مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 214)

آية الكرسي ـ القسم الثاني الأخير ـ

﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَ‍ُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ [البقرة: 255]

 

السؤال الرابع عشر:

قوله تعالى في آية الكرسي: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وفي آية طه  قوله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا١١٠ [طه:110] فهل هما يحملان نفس المعنى ؟

الجواب:

في قوله تعالى في آية طه 110﴿ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا١١٠ أي: بذاته، فنفى الإحاطة بالذات في آية طه، ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي.

والسبب أنه في سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني إسرائيل للعجل، وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله لا يحاط به، لقد عبدوا إلهاً وأحاطوا به علماً، فناسب ألا يقول العلم، وإنما قال: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا١١٠ [طه:110] أمّا في آية الكرسي فالسياق جاء في العلم لذا قال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ .

 

السؤال الخامس عشر:

قوله تعالى: ﴿ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ ما دلالتها ؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ دلّ أولاً على أنه من ملكه السموات والأرض، وقبل هذه الجملة قال تعالى: ﴿لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ فدلّ على أنّ الذي فيهما هو ملكه أيضاً، لأنّ المالك قد يملك الشيء لكن لا يملك ما فيه وقد يكون العكس، فبدأ أولاً ﴿لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أي: أنّ ما فيهما ملكه ولم يذكر أنّ السموات والأرض ملكه، وهنا ذكر أنّ السموات والأرض وما فيهما هو ملكه، وأنّ الكرسي وسع السموات والأرض، كما ورد في الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري: «دخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المسجِدِ، فذكَرَ الحديثَ، قال فيه: قُلْتُ: فأيُّ آيةٍ أنزَل اللهُ عليك أعظَمُ؟ قال: آيةُ الكُرْسِيِّ، ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: يا أبا ذَرٍّ، ما السَّمواتُ السَّبعُ في الكُرْسِيِّ إلَّا كحَلْقةٍ مُلْقاةٍ في أرضٍ فَلاةٍ، وفضلُ العرشِ على الكُرْسِيِّ كفضلِ الفَلاةِ على تلك الحَلْقةِ».[الطبري 120/9].  

وقد وسع كرسيه السماوات والأرض فما بالك بعرشه؟ !!!!

 

السؤال السادس عشر:

ما الحكمة من استخدام صيغة الماضي في الفعل ﴿وَسِعَ [البقرة:255] ؟

الجواب:

 الحكمة أنّ صيغة الماضي تدلّ على أنه وسعهما فعلاً، فلو قال: يسع، لكان فقط إخباراً عن مقدار السعة، فعندما نقول: تسع داري ألف شخص، فليس بالضرورة أنْ يكون فيها ألف شخص، ولكن عندما نقول: وسعت داري ألف شخص، فهذا حصل فعلاً .

 فالفعل: (تسع): يعني إخباراً وليس بالضرورة أنه حصل، لكن الفعل (وسع) هو بمعنى حصل فعلاً وأن هذا أمر حاصل فعلاً.

 

السؤال السابع عشر:

ما معنى (كرسيه) في الآية؟ ولماذا جاءت معه كلمة السموات ﴿وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ مع أنّ السماء أعم؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى (وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ)  اللّه أعلم بما يليق بذاته ونحن نقف عند ما قال ربنا.

2ـ والكرسي المذكور في الآية ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هناك ما هو أعظم منه وهو العرش، وفي عظمة هذه المخلوقات ما يحير الأفكار وتكلّ الأبصار.

3ـ في اللغة يستعملون الكرسي مجازاً، ويقصدون به القدرة والملك والتدبر.

السماء عامة، والسموات يقصد بها السموات السبع، وحيث إنّ السموات السبع والأرض بالنسبة للكرسي كحلقة في فلاة كما في الحديث، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة. فالعرش أكبر، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة، فإذا وسع كرسيه السموات والأرض فما بالك بالعرش؟!.

 

السؤال الثامن عشر:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَلَا يَ‍ُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ في الآية؟ ولماذا جاء بصيغة المثنى؟ وما دلالة (لا)؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿وَلَا يَ‍ُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ أي: لا يثقله ولا يجهده، وجاء بـ (لا) للدلالة على الإطلاق ولا تدل على الزمن المطلق، وإنْ كان كثير من النحاة يجعلونها للمستقبل، لكنّ الأرجح أنها تفيد الإطلاق أي: (لا يمكن أن يحصل) . وجاء بصيغة المثنى لأنه قصد السموات والأرض .

 

السؤال التاسع عشر:

ما معنى (العلي والعظيم) وهما من أسماء الله الحسنى؟ وما دلالة تعريفهما ؟

الجواب:

 العليّ: من العلو والقهر والتسلط والغلبة والملك والسلطان والعلو عن النظير والمثيل.

 العظيم: من العظمة .

 وقد عرّفهما: (بأل التعريف) لأنه لا عليّ ولا عظيم على الحقيقة سواه، فهو العليّ العظيم حصراً.

 

السؤال العشرون:

 كم مرة ورد هذان الوصفان: ﴿وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ في القرآن الكريم ؟

الجواب:

هذان الوصفان وردا مرتين في ملك السموات والأرض، في آية الكرسي رقم (255 ) في سورة البقرة، وفي آية سورة الشورى (4) ﴿لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٤ والآيتان في ملك السموات والأرض بما يدلّ على العلو والعظمة حصراً له سبحانه.

ومن اللطائف في ذلك أنّ الله تعالى ذكر هذين الوصفين ﴿ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ في المرة الأولى في السورة ذات الترتيب الثاني في المصحف، اسمان مقابل الترتيب الثاني، وأعاد ذكرهما مرة ثانية في آية الشورى رقم (4) فصار المجموع أربع.

3 ـ لمزيد من المعلومات حول اسم (العظيم) انظر منظومة الرؤساء والملوك في آية الأنعام 123.

 

السؤال الواحد والعشرون:

بدأت الآية بصفتين ﴿ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ وانتهت بصفتين ﴿ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ فما دلالة ذلك؟

الجواب:

 الملاحظ في آية الكرسي أنها ذكرت في بدايتها صفتين من صفات الله تعالى ﴿ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ وانتهت بصفتين ﴿ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ وكل جملة في الآية تدل على أنه الحيّ القيّوم والعليّ العظيم، سبحانه تقدست صفاته.

 فالذي لا إله إلا هو هو الحي القيوم، والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو حيّ وقيّوم، والذي له ما في السموات وما في الأرض أي: المالك والذي يدبر أمر ملكه هو الحيّ القيوم، والذي لا يشفع عنده إلا بإذنه هو الحي القيوم، والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحاط بشيء من علمه هو الحيّ القيّوم، والذي وسع كرسيه السموات والأرض هو الحيّ القيّوم، والذي لا يؤده حفظهما هو الحيّ القيّوم؛ لأنّ الذي يحفظ هو الحي القيوم وهو العلي العظيم.

والحي القيوم هو العلي العظيم، والذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي له ما في السموات والأرض والذي لا يشفع عنده إلا بإذنه والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والذي لا يحاط بعلمه إلا بما شاء هو العليّ العظيم، فكل جملة في آية الكرسي المباركة تدلّ على أنه الحيّ القيّوم والعلي العظيم.

 

السؤال الثاني والعشرون:

ما الخطوط التعبيرية في الآية ؟

الجواب:

 الملاحظ في الآية أنها تذكر من كل الأشياء اثنين اثنين:

بدأها بصفتين من صفات الله تعالى ﴿ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ .

وذكر اثنين من سمات النقص ﴿سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ .

وكرّر (لا) مرتين ﴿لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ .

وذكر اثنين في الملكية ﴿ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ .

وكرر (ما) مرتين ﴿مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ .

وذكر اثنين من علمه في ﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ .

  وذكر اثنين مما وسعه الكرسي ﴿وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ .

  وختم الآية باثنين من صفاته ﴿ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ .

وقد ورد اسمان من أسماء الله الحسنى ﴿ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ مرَّتين في القرآن: في آية البقرة 255 ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ ومرة أخرى في آية آل عمران الثانية ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ٢ (لاحظ الرقم 2 الذي هو رقم الآية).

10ـ وكذلك الاسمان ﴿ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٢٥٥ وردا في القرآن مرتين أيضاً، مرة في آية البقرة 255، ومرة في سورة الشورى في الآية الرابعة ﴿لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ٤.

 

السؤال الثالث والعشرون:

كم اسماً من أسماء الله الحسنى ورد ظاهراً أو بإشارة الضمير في آية الكرسي؟

الجواب:

نجد في آية الكرسي ستة عشر اسماً لله تعالى، وإنْ حسبنا الضمير في (حفظهما) نجد أنها سبعة عشر اسماً.

 

السؤال الرابع والعشرون:

ما الفوائد والمعاني المذكورة في آية الكرسي؟

الجواب:

1 ـ نفي الألوهية عن كل ما سواه سبحانه ، وإثبات الألوهية له وحده .

2 ـ هو وحده الحي القيوم .

3 ـ لا يعتريه سبحانه سِنة ولا نوم .

4 ـ له ما في السماوات وما في الأرض ، وهو مالك كل شيء .

5 ـ لا يشفع أحد عند الله إلا بإذنه للشافع في الشفاعة .

6 ـ  علمه سبحانه محيطٌ بكل خلقه .

7 ـ  لا أحد  يحيط بمعلومات الله ، ولا يعلم ما غاب عن العباد إلا هو سبحانه .

8 ـ وسع كرسيه السماوات والأرض ، ولا يعلم حقيقته إلا هو سبحانه .

9 ـ لا ينوء  سبحانه بحفظ الكون كله ، ولا يثقله  ، ولا يعجزه .

10 ـ سبحانه هو صاحب الكبرياء والعظمة ، وهو العلي العظيم .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين