مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها ـ 4 ـ

الشيخ : أحمد النعسان

 

مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيا عباد الله:

إن عظمة الإسلام تتجلى في تشريعاته التي أنزلها الله تعالى على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, والتي من جملتها أن جعل سياجاً حول حقوق الناس عامة, وحول حقوق الزوجة خاصة.

فلا يؤخذ أحد بظنٍّ, ولا يحكم بريبةٍ, ولا يصبح الظن أساساً لمحاكمتهم, بل لا يصح أن يكون أساساً للتحقيق معهم ولا للتحقيق حولهم.

ولا يوجد مبرِّر لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات, فالناس على ظواهرهم, ليس لأحد أن يتعقَّب بواطنهم, وليس لأحد أن يظن أو يتوقع أو حتى يعرف أنهم يقترفون المخالفات في خفاء فيتجسس عليهم.

من أجل سلامة الأسرة شرع الإسلام:
أيها الإخوة الكرام: من أجل سلامة المجتمع ومن أجل سلامة الأسرة, وحتى تبقى الأسرة والمجتمع في تماسك, قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.

من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأَنَاةُ مِنْ اللَّهِ, وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ) رواه الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا) رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عه.
من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ, فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا) رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه.

من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ لازِمَاتٌ لأُمَّتِي: الطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّنْ هُوَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللَّهَ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه.

أيها الإخوة الكرام: الإسلام جعل هذا السياج من أجل سلامة حقوق العباد فيما بين بعضهم البعض, وأمرهم بالتعامل فيما بينهم بالظاهر, والله عز وجل هو الذي يتولى السرائر.

الإسلام حرم الحكم على الآخرين بناء على نقل الكلام بدون تثبُّت, لأنه يفسد علاقة أفراد الأسرة فيما بين بعضهم البعض, ويفسد علاقة المجتمع, ويجعل نار العداوة بينهم.
سماع الزوج عن زوجته خبراً بدون تثبُّت:

أيها الإخوة الكرام: ما زال حديثي عن الخلافات الزوجية والتي يكون الزوج فيها سبباً, من جملة هذه الأسباب, سماع الزوج عن زوجته نبأً وخبراً, ومن خلاله يتعامل مع زوجته بدون أن يتثبَّت من النبأ الذي نقل إليه.

وإنه لمن العجب أن ترى الزوج حياته مستقرة مع زوجته مطمئنة لا إشكال فيها, فإذا به تنقلب حياته إلى جحيم وشقاء من خلال ذاك النبأ الذي نقل إليه ولم يتثبت من صحته, وهذه طامَّة كبرى.

ربنا عز وجل يخاطبنا بآية صريحة لا تحتاج إلى تأويل ولا إلى شرح وتوضيح يقول فيها مولانا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}. آية محكمة واضحة يأمر الله تعالى المؤمن أن يتثبَّت من النبأ الذي يصل إليه, وخاصة إذا كان النبأ سيترك أثراً في نفسه.

هنالك أنباء تجعل الشك مكان اليقين, وتجعل البغض مكان المحبة, وتجعل القطيعة مكان الوصل, وتجعل الغل والكراهية مكان سلامة الصدر, وتجعل التدابر مكان التواصل, وتجعل النار مكان النور, وتجعل الطلاق مكان الزواج.
ناقل النبأ ليس معصوماً:

أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نكون على يقين بأن ناقل الأنباء لنا ليس معصوماً مهما كان, لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
 

فالأب والأم والأخ والأخت ليسوا بمعصومين, فمن نقل لك نبأً عن زوجتك من أب أو أم أو أخ أو أخت وكان النبأ له أثر في نفسك, وجب عليك أن تتثبت لأن الناقل ليس معصوماً.
لقد زُوِّجتَ أيها الرجل على أساس من الدين والخلق, حيث كان ولي أمر زوجتك سمع قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصاحب الدين والخلق يتمثل قول الله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.
 

قد يفتري الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت على زوجة الإنسان, ولا غرابة في هذا وخاصة في هذا العصر, وربنا عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا}.
 

ناقل النبأ عاصٍ:
أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نكون على بيِّنة من أمرنا, ومن الواجب علينا أن نعلم بأن ناقل الأنباء السلبية التي تؤثر على العلاقات تأثيراً سلبياً هو عاصٍ لله عز وجل.
الناقل هو واحد من اثنين, إما أن يكون نمّاماً وإما أن يكون مغتاباً, والله تعالى يقول في حق النمَّام ذامَّاً له: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيم * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم}. ويقول الله تعالى في حق المغتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}. والغيبة أن تقول الحق في أخيك وهو كاره له, يقول صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ, قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 

فناقل الأنباء عاصٍ في سائر أحواله, بغضِّ النظر عن القائل وعن درجة قرابته للمنقول له.
لماذا تصدِّق الناقل وتكذِّب المنقول عنه؟
أيها الإخوة الكرام: قولوا لكلِّ زوج جعل مشكلة في حياته الزوجية بناء على نقل الأخبار بدون تثبت: لماذا تصدِّق الناقل ولا تصدِّق المنقول عنه؟
على أيِّ أساس صدَّقت وكذَّبت؟ أترضى أن يحكم عليك إنسان بناء على أمر نقل إليه عنك؟ الجواب: قطعاً لا أرضى بذلك, وتعتبر ذلك ظلماً, وتسرع لتلاوة الآية الكريمة: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
لماذا أبوك وأمك وأقاربك كلهم صادقون, وزوجتك كاذبة؟
أيها الزوج! لو نقلت لك زوجتك نبأ عن أمك أو أبيك أو أحد من أقاربك, هل تصدقها مباشرة أم تتثبت من صحة نقلها؟ تذكر يا أخي قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون}. اجعل مكيالاً واحداً ألا وهو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}. مهما كان الناقل إذا كنت متأثراً, وإلا فلا تتثبت وكن سليم الصدر.
 

وأنا أقسم يميناً أيها الإخوة بأن جُلَّ المشاكل الأسرية أساسها نقل الكلام بدون تثبُّت, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
 

لأن القيل والقال بدون تثبت دمار للأسرة والمجتمع.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: إذا أردنا حياة طيبة كريمة لأنفسنا ولغيرنا فعلينا بالالتزام بالكتاب والسنة, ومن الالتزام بالكتاب والسنة أقول لناقلي الأنباء والأخبار: تذكروا أيها الإخوة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}.
وأقول للمنقول إليه النبأ: تذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.
 

كم من امرأة طُلِّقت من وراء نبأ كاذب تبيَّن للزوج كذبه بعد الطلاق؟ وكم من امرأة قُتلت من وراء نبأ كاذب تبيَّن للقاتل كذبه بعد القتل؟
أيها الزوج! لا تكن سبباً في الخلاف الزوجي بحيث تكون أذناً صاغية لكلِّ ما يقال عن زوجتك, تثبَّتْ وتبيَّنْ حتى لا تندم لا في الدنيا ولا في الآخرة.
اللهم اجعلنا وقَّافين عند حدود شريعتك. آمين.
أقول هذا القول وكلٌّ منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين