مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 215)

الحكم التشريعي الثالث والثلاثون : لا إكراه في الدين

﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٢٥٦ [البقرة: 256]

 

السؤال الأول:

ما الفرق بين الرُّشد والرَّشَد والرشاد ؟

الجواب:

الرُّشد: يقال للأمور الدنيوية والأُخروية، أمّا: الرَّشَد: ففي الأمور الأُخروية فقط، والرُشد عام ويشمل الرشاد.

الرشاد هو سبيل القصد والصلاح، وهو مصدر: قال تعالى: ﴿ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ٢٩ [غافر:29] أي: سبيل الصلاح عموماً أو طريق الصواب.

شواهد قرآنية:                                                                                     

﴿ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا [النساء:6] الرُشد في الدنيا.

﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ  [البقرة:256]

 ﴿ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا٢٤ [الكهف:24]

الرشاد مصدر، والمادة اللغوية واحدة لهذه الكلمات، فـــ (الرُّشد والرَّشد والرشاد) كلها مصادر للفعل: رشِد ورَشَد.

 

السؤال الثاني:

ما الفرق بين (لا) في الآية ﴿لَآ إِكۡرَاهَ و (ما) ؟

الجواب:

يقال: لا رجلَ في الدار، ويقال: ما من رجلٍ في الدار، فما الفرق بينهما علماً بأنّ التعبيرين نص في نفي الجنس؟

ـ (لا) تستعمل لجواب سؤال حاصل أو مقدر هو: هل من، نحو: من سأل عن وجود أحد في الدار؟ فالجواب: لا، ويكون الجواب كالإعلام.

ـ (ما) تستعمل كردٍّ على قولٍ أو ما نزل هذه المنزلة، نحو من قال: إنّ في الدار لرجلاً، فيكون الرد: ما من رجلٍ في الدار، فهو رد على قول وتصحيح ظن.

شواهد قرآنية على استعمال (ما) كرد على أقوالهم:

﴿ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ [المائدة:73].

﴿ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ٦١إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ   [آل عمران:61-62].

﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ٨ [البقرة:8].

﴿ وَيَسۡتَ‍ٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا١٣ [الأحزاب:13].

﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ [آل عمران:78].

﴿ وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ [التوبة:56].

 شواهد قرآنية على استعمال (لا ) كإعلام للمخاطب:

﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ [البقرة:2].

﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ  [البقرة:256].

﴿ فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ [محمد:19].

 

السؤال الثالث:

ما نوع اللام في كلمة ﴿ٱلدِّينِۖ في الآية ؟

الجواب:

اللام في ﴿ٱلدِّينِۖ لام العهد أو بدل من الإضافة، والمراد: دين الله.

 

السؤال الرابع:

ما وزن كلمة ﴿ ٱلطَّٰغُوتِ في الآية ؟

الجواب:

الطاغوت وزنه فعلوت، نحو: جبروت وملكوت ورهبوت، والتاء زائدة وهي مشتقة من طغى، وهذا اللفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، واستعملت كلها في القرآن الكريم .

 شواهد قرآنية:

على الواحد: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ [النساء:60].

على الجمع : ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ [البقرة:257].

الأصل فيها التذكير، وأمّا قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا [الزمر: 17] فإنما أُنِّثت إرادة الآلهة.

معنى الطاغوت: الشيطان ـ الكاهن ـ الساحر ـ الأصنام ـ وبشكل عام كل ما يعبد من دون الله.

 

السؤال الخامس:

ما المقصود من قوله تعالى في الآية ﴿قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ ؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ أي: تميز الحق من الباطل والإيمان من الكفر. والفعل (تبين) إذا ظهر ووضح.

 

السؤال السادس:

ما المقصود من قوله تعالى: ﴿بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ  في الآية ؟

الجواب:

قوله تعالى ﴿بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ  وجمعها (عُرا)، والعروة هي الشيء الذي يتعلق به .

والوثقى تأنيث الأوثق، والمعنى: من أراد إمساك هذا الدين تعلق بالدلائل الواضحة القوية الدالة عليه.

قوله تعالى: ﴿لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ أصل الفصم: كسر الشيء من غير إبانة، والمقصود المبالغة؛ لأنّ هذه العروة لا انقطاع لها ولا انكسار للدلالة على ثباتها.

 

السؤال السابع:

في آية البقرة 256 يقول تعالى: ﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ    ولم يقل في آية لقمان رقم 22: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ  فلماذا ؟

الجواب:

الطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره، هذا معنى الطاغوت مثل: فرعون والشيطان وجمعها طواغيت.

والكفر بالطاغوت أحياناً يؤدي إلى أذى شديد وهلكة، لذلك تحتاج إلى ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ  يعني لا يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء.

 فلما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ  .

 أمّا في لقمان فهي اتباع ﴿۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ [لقمان:22] فلا تحتاج، لذلك لمّا ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة كما صلّبهم فرعون في جذوع النخل، قال: ﴿ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ  تستمسك ولا تنفصم ولا تنفصل وكأنها تحفيز للاستعصام  والاستمساك بالله سبحانه وتعالى.

 

السؤال الثامن:

 ما دلالة ﴿فَقَدِ في قوله تعالى: ﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَى  ؟

الجواب:

(قد) حرف تحقيق مع الفعل الماضي .

وإنْ كان مع الفعل المضارع فمن معانيها: التقليل أو الشك وتفيد التوكيد والتكثير أيضاً.

 شواهد قرآنية:

ـ ﴿ قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ [البقرة:144] هذا يقين والله تعالى يرى ويعلم سبحانه وتعالى.

ـ ﴿۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ [الأحزاب:18].

إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق بأنّ الأمر تحقق، وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَى  تعني تحقق استمساكه.

ـ ﴿ قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١ [المؤمنون:1]: هذا إخبار وتحقق.

قال الشاعر عبد الرحمن الداخل:

 أيهـا الراكب المُيَمِّمُ أرضي

 

أقرِ من بَعضِـيَ السَّلامَ لبعضـي

إنَّ جسمي كما عَلِمتَ بِأَرضٍ

 

وفؤادي وســـاكنيــــــه بأرضِ
 

قد قضـى الله بالفِـراقِ علينا

 

فعسى باجتِماعنــا سوف يَقضـِي

 

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين