معترك الأسماء

 

 ليس غريباً أن يكون الاسم الذي يسمَّى به الإنسان هو قاعدة البيانات الأولى التي تربطه بالكون المحيط به ، كصفحة المرآة تعكس النور والظلام والظلال والألوان في نفس صاحبها ، مهما كان لهذا الانعكاس من أثر فهو يلازمه حتى تنطويَ حياته في اللحظة الأخيرة.

وليس عجباً أن يجعل الإسلام حسن التسمية للإنسان حقاً من حقوق الطفل على والديه يحاججهما به ، وهو الأمرالذي لم يلتفت له أي قانون أو نظام سابق على قانون الإسلام إضافة إلى حقوق الأبناء على الآباء في اختيار آبائهم وأمهاتهم .

وبكل صرامة وتبلد تقول لي: (مشيرة إلى ابنتها):طقيت من البكاء لما أنجبتها ، وعاند أبوها وأصرّ أن يسميَها درية- على اسم أمه - وأسميتها أنا: أريج نكاية بمراده ، وإلى اليوم لها اسمان :اسم في المدرسة وعند أبيها وأهله ؛ واسم أناديها به بين إخوتها وأقاربي .

وليست هذه هي الحالة الوحيدة إنما هي حالات كثيرة مطابقة أو مشابهة تُنتهك فيها كرامة الإنسان ، وهوعاجز عن الدفاع عن نفسه ، فإما أن تُزدرى بسبب أنها أنثى ثم تكون ضحية خلافات تافهة غير جديرة بالاحترام.

أو يُبجَّل لأجل أنه ذكر - وهو مالا يوجب إلا حسن التربية - وكذلك يقع ضحية العادات ، باسم التقدير والبرّ، وحقيقة البرّ : أن يصون المرء أسماء والديه ، ويحفظ لهما مكانتهما إلا إذا كان الاسم مناسباً لعصره ، وكان الاتفاق الحقيقي ولم يكن من مندوحة لأن تسمّي (الأم كما يسمّي الأب ) الأسماء على أسماء والديها كما يسمّي على أسماء والديه .

 وليت الأمور تقف عند هذا الحد، بل كثيراً مايقرع سمع الأطفال الصغار بضغائن الآباء أوتفاهات الأمهات ، كأن يقول لزوجته :طلع خبل لأنه على اسم... ، أو أن تقول : ما أطيقها لأنها على اسم ...،عدا عن أسماء الدلع ومايغمز فيها من كره الاسم الأصلي لسبب ما وتفضيل اسم الرخاوة والغرابة مماليس في أصل الاسم ولا ما يشابهه .

واذا كانت التسمية حقاًمن حقوق الإنسان فإن للنداء حقوقاً أخرى منها: أن لاينادى الإنسان إلا بأحب الأسماء إليه ، وأن يتحبّب إليه بندائه على سبيل الإكرام ، وأن يكنّى باسم أول أبنائه ، وشاهدنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنس :«يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟» قال قلت: نعم، أنا أذهب، يا رسول الله. رواه مسلم في الفضائل (2310)

وكذلك خطابه لعمير وقد مات عصفوره : "ياعمير مافعل النغير"؟متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6203)، ومسلم في الآداب (2150)، عن أنس.

 فهو تلطيف للخطاب ، ومداراة للنفس الموّارة بمشاعر الإنسان الذي يتحسّس وجوده مشرَّفاً مكرَّماً بين الوجوه التي تصافحه بالبشر أو تجفو عنه بالتعيير والازدراء.

 وإذا لم يلقَ المرء له اسماً يشرِّفه فلا اطمأنت إليه نفسه ،ولاقرَّت بالحياة عينه ، ولاسكن اضطراب عواطفه بفرح إلا مشوباً بالكدر والتحسّر .

 وأية شخصية هذه ستكون تلك التي تحمل اسمين متباغضين ،أواسماً غير حبيب ولا إلى الأحبة قريب ، أوكان اسمه يحمل جراحات الذكرى وأوجاع الماضي .

وماذنب الإنسان يحمّل تبعات الآخرين ومشكلاتهم في مواجهة الحياة..؟!!

ليس تجاهلاً لأيسرحقوق الإنسان فحسب وإنما تفريط بقيمة الإنسان واحترام وجوده .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين