مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (65)

(قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠)[البقرة: 70]

السؤال الأول:

قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا) [البقرة:70] لِمَ قالوا هذه الجملة في هذه الآية، مع أنهم لم يقولوها في المرات السابقة؟

الجواب:

في الأصل طلب الله منهم أنْ يذبجوا (بَقَرَةٞ) بالتنكير المطلوب، أي: أنْ يمسكوا أي بقرة فيذبحوها، فشددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم.

طلب بنو إسرائيل صفات البقرة على ثلاث مراحل:

﴿ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ٦٨ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩﴾ [البقرة: 68-69]

آ ـ طلبوا تحديد ماهيتها في البداية (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ) [البقرة:68]. 

ب ـ و طلبوا تحديد لونها (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ) [البقرة:69] ولم يعللوا سبب طلبهم.

ج ـ في المرة الثالثة قالوا: (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] ولجأوا للتعليل؛ لأنّ فعل الشيء ثلاث مرات يكون له وقع في النفس من الضجر؛ فلا بدّ من إضافة تعليل في المرة الثالثة. 

السؤال الثاني:

قوله تعالى في الآية: (وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ) [البقرة:70] ما الفرق في الاستعمال بين: ( إن شاء الله ) وبين: ( بإذن الله ) في القرآن الكريم؟

الجواب:

1 ـ وردت جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) في القرآن الكريم (6) مرات في الآيات: [ البقرة 70 ـ يوسف 99 ـ الكهف 69 ـ القصص 27 ـ الصافات 102 ـ الفتح 27]. ووردت جملة (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) في  ( 18 ) موضعاً في ( 17 ) آية , ووردت كلمة (بِإِذۡنِهِۦ) في ( 9 ) مواضع.

2ـ الفرق في الاستعمال بين ( إنْ شاء الله ) وبين ( بإذن الله ) في القرآن الكريم, هناك أقوال عدة منها:

القول الأول:

آ ـ أنّ استخدام جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) يكون عندما أقوم بنفسي بالعمل أو الحاجة أو أتدخل بها بالأمر بشكل شخصي فردي أو جماعي: 

شواهد قرآنية:

ـ (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] هم سيقومون بذبح البقرة بأنفسهم بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ٧١) [البقرة:71]. 

ـ (وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ٩٩) [يوسف:99] هم سيدخلون.

ـ (قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا٦٩) [الكهف:69] هو سيصبر.

ـ (قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ١٠٢) [الصافات:102] هو سيصبر.

ب ـ وأمّا (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) فالعمل ليس لي أي دخل به , بل هو بتدبيرٍ خارج إرادتي.

شواهد قرآنية:

ـ (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ ) [البقرة:97] فنزول القرآن الكريم على النبي عليه السلام ليس له دخل فيه بل هو من عند الله.

ـ (كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ ﱽ) [البقرة:249] فنصر القلة يكون بتدبير إلهي , وإلا فالمنطقُ يقول إنهم يهزمون , بدليل قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ) [البقرة:251] فالنصرُ كان من عند الله تعالى.

ـ (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ) [البقرة:102] فالسحر لا يضر الآخرين إلا بقضاء الله وإذنه. والله أعلم.

القول الثاني:

لا فرق في الاستثناء بقولك: ( إنْ شاءَ الله ) وقولك: ( بإذن الله ) وذلك لأسباب عدّة منها: 

آ ـ أنّ معنى كلٍ من الاستعمالين متقارب , فالتعليق على مشيئة الله يشابهُ التعليق على إذنه سبحانه.

ب ـ الاستعمال القرآني لكلٍ من هذين اللفظين أيضاً متقارب , وفي القرآن هناك بعض الآيات التي ورد فيه اللفظان على معنى واحد متقارب في آية واحدة , كما في قوله تعالى: 

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ٥١ ﱠ [الشورى:51] 

 وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ٢٦ ﱠ [النجم:26]

ج ـ معظم المفسرين لم يفرقْ بين الاستعمالين , وهناك منهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه.

د ـ وعند الفقهاء كذلك , فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) في باب ( الاستثناء ) عن الأَيمَان والنذور والطلاق وغيرها: أنّ كلَ تعليقٍ على مشيئة الله ونحوه هومما يبطل الحكم , وقالوا: إنّ قولك: ( بإذن الله ) استثاء , كقولك: ( إن شاء الله ).

القول الثالث: 

جملة ( إنْ شاء الله ) جملة فعلية , وجملة ( بإذن الله ) جملة إسمية , والجملة الفعلية تدل على الحدث , وربما يشير ذلك إلى ما ذهب به أصحاب القول الأول من أنّ ( إنْ شاء الله ) تأتي مع عملٍ أنت ستقوم به أي: ( حدث ) , بينما الجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار, لتشير إلى أنّ مشيئة الله هي السائدة المستمرة لكل الأزمنة قبل زمن الأفعال والأحداث , وخلالها وبعدها في الزمن السرمدي, وهي الأصل في كل خلق الله تعالى.

ولذلك من الأفضل أن نعلق كلَ شيء مستقبلي بالمشيئة كما قال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ ٢٤ ﱠ[الكهف: 23ـ24 ] , أمّا الشيء الماضي فلا يُعلق بالمشيئة إلا إذا قُصِدَ بذلك التعليل , فمثلاً لوقال لك شخص حين صلى:صليتُ إنْ شاء الله , فإنْ قَصَدَ فِعلَ الصلاة فإنّ الاستثناء هنا لا ينبغي , وإنْ قصَدَ الصلاة المقبولة فهذا يصح معه أنْ يقول: ( إنْ شاء الله ) لأنه لا يعلم أقبلتْ أم لم تقبل. والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين