
إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ ﴾ [محمد:19].
السؤال الثالث:
ما نوع اللام في كلمة ﴿ٱلدِّينِۖ ﴾ في الآية ؟
الجواب:
اللام في ﴿ٱلدِّينِۖ
﴾ لام العهد أو بدل من الإضافة، والمراد: دين الله.
السؤال الرابع:
ما وزن كلمة ﴿ ٱلطَّٰغُوتِ ﴾ في الآية ؟
الجواب:
1ـ الطاغوت وزنه فعلوت، نحو: جبروت وملكوت ورهبوت، والتاء زائدة وهي مشتقة من طغى، وهذا اللفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، واستعملت كلها في القرآن الكريم .
شواهد قرآنية:
على الواحد: ﴿
يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ ﴾ [النساء:60].
على الجمع : ﴿ وَٱلَّذِينَ
كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ ﴾ [البقرة:257].
2ـ الأصل فيها التذكير، وأمّا قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ
أَن يَعۡبُدُوهَا ﴾ [الزمر: 17] فإنما أُنِّثت إرادة الآلهة.
3ـ معنى الطاغوت: الشيطان ـ الكاهن ـ الساحر ـ الأصنام ـ وبشكل عام كل ما يعبد من دون الله.
السؤال الخامس:
ما المقصود من قوله تعالى في الآية ﴿قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ﴾ ؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ
مِنَ ٱلۡغَيِّۚ﴾ أي:
تميز الحق من الباطل والإيمان من الكفر. والفعل (تبين) إذا ظهر ووضح.
السؤال السادس:
ما المقصود من قوله تعالى: ﴿بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾ في الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى ﴿بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾ وجمعها (عُرا)، والعروة هي الشيء الذي يتعلق به .
والوثقى تأنيث الأوثق، والمعنى: من أراد إمساك هذا الدين تعلق بالدلائل الواضحة القوية الدالة عليه.
2ـ قوله تعالى: ﴿لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ﴾ أصل الفصم: كسر الشيء من غير إبانة، والمقصود المبالغة؛ لأنّ هذه العروة لا انقطاع لها ولا انكسار للدلالة على ثباتها.
السؤال السابع:
في آية البقرة 256 يقول تعالى: ﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ
لَا
ٱنفِصَامَ لَهَاۗ ﴾ ولم يقل في آية لقمان رقم 22: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ ﴾ فلماذا ؟
الجواب:
الطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره، هذا معنى الطاغوت مثل: فرعون والشيطان وجمعها طواغيت.
والكفر بالطاغوت أحياناً يؤدي إلى أذى شديد وهلكة، لذلك تحتاج إلى ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ ﴾ يعني لا يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء.
فلما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ
لَهَاۗ ﴾ .
أمّا في لقمان فهي اتباع ﴿۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ
بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ ﴾ [لقمان:22] فلا تحتاج، لذلك لمّا ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة كما صلّبهم فرعون في جذوع النخل، قال: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ
لَهَاۗ ﴾ تستمسك ولا تنفصم ولا تنفصل وكأنها تحفيز للاستعصام والاستمساك بالله سبحانه وتعالى.
السؤال الثامن:
ما دلالة ﴿فَقَدِ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَقَدِ
ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَى ﴾ ؟
الجواب:
1ـ (قد) حرف تحقيق مع الفعل الماضي .
2ـ وإنْ كان مع الفعل المضارع فمن معانيها: التقليل أو الشك وتفيد التوكيد والتكثير أيضاً.
شواهد قرآنية:
ـ ﴿ قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ ﴾ [البقرة:144] هذا يقين والله تعالى يرى ويعلم سبحانه وتعالى.
ـ ﴿۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ
لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ ﴾ [الأحزاب:18].
3ـ إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق بأنّ الأمر تحقق، وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَى ﴾ تعني تحقق استمساكه.
ـ ﴿ قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١﴾ [المؤمنون:1]: هذا إخبار وتحقق.
قال الشاعر عبد الرحمن الداخل:
أيهـا الراكب المُيَمِّمُ أرضي |
|
أقرِ من بَعضِـيَ السَّلامَ لبعضـي |
إنَّ جسمي كما عَلِمتَ بِأَرضٍ |
|
وفؤادي وســـاكنيــــــه بأرضِ |
قد قضـى الله بالفِـراقِ علينا |
|
فعسى باجتِماعنــا سوف يَقضـِي |
والله
أعلم .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول