مريم فرحات(محيسن)

 

مجاهدة وعضو مجلس تشريعي

هي مريم محيسن من مواليد حي الشجاعية في مدينة غزة وهذه سيرة حياتها كما ترويها أم نضال:
"أنا مريم محيسن من حي الشجاعية أحد أحياء مدينة غزة،ولدت عام 1950 وشهدت نكبات فلسطين المتوالية في 1956و1967 وقد تركتا أثراً كبيراً في نفسي،عمقته جرائم الاحتلال وممارساته التعسفية تجاه أبناء شعبنا.كنت اشعر بالمقت الشديد للاحتلال،وضرورة تضافر الجهود حتى تحرير الوطن.كانت الشعارات القومية هي السائدة في ذلك الوقت وقد أثرت فينا تأثيراً كبيراً وخاصة في الستينات ولكن في نهاية هذه الأعوام تزوجت وهداني الله للإسلام،فأمنت أنه الوسيلة الوحيدة فقط لتحرير الأرض والإنسان.أحببت المدرسة وآمنت بالعلم طريقاً للنصر،كنت أفضل اللغة العربية على غيرها من المواد،وتعلقت بالمطالعة كثيراً أحببت في البداية الروايات والقصص وما زال الشعر يأسرني ولكن بعد قراءتي للكتب الإسلامية أحسست بعظمة هذا الدين فقد أحببت كتابات سيد قطب وغيره من الإسلاميين كنت أنتهز أي فرصة للقراءة ولم تكن في هذا الوقت مراكز للعمل النسائي بل كانت هناك بعض الجهود الفردية.التزمت بعد زواجي بتعاليم الإسلام،آمنت أنه دين ودنيا وحاولت جاهدة أن أطبق ذلك في حياتي ولو بجهد ذاتي مني فقط وبرز في ذلك الفترة "أواخر الستينات وأوائل السبعينات"دور المجمع الإسلامي الذي ترأسه الشيخ "احمد ياسين"حيث أهتم بدور المرأة فأنشأ لها فرعاً في المجمع الإسلامي،واختارني الشيخ لأكون ناظرة الروضة التابعة للمجمع ولكني لم أوافق لكوني أماً لأطفال صغار ووافقت أن أتولى عمل أمينة مكتبة المجمع،وكنت أتابع الندوات التي تقام فيها فتركت هذه الفترة بصمتها على شخصيتي.
تركنا غزة وسافرنا إلى ليبيا حيث عمل زوجي.ولكنني كنت أزرع المبادئ التي أؤمن بها في نفوس أبنائي،فربيتهم على الالتزام بتعاليم الدين وحب الجهاد وضرورة الدفاع عن الوطن والمقدسات وعندما عدنا إلى غزة قبل اندلاع الانتفاضة الأولى وكانت هناك بعض الإرهاصات لحدوث ثورة شعبية.كنت أشجع أولادي دائماً رغم صغر سنهم على الانخراط بأي فعلية جهادية خاصة إذا كانت من منطلق إسلامي،وكنت أوصيهم دائماً إن أنا مت أن يستمروا هم على هذه الطريق حتى تحقيق النصر بإذن الله كانوا يشاركون في رشق الحجارة في بداية الانتفاضة الأولى وأتخذ هذا العمل شكلاً أخر في أواخر سنوات الانتفاضة حين بدأنا بإيواء المطاردين.

خنساء فلسطين.. قوة المبادئ وعاطفة الأمومة                 
تميزت هذه الفترة بالتضييق على المجاهدين وكان هذا الأمر قد بلغ أشده في التضييق على عماد عقل وقد قدم حديثاً من الخليل في أوائل عام 1993 وكان من الصعب توفير مأوى له بسبب الملاحقة المستمرة من قبل جنود الاحتلال كانت هذه أول مرة أرى فيها عماد عقل حين عاد ذات يوم من عملية عرفت فيما بعد باسم "عملية الشيخ عجلين"يرافقه المجاهد "محمد دخان"المعتقل حاليا وكان معهما ابني وسام كانوا فرحين لنجاح عمليتهما فطلبت من أبني وسام أن ادخل عليهما لأرحب بهما.كنت سعيدة أنني حظيت بهذا الشرف أن يكون بيتي مأوى لهذه العصبة الرائعة من أبناء شعبنا العظيم،كنت فخورة أنني أعد لهم الطعام واغسل لهم ملابسهم،كان البيت يعج دائماً بالمجاهدين يخططون للعمليات ويعودون أيضاً بعدها إلينا.كل ذلك أثر في نفسيتنا جميعاً وزرع فينا حب الجهاد والاستشهاد وأن الحياة الكريمة تتحقق في العمل من أجل رفعة هذا الدين كنا نساعدهم في أمور كثيرة لا يستطيعون تحقيقها.كنا نتمنى أن نشاركهم عملهم العسكري ولكنهم كانوا يرفضون ذلك ويقولون لنا إنه يكفي حالياً أن يكون بينكم مأوى للمجاهدين وهذا الدور أهم من المشاركة العسكرية.اذكر من القادة الذين استضفناهم القائد"محمد ضيف""عوض سلمي""محمد دخان""رائد الحلاق""تيتو مسعود"وأيمن مهنا"الذي كان الذراع الأيمن لعماد.
عندما تسمع عنها يخيل إليك أنها أتت من زمان غير زماننا، أو أن عاطفة الأمومة نُزعت من قلبها، وغُرس بدلا منها حب المقاومة والوطن، كيف بها تطلب من ابنها إيواء مطارَدين لجيش الاحتلال في بيتها رغم معرفتها أنها يمكن أن تفقد أولادها الستة لهذا السبب؟ وكيف تدفع بابنها "محمد" ليتسابق في نيل شرف مقاومة جيش الاحتلال، وتوصيه بالثبات حتى يلقى ربه شهيدا؟!                
كانت العملية التي قام بها ابنها الشهيد محمد والتي كانت أم محمد فرحات في وداعه لينجز مهمته الجهادية بكل إيمان بالله وثقة بالنفس،من العمليات النوعية والتي أودت بحياة 11مستوطن صهيوني،وقد هزت الكيان الغاصب، كانت أم نضال مثال الأم الصابرة المحتسبة، حيث كانت تحضنه وتقبله بحنان قبل أن يفارقها وهي تعلم علم اليقين أنه لن يعود إليها وسيغيب عنها إلى الأبد. ، ،فنعم الأم التي تبعث أبنائها للجهاد في سبيل

لقد سجلت فرحات أروع الصور لجهاد المرأة الفلسطينية، وضربت مثلا بدفعها ابنها محمد للمشاركة في اقتحام مستوطنة صهيونية وقتل العشرات من مستوطنيها رغم صغر سنه، بعد أن نمّت الجرأة في قلبه وهي تقول له: "أريدك أن تقاتل بالسلاح لا بالحجر"؛ لذلك سرعان ما فكر في البحث عن عمل ليدخر منه ثمن السلاح الذي لا تستطيع هذه الأسرة أن توفره لولدها. حثته أمه على العمل والكد حتى يستطيع أن يمتلك السلاح، ويحافظ عليه لأنه عرف مدى صعوبة الحصول عليه. وتضيف أم نضال: "كان من أجمل أيام حياتي عندما امتلك محمد السلاح فأحضره لي ليسعد قلبي به، ويؤكد لي أنه أصبح رجلا يمكن أن يسير في طريق الجهاد"

ليس ذلك فحسب، يا لها من امرأة صلبة قوية ملكت زمام الأمور وجوامع الكلم، عندما سألناها ألم تترددي ولو قليلا؟ ابتسمت وقالت: كيف أمنع الخير عن ابني؟ لقد علمته من البداية أن يكون صادقا معي ولا يخفى عني سر جهاده حتى أشجعه وأقويه، ومع حلول شهر رمضان بشرني بالتحاقه بكتائب القسام وأنه يستعد لخوض عملية استشهادية قريبا

وليس غريبا على مثل هذه الأم أن تتمنى أن يرزق الله جميع أولادها الشهادة وحب الاستشهاد ليسيروا على درب عقل، لتختم قولها: "من يحب الله والوطن فلا يتوانى عن تقديم أبنائه فداء له، والأم التي تحب ولدها تطلب له النجاة في الدنيا والآخرة وتدفعه للجهاد ولا تجزع عند فوزه بها، ولا تشمت الأعداء بشعبنا بدموعها على شاشات التلفزة".
أم نضال فرحات... تحرض أبناءها وأحفادها على الجهاد في سبيل الله!!
 
أم نضال فرحات... فلسطينية في الخمسينيات من العمر، شامخة كشموخ الجبال، تتلمس في قوتها الخير في الأمة كلها، من خير النساء التي شهد بشجاعتها ونضالها الشيخ الجليل أحمد ياسين والرنتيسي وكل المجاهدين الفلسطينيين، أم وجدة انتقلت الآن من تحريض أبنائها لتحريض أحفادها على الجهاد في سبيل الله.
ما إن تقع عيناك على وجهها الأبيض المبتسم حتى يسكنك شعور غريب يدفعك للاقتراب منها برهبة ووقار شديدين، كانت تتوسط جموع المعزيات وتتقبل المباركة بشهادة "رواد" ومن ثم تتحدث بصبر وإيمان عن هذا الجديد الذي فارقها في غارة صهيونية، فتضع برفق وحب تاريخ استشهاده في ذاكرتها كي يلي تاريخ استشهاد نضال ومحمد وتاريخ وفاة زوجها قبل عام وتاريخ اعتقال وسام، فهم ستة أبناء كانوا، استشهد منهم ثلاثة ورابعهم يقبع منذ 11 عاماً خلف القضبان أسيراً.
"خنساء فلسطين" في بيتها القابع شرق غزة المدينة استقبلت "لها أون لاين" لتحدثنا عن حرقة فراق "الضنا" والصبر والأمل بعد استشهادهم، وعن القوة والأمل والنصر الذي تعيشه الآن..
*أم نضال فرحات... يتفاخر العدو بأنه سلبك ثلاثة من أبنائك، ما تعليقك؟
ـ لا .. لم يسلبني الاحتلال أبنائي بل أنا قدمتهم راضية مختارة للشهادة، هؤلاء الأبناء لم يذهبوا سدى بل عرفوا واجبهم وقاموا بتأدية واجب واصطفاهم الله شهداء.
* أذهلتِ العالم في صبرك يا خنساء فلسطين، لكنك تقرين بالحزن ولا تعارض فيه مع الصبر... ماذا تقولين لهم؟
ـ هذا واجب على كل مسلم.. واجب نابع من ديننا الإسلام العظيم، كل إنسان مسلم واجب عليه الصبر، هذا ليس فضلاً وليست زيادة في معروف هذا هو الواجب على كل مسلم ومسلمة.. الحرقة شعور فطري لدى كل إنسان من الله العزيز، لكن المفارقة فينا نحن المسلمين، لدينا المشاعر والعواطف الإنسانية والأمومة الجياشة، ولكن كمسلمات يجب أن نربط عواطفنا بضوابط الشرع، فلا شيء يتعدى الشرع، شرع الله سبحانه وتعالى خط أحمر لا يمكن تعديه حتى لو كانت مشاعرنا، لو انصعت لعواطفي ومشاعري لما استطعت أن أقدم أي شيء، فقدان الابن له غصة في القلب وآلم الفراق رهيب لا يعرفه إلا من جربه، لكن إذا كنا نعرف أن هذه الآلام في سبيل الله ومأجورين عليها إن شاء الله وستوصلنا إلى سعادة فلنتحملها... الدنيا ساعات قليلة، في عمر الإنسان ولا تساوي شيئاً، فلنتحمل هذا الأمر في سبيل الفوز بالآخرة، فهل نبيع الآخرة لأننا لا نستطيع تحمل هذه الآلام.
* ماذا تقولين للمرأة الفلسطينية في يوم استشهاد ابنك الثالث؟
ـ المرأة الفلسطينية قدمت الغالي والنفيس، لست وحدي خنساء فلسطين بل الخنساوات كثر في فلسطين، ولكنني أناشد الأم الفلسطينية والزوجة الفلسطينية وأقول لها ما زال أمامنا المشوار طويلاً وصراعنا مع الصهاينة ما زال في أوله، صحيح أنها قدمت وضحت لكن مطلوب المزيد من التضحيات، نحن في طريق طويل شاقة ونحن اخترناها، المشوار الجهادي لا بد فيه من الصعاب والمنح لكن هذه الطريق توصل إلى رضا الرحمن وإلى الجنة وإلى تحرير الأوطان أفلا نصبر.
* ماذا عن اللحظات الأخيرة التي رأيتِ فيها رواد؟
ـ كانت أحلى لحظات، كانت مفاجأة رهبية لي رغم توقعي الشهادة لرواد منذ كنت حاملاً فيه وهذا إلهام من ربي، شعرت أنه شيء سريع جداً رغم أنه ليل نهار في الخطر، فهو في كل أساليب المقاومة يشارك وأول المقاومين، لم يبق أسلوب من أساليب المقاومة إلا تبعه، هو أصغر أبنائي ويعيش معي وفرقته كانت شيئاً رهيباً لي، رواد حنون جداً.
خرج بدلاً من أخيه مؤمن في مهمة جهادية، وقبل أن يخرج بدقائق، عاتبته لقلة أكله فوقف على الشباك مبتسماً وقال: "والله يا "أما" أكلت كل شيء وما بقي شيء إلا أكلته"، ثم خرج وبعد خمس دقائق جاء خبر استشهاده.
* ماذا فعلت أم نضال بعد سماع خبر الشهادة؟
ـ الأمر عصيب على نفسي، لكنني التزمت بشرع الله سبحانه وتعالي حتى لو كنت في أحلك المواقف لا أنسى أن أقف الموقف الذي يرضاه الله لي، لأن المطلوب الصبر عند الصدمة الأولى، سجدت لله شكراً ودعوت أن يتقبله شهيداً.
*ماذا عن ابنك الأسير، هل أخبرته بشهادة أخيه الثالث؟
لا.. فأنا لا أتمكن من زيارته، هو منذ 11 سنة في الأسر، لكنه من المؤكد أنه سمع خبر استشهاد أخيه في الأخبار.
*هل فوجئت بما حدث بعد الانسحاب من غزة من اعتداءات صهيونية كان من ضمنها استشهاد رواد ؟
ـ اعتقدت كالجميع أنها ستكون فترة راحة، لكن اليهود وطبيعتهم في الغدر والخيانة وعدم الإيفاء بالعهود والمواثيق نعلمها جيدا.
* ما هي رسالتك للشعب الفلسطيني؟
ـ أدعو الله الكريم أن يعيننا على ما نحن فيه، وأن نكون أقوياء، وأناشد أبناء شعبنا وأقول لهم لا تنتظروا الراحة.. التضحيات بحاجة للمزيد، وإذا أردنا الراحة وسعة العيش فمهلا عليها، شدوا حيلكم
والهجمة شرسة جداً يجب التمسك بخيار المقاومة.
* ماذا تقولين للعدو الصهيوني؟
ـ أقول لشارون اللص الحقير... أيها اللص الغبي صواريخك لا تخيفنا ومهما بلغت من القوة فهي مفاتيحنا للجنة ولن تزيدنا إلا ثباتاً وإيماناً ويقينا بقرب النصر، هي هدية لنا تنقلنا من ضيق الدنيا وجورها إلى سعة الآخرة ونعيمها.

- وماذا تقولين للعالم الإسلامي والعربي؟