من روائع البيان في سور القرآن (167)

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 167)

مثنى محمد هبيان

 

﴿وَمِنهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 201]

السؤال الأول:

 قال تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] ما حسنة الدنيا؟ وما حسنة الآخرة؟ ولِمَ كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ؟

الجواب:

لا شك هي من الآيات الجامعة، ونحن نقرؤها قبل السلام في الصلاة دائماً، وثبت أنّ النبي كان يقول بهذا الدعاء في الطواف بين الركن اليماني والحَجر الأسود.

وحسنة الدنيا هي: الصحة والأمن والكفاية والولد والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء وفهم كتاب الله، وما أشبه ذلك.

وأمّا حسنة الآخرة فهي: الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والجنة ونيل رحمة الله سبحانه. والآية كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذا التقسيم في الدعاء المذكور في الآية؟

الجواب:

بيّن الحق سبحانه وتعالى أنّ الذين يدعون الله فريقان:

1ـ من يكون دعاؤهم لطلب الدنيا فقط، وهم الكفار أو المؤمنون، لكنهم يسألون الله لدنياهم فقط.

2ـ والذين يجمعون في الدعاء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة.

وقد كان في التقسيم نظرياً قسم ثالث وهو من يكون دعاؤه مقصوراً على طلب الآخرة، واختلف العلماء هل هو مشروع أم لا؟ والأكثرون على أنه غير مشروع؛ وذلك أنّ الإنسان خُلق محتاجاً ضعيفاً لا طاقة له بمتاعب الدنيا ولا بمشاق الآخرة، فالأولى أنْ يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة.

وجاء في الحديث عن أنس أنّ النبي دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض، فقال: "ما كنت تدعو الله به قبل هذا؟" قال: كنت أقول: اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجل به في الدنيا، فقال النبي : "سبحان الله إنك لا تطيق ذلك، ألا قلت: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِقال: فدعا له رسول الله فشُفِيَ" (رواه أنس بن مالك في صحيح مسلم)

3 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا﴾ استعمل الفعل (أتى) ولم يستعمل الفعل (أعطى) والفعلان أتى وأعطى لهما معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً. وفعل أتى أصله (أتي) والفعل أعطى أصله (عطو) ونجد أنّ العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء، وهذا معناه أنّ العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة مثل الإتيان، لذلك كثيرون من أهل اللغة قالوا: إن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك.

السؤال الثالث:

جاءت لفظة ﴿حَسَنَةٗ﴾ نكرة مرتين في الآية فما دلالة ذلك؟ وما دلالة الآية؟

الجواب:

1ـ كلمة ﴿حَسَنَةٗ﴾ جاءت نكرة في الموضعين، وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، وهذا الموصوف المحذوف هو على إطلاقه بما يفكر به الانسان، نحو: آتنا في الدنيا عطايا حسنة بتفاصيلها، وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها، فحذف الموصوف وأبقى الصفة، وجعلها بصيغة النكرة؛ حتى تشير إلى العموم والكثرة فتعني شيئاً عاماً، والله أعلم.

2ـ والهدف والمعنى والقصد من هذه الآية ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أي: كونوا كهؤلاء، وهنا ذكر الوصف للموصوف المحذوف، يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن، ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا: ﴿وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموصوفة بأنها حسنة في الآخرة، ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أنْ ادعوا هكذا ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201]؛ لأنّ الإنسان لا ينبغي أنْ ينسى أنّ هناك ناراً.

 وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ)، فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه، ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار.

3ـ ولمّا كان هؤلاء المؤمنون على منهج الرسل، فعبدوا الله أولاً كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث، نارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه فتأهلوا بذلك الدعاء فكان دعاؤهم كاملاً.

السؤال الرابع:

ما الدروس المستفادة من الآية؟

الجواب:

آـ لماذا لم ننس الدنيا هنا؟ لأنّ الدنيا مزرعة للآخرة، والحسنة هنا جاءت بصيغة النكرة مرتين وهي وصف لموصوف محذوف، أي: أنه أطلقها لتكون عامة وشاملة، فكأننا نقول: يا رب أعطنا كل ما يُحسّن الدنيا عندك لنا، أي: أعطنا في الدنيا عطايا حسنة وأعطنا في الآخرة عطايا حسنة أيضاً.

ب ـ وقوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201] فيها نعمتان:

1ـ مجرد الزحزحة عن النار فيها نعيم، ويقول: الحمد لله أنْ أنجاني من النار.

2ـ فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية.

ج ـ قوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ هو تأكيد لعدم دخول النار مطلقاً، لأنّ بعض الموحدين العاصين يدخلون النار ثم يدخلون الجنة،فكأنه طلب مؤكد يتوجه به المؤمن إلى الله تعالى أن لا يدخله النار ولو كان عاصياً.

السؤال الخامس:

ماذا يُسمى هذا الدعاء ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾؟

الجواب:

هذا الدعاء يسمى عند أهل العلم بـ(تاج الدعاء)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يردده دائماً.

وذكر بعض العلماء أنّ التيجان سبعة وهي:

1ـ تاج الذكر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).

2ـ تاج التسبيح: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته).

3ـ تاج الدعاء: (رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ).

4ـ تاج الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

5ـ تاج التحصين: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).

6ـ تاج تفريج الكروب: قوله تعالى: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:87].

7ـ تاج راحة البال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

 والله أعلم.

 

﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [البقرة: 202]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾ إلى من يرجع الضمير في لفظة (أولئك)؟

الجواب:

أنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، وقيل: إنه راجع إلى الفريقين كل حسب نصيبه من العمل.

السؤال الثاني:

ما المراد من قوله تعالى: ﴿لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾؟

الجواب:

 1ـ في (من) ثلاثة أقوال، أحدها: أنها للتبعيض، أي: نصيب من جنس ما كسبوا. والثاني: أنها للسببية، أي: من أجل ما كسبوا. والثالث: أنها للبيان.

2ـ الآية تدل على أنّ الجزاء من جنس العمل، ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي.

السؤال الثالث:

ما الكسب؟

الجواب:

 1ـ الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون مكسبه ومكتسبه.

 2- الاكتساب فيه افتعال ولا يكون إلا في الشر، كأنّ الذي يفعل الشر يتكلف فيه.

3ـ وفي الآية ﴿كَسَبُواْۚ﴾ أي: من الأعمال الصالحة وأعمال الخير والعبادة بأنواعها، والآية تتحدث عن أولئك.

السؤال الرابع:

 ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ في الآية؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ لأنّ الله يفعل بـ (كن) ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، فهو إذن سريع الحساب؛ ولأنه لا يشغله شأن عن شأن؛ وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث.

ولذلك سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق جميعاً في لحظة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة، فهو الذي يرزقهم وهو الذي يحاسبهم. والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين