مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 206)

﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ٢٤٦﴾ [البقرة: 246]

 

السؤال:

لِمَ قال ربنا: ﴿ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ولم يقل (إلى قوم بني إسرائيل) أو (الجمع من بني إسرائيل)؟ وما دلالات هذه الآية ؟

الجواب:

1 ـ هذا من بديع القرآن واستعمالاته المعجزة، ولو عدنا إلى معنى الملأ، ومعنى القوم أو الجمع، لعلمنا سبب اختيار هذا اللفظ دون غيره، فنحن نعلم أنّ بني إسرائيل كانوا خارجين على حدود الله ولم يشذ أحد منهم، فناسب هذا الاجتماع المطلق على الرأي استعمال كلمة الملأ، التي تعني الجماعة الذين أمرهم واحد، ألسنا نقول: تمالأ القوم، عندما نقصد جماعة اتفقت على شيء؟ وهذا المعنى لا تفيده إلا كلمة (الملأ).

( الملأ ) الأشراف والوجوه من الناس ، وهو اسم للجماعة ، ولا واحد له من لفظه ، والجمع : أملاء ، مثل : سبب وأسباب .

3 ـ قيل : إنّ المعاصي كثرت في بني إسرائيل ، ثم غلب عليهم عدو لهم فسبى ذراريهم ، فسألوا نبيهم أن يولي عليهم ملكاً يجتمعون تحت قيادته ، ويقاتلون أعداءهم ، فقال لهم نبيهم : هل الأمر كما أتوقعه إنْ فُرض عليكم القتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون ؛ فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال !!! فقالوا مستنكرين توقع نبيهم : وأي مانع يمنعنا من القتال في سبيل الله ، وقد أخرَجَنا عدُونا من ديارنا ، وأبعدنا عن أولادنا بالقتل والأسر ؟ فلمّا فرض الله عليهم القتال مع الملك الذي عينه لهم جَبُنوا وفرّوا من القتال ، إلا قليلاً منهم ثبتوا بفضل الله، وهم الذين عبروا النهر وقيل عددهم (313 ) على عدد أهل بدر ، وسيأتي ذكرهم ،  والله عليم بالظالمين الناكثين عهودهم .

4 ـ هذه الآية تمثل تخاذل بني إسرائيل عن قتال العدو .

5 ـ قوله تعالى : ﴿ أَلَمۡ  استفهام تقريري ، وقوله تعالى : ﴿ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ  أي من بعد موته . والله أعلم .

 

 

﴿وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ٢٤٧﴾ [البقرة: 247]

 

السؤال الأول:

ما الفرق بين الجسم والجسد ؟

الجواب:

الجسم: يطلق على البدن الذي فيه حياة وروح وحركة.

الجسد: يطلق على التمثال الجامد أو بدن الإنسان بعد وفاته وخروج روحه .

 

السؤال الثاني:

كلمة ﴿بَسۡطَةٗ بالسين وردت في آية سورةالبقرة 247 ﴿بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ بينما وردت كلمة ﴿بَصۜۡطَةٗۖ بالصاد في آية الأعراف 69 ﴿وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فما السبب ؟

الجواب:

  حرف الصاد أقوى من حرف السين، حيث إنّ حرف الصاد له ست صفات؛ أربعة منها قوية وهي: (الاستعلاء و الإطباق و الإصمات والصفير) وصفتان ضعيفتان (الهمس والرخاوة)، بينما حرف السين له صفتان قويتان فقط؛ وهما (الإصمات والصفير)، وأربعة ضعيفة؛ وهي (الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح). فالسين للسعة الجزئية وعلة التقييد ، والصاد للسعة الكلية ومعنى الإطلاق .

2 ـ آية البقرة هي في وصف طالوت، وآية الأعراف هي في وصف قبيلة عاد قوم هود، وطالوت إنما هو شخص واحد، وأمّا عاد فهي قبيلة، فكان السين الذي هو أضعف أليق بالشخص الواحد، والصاد الذي هو أقوى وأظهر أليق بالقبيلة .

 

السؤال الثالث:

ما دلالة قوله تعالى في الآية:   ﴿وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ ؟ وما أهم دلالات الآية ؟

الجواب:

1 ـ قدّم الله سبحانه البسطة في العلم على البسطة في الجسم ، وفي هذا تنبيه على أنّ الفضائل العلمية والنفسية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية .

2 ـ ( طالوت ) ومثله ( جالوت ) ، اسمان أعجميان امتنعا من الصرف للعلمية والعجمة .

3 ـ قوله تعالى : ﴿قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ  استفهام من اليهود كيف يكون له أحقية الملك وهو ليس من سبط الملوك ؟ فقد كان أبوه عاملاً بسيطاً ، وهذا يمثل في اليهود العنصرية والطبقية منذ أبعد الآماد .

4 ـ ثم أضافوا إلى الطبقية والعنصرية عاملاً آخر وهو حب المال والتعويل عليه في الأرجحية : ﴿وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ  .

5 ـ بنو إسرائيل نسوا بأنّ الصفات الحقيقية هي :

آ ـ   ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ   فلزمكم الانقياد لذلك .

ب ـ ﴿وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ  أي فضّله عليكم بقوة الرأي ، وقوة الجسم اللذين بهما تتم أمور الملك .

ج ـ ﴿وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ    فالله مالك الملك ، وله أن يؤتيه من يشاء .

د ـ  ﴿وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ    أي فضله يؤتيه من يشاء ،ليس له رادّ ، وهو واسع الفضل والكرم ، وعليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه .

6 ـ قيل : إنّ طالوت كان أعلمَ بني إسرائيل بالحرب والديانات في وقته ، وكان أطول الناس وأقواهم جسداً . وقيل : كان ذلك حوالي سنة (1095 ) قبل الميلاد .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين