ملامح إدانة عملية لأفعال الصهاينة - خطبة جمعة جامع التوحيد بحلب

خطبة الدكتور محمود عكام في جامع التوحيد بحلب

ملامح إدانة عملية لأفعال الصهاينة


أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون:
قال لي أحدهم أوَما سمعت بهذا الذي فعله الصهاينة المجرمون في المسجد الأقصى عندما دنَّسوه بدخولهم وهم يريدون العبث به، وقد قتّلوا أبناء جلدتنا وديننا، قلت له: وهل تنتظر منهم غير ذلك، هل تنتظر منهم أقلَّ من ذلك ؟ أجابني ألا ندينهم، ألا نُصدِر كتاباتٍ ومقالات وعرائض نشجب فيها ما فعلوه. قلت له: أتريدنا أن نبقى ندين هؤلاء المجرمين بالكلمات والأقوال والمقالات والإعلانات ؟ قال لي: وماذا نفعل إذن ؟ قلت له: هلمَّ من أجل أن نفكر بإدانة فعلية عملية، هلمَّ من أجل أن نتعاون ومن أجل أن نُسائل أنفسنا بوضوح، من أجل أن تسائل نفسك وأن أسائل نفسي: هل أعمل وهل أسعى وهل أفكر بهذه القضية تفكيراً جاداّ، وهل أنا فعلاً أعيش همَّ بيت المقدس، وكم من المساحة الذهنية والعملية والحركية يشغل بيت المقدس عندي ؟ ولنكن صرحاء: دعك من إداناتٍ شجبية قولية، كتابية، إعلامية، ولنبحث عن إدانة عملية. قال لي: هل فكرت في معالم إدانة عملية؟ قلت له فكرت فيها منذ زمن، لكنني اليوم ها أنا أضع بين يديك ما كنت وما زلت أفكر به.
أول ما يجب علينا أن نفعله أن نعمم على الناس ثقافة باطل إسرائيل، إسرائيل مؤسسة على باطل، إسرائيل كيان عدواني، علينا أن نعمم هذه الثقافة علينا وعلى غيرنا وأن تكون بلغتنا وبلغات غيرنا، وأن تكون علمية معرفية وثائقية استنادية، ومما لا شك فيه أن تكون الكلمات محددة، لأننا نتكلم كثيراً، وبالتالي حينما نتكلم كثيراً فإننا نضيع أفكاراً كثيرة. قلت له يا أخي فلنعمم ثقافة باطل إسرائيل، وعلينا في هذه الثقافة المعمَّمة أن نذكر للناس بتوثيق وتحقيق أن هؤلاء قتلة أنبياء، وهذا أمرٌ موثق وأن هؤلاء محتلون، وأن هؤلاء لا حق لديهم لا على مستوى التاريخ ولا على مستوى الحاضر في هذه الأرض التي تسمى فلسطين، وأن هؤلاء لا يرقبون في إنسان فضلاً عن مسلم إلاًّ ولا ذمَّة، ودعنا من أجل أن نركز على هذه الأمور في تعميم ثقافة باطل إسرائيل وأن إسرائيل باطلة قتلة أنبياء محتلون لا حق لهم في فلسطين لا يرقبون في إنسان سواهم إلاً ولا ذمة، فلنعمم هذا وليعمم الأستاذ في مدرسته عندما يريد أن يتكلم عن هذه القضية المركزية، فليركز على هذه الأمور حتى يشبَّ الولد فينا ذكراً كان أو أنثى، وقد دخلت خلايا تفكيره وثنايا عقله هذه الأمور وانطبع هذا في داخله وانتسج ذلك بنسيج عطائه الذهني والفكري والعملي. هذا أول ما يجب علينا أن نفعله.
الأمر الثاني: علينا أن نعمم علينا وعلى غيرنا مكانة بيت المقدس، عندنا بالعبارات المحددة أيضاً، بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ومهد المسيح ومركز الأمة المنتظرة العادلة، مركز الخلافة المنتظرة المؤملة، ولهذا يحرص هذا العدو اللئيم على إبعاد كل من ينشد العدالة، وهو يسعى إلى بناء دولة من كان لأنه يعلم من خلال تاريخه وقراءاته وتوراته أن بيت المقدس ليس له لا في الماضي ولا في المستقبل، وأن بيت المقدس سيكون مركزاً لدولة عادلة محسنة، سيكون مركزاً لدولة منشودة ليس فقط من خلال المسلمين وإنما منشودة من قبل الناس الذين يريدون للعدل أن يُبسَط، ويريدون للإحسان أن يحكم كل سلوك الناس من دون استثناء، فعمموا يا هؤلاء هذه الأمور ولنسمِّ هذا البند ثقافة بيت المقدس ليس عند المسلمين فحسب وإنما عند الإنسانية كلها بلغة علمية وبلغات مختلفة تصل إلى كل أنحاء العالم، وأصحاب الإعلام مسؤولون، وزارات الإعلام في بلادنا العربية والإسلامية مسؤولة عن هذا، وكل من امتلك وسيلة إعلام فهو مسؤولٌ عن هذا، وأنت أيها الأب مسؤول عن هذا بين أولادك، وأنت أيها المعلم والمدير والضابط، ويا من تشغل أدنى مساحة من المسؤولية على أرض وطننا العربي والإسلامي فأنت مسؤولٌ عن هذا.
ثالثاً: الإدانة العملية تتجلى بثقافة الوحدة، وتفعيل الوحدة هذه الكلمة التي أصبحت بالنسبة لنا اليوم سراباً، وأصبح الحديث عنها تضييعاً للوقت، لكنها ستبقى شئنا أم أبينا فريضة غائبة وفريضة يجب أن تحضر، علينا أن نعمم ضرورة الوحدة بين أبناء الوطن الإسلامي والعربي، ويكفي أنهم يواجهون عدواً مشتركاً، هذا العدو وهذا الكيان البغيض، فيا أبناء العالم الإسلامي على اختلاف تشكَّلاتكم المذهبية اتحدوا، بينكم مشتركات كثيرة، هكذا تقولون: ربكم واحد، كتابكم واحد، رسولكم واحد، هل تريدون مشتركات أكثر من هذا حتى تتحدوا ؟ وهل تشكون في قدرة هذه المشتركات على أن تجمعكم ؟ أولا يكفي أن يجمعكم أن ربكم واحد، وأن قرآنكم واحد، وأن رسولكم واحد ؟! فما لي أراكم مختلفين في قضايا إذا ما قيست إلى هذه المشتركات الكبيرة كانت صغيرة، تركتم المشتركات التي تجمعكم وهمتم في المفرقات الصغيرة الحقيرة التي تفرقكم والتي تبعدكم والتي تجعل من بعضكم أعداءً لبعضكم، وما العراق عنا ببعيد، وما الفصائل الفلسطينية عنا ببعيدة، وما السودان عنا ببعيد، وما السعودية عنا ببعيدة، ولا أفغانستان عنا ببعيدة، ولا أي مكان يعيش فيه المسلمون عنا ببعيد، فعداوة ما بينهم أقوى في تجليها من عداوتهم لإسرائيل.
رابعاً: الإدانة العملية يجب أن تكون بالعطاء السخي لبيت المقدس، وقد قلت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً: على كل دولة إسلامية وعربية أن تخصص من ميزانيتها ميزانية تسمى ميزانية بيت المقدس، على كل دولة ومن فمها ندينها التي تقول إن قضيتها المركزية قضية فلسطين، وأن يشرف على هذه الميزانيات المتعددة، والتي ستكون في النهاية ميزانية بيت المقدس، رجالٌ، وما أظن أنه ينقصنا في هذا الميدان خبرة لأننا في ميدان المال خبراء، في ميدان كسبه وفي ميدان إنفاقه وفي ميدان أخذه في الخفاء أو في ميدان اختلاسه، ما أظن أننا ينقصنا الخبرة في ذلك، فهيؤوا ميزانية تؤخذ من كل دولة ومن كل منظمة ومن كل جماعة ومن كل حركة ومن كل فئة تنتسب للإسلام، هناك قدرٌ محدد يسمى ميزانية بيت المقدس.
خامساً: من الإدانة العملية أن يقوم أبناء فلسطين بتشكيل وحدة متضامنة، أن يتضامن أبناء فلسطين الآن، ومضى على الأمر أكثر من سنة وسنتين وهنالك اجتماعات بين حماس وفتح وبين الجهاد وبين الجبهة برعاية مصر تارة، وبرعاية الأردن تارة أخرى، والسعودية تارة أخرى، ووصلنا إلى حلٍّ ولم نصل إلى حل، وهؤلاء يشككون وهؤلاء يشككون في هؤلاء وهكذا... أولا يكفي يا أبناء فلسطين، يا أصحاب الحركات، أولا يكفي أن يوحّدكم هذا العدو اللدود الذي لا يرقب فيكم ولا في واحدٍ منكم إلاً ولا ذمة، والذي لا يستثني حينما يقضي واحداً منكم ولا واحداً منا ولا واحداً من سواكم، لم يكن هو فأولئك يعتقدون أن الناس جميعاً يجب أن يُقضى عليهم حتى تبقى الأرض لأولئك الذين يُدعون بالصهيونيين أو بالصليبيين المتصهينين، هذه كلمات قليلة، لكنها هي الحقيقة التي يجب ألا نغيب قلوبنا وأعيننا عنها، هي الحقيقة بأم عينها.
أخيراً، أتريدون أن ندين أفعال إسرائيل الكيان المغتصب ؟ إذن علينا أن نخدم بلادنا، من لم يخدم بلاده فلا يمكن أن ينادي بتحرير فلسطين، من عجز عن خدمة بلاده كان عن خدمة فلسطين أعجز، أين خدمتكم بلادكم أنتم أيها الناس ؟ أين هذا التضامن في البلد هنا ؟ أين رعاية الجار للجار ؟ تكلمنا كثيراً منذ أسابيع مضت عن علاقات سيئة فيما بيننا، تكلمنا كثيراً عن سوء تصرف ينتج عنا ويظهر منا ونصدره نحو الأرض والشجر والحجر والجماد والحيوان والإنسان، تكلمنا عن هذا، فهل هذا طريقٌ عملية لإدانة إسرائيل ؟ ما أظن أن ذلك سيكون طريقاً لإدانة عملية لإسرائيل، هيا إلى خدمة بلادكم، هيا أيها الأستاذ إلى خدمة المدرسة التي تدرِّس فيها، هيا أيها الشيخ إلى خدمة المسجد خدمة حقيقية معنوية وحسية، هيا أيها الموظف إلى خدمة دائرتك حتى تدين بذلك عملياً إسرائيل، بعملنا بنظافة عملنا، بإتقاننا العمل الموكل إلينا، فهذا تعبيرٌ عن إدانة عملية لإسرائيل، لأن إسرائيل تنظر إلينا فترانا أناساً لا يقوون أو يتكاسلون في خدمة بلدهم، فهم يرون فينا أناساً غير قادرين على طردهم. عندما ترى إنساناً ضعيفاً وعندما ترى إنساناً مُهَلهلاً، وعندما ترى إنساناً يعتدي على أمه فهل تنتظر من هذا أن يكون باراً بأمهاتٍ أخريات في أماكن أخرى ؟ لا يمكن هذا، فاقد الشيء لا يعطيه، والإنسان إن لم يقم على بناء نفسه لا يمكن أن يقوم على بناء غيره، فهيا إلى بناء الوطن، وهيا إلى خدمة البلد، وهيا إلى التعاون فيما بيننا، وهيا إلى لملمة الفقر من بيننا، وهيا إلى رفض وإبعاد كل ما يسيء إلى الوطن وإلى الأرض وإلى المواطن وإلى الناس من هذه البقعة التي نعيش عليها.
هذه ملامح ومعالم إدانة عملية، أتريدون أن نُدين فلنقم بهذا، وإلا فلا قيمة لألف إدانة شجبية قولية، فستذهب هذه الإدانة الشجبية القولية أدراجَ الرياح، وهنالك ومنذ سنوات طالت إدانات كثيرة شجبية إنشائية كلماتية أقوى من هذا الذي نريد أن نصدره من إدانات شجبية قولية، أقوى من حيث اللغة، وأقوى من حيث الموضوع، أتريدون فلسطين ؟ هيا إلى الإدانة العملية عبر الملامح التي ذكرنا، وإلا قولوا كما يقول الكثير ولكن في غير مسارها وسياقها: ?حسبنا الله ونعم الوكيل?، وقولوا: اللهم أرحنا إن كان الموت خيراً لنا فأمتنا وإن كانت الحياة وما أظنها كذلك فأحينا، قولوا هذا لأننا لم نعد ولم يعد الأجيال يريدون أن يتحملوا هذا الذي نمطرهم به من كلام وكفانا ذلك، أسأل العلي القدير الرحمن الرحيم أن يجعلنا على مستوى قضيتنا، وأن يجعلنا على مستوى ديننا وإسلامنا الذي بعدنا عنه كثيراً، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ 2/10/2009

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين