في حالةٍ استثنائيّةٍ فريدة، وغير معهودةٍ في تاريخ النبوّات والكتب
السماويّة، يصرّ نبيُّ المسلمين، محمّد بن عبد الله، ويصرّ كتابهم (القرآن)،
وبثقةٍ متناهية، على التأكيد أنّ سلسلة الرسل والأنبياء قد اختتمت به، وعلى الجزم
بنفي أيّ احتمالٍ لتوقّع نبيٍّ آخر أو لشريعةٍ أخرى بعد الإسلام. إنّه بكلمات:
خاتَم الأنبياء والرسل، وإنّها خاتمةٌ الشرائع، نقطة، من أوّل السطر!
- مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ
مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 40]
- عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "لا
نبيَّ بعدي". [متّفق عليه]
إنّها جرأةٌ في الإخبار
عن المستقبل لا تعدلها جرأة! ومن المثير للدهشة حقّاً، وللحوافز العلميّة الملحّة
من أجل القيام بالمزيد من البحث والتنقيب أيضاً، أنّنا، وبعد مرور أربعة عشر قرناً
على ظهور الإسلام، وكما وعد محمّدٌ وكِتابه، لا نجد أثراً لشريعةٍ سماويّةٍ رابعةٍ
في الأفق حتّى الآن، رغم أنّ البشريّة لم تعهد مثل هذا الفارق الزمنيّ الكبير الذي
يفصل بين النبيّ والآخر، أو الشريعة والأخرى!
كان بين موسى والمسيح
حوالى 1900 عام، جاء خلالها ما يقرب من 1000 نبيٍّ لبني إسرائيل وحدهم، حسب
الروايات الدينيّة والتاريخيّة. ثمّ كان بين المسيح ومحمّد 569 عاماً، بُعث في أوّلها
3 أنبياء (أُرسلوا إلى قوم أنطاكية)، فكانت الفترة بين هؤلاء الأنبياء الثلاثة
وبين محمّد 434 عاماً لا أكثر، وهي أطول بعدٍ زمنيٍّ يفصل بين نبيّين عرفته
البشريّة حتّى ظهور محمّد!
ولا أملك، بإزاء هذا الإعلان الجريء والمبكّر، والواثق
ثقةً غير عاديّةٍ من نفسه، وقد مرّ أربعة عشر قرناً على بعثة محمّد، إلّا أن
أستعرض أمامي هذه الحقائق الأساسيّة الثلاث:
أ-
إنّ موسى لم ينف مجيء نبيٍّ
بعده، بل، على العكس، بشّر به وأكّده. ولقد جاء حقّاً نبيٌّ بعد موسى وهو المسيح.
ب-
وإنّ المسيح لم ينفِ مجيء نبيٍّ بعده، بل، على
العكس، بشّر به وأكّده. ولقد جاء حقّاً نبيٌّ بعد المسيح وهو محمّد.
ت-
ثمّ لم يكتف المسيح بالتبشير بالنبيّ "المعزّي"
الذي سيأتي بعده، بل أكّد، أيضاً، أنّه سيكون النبيّ الأخير، فرسالته ستكون
الخاتمة لأنّها تبقى مع البشر "إلى الأبد" كما توضّحه لنا عبارة
إنجيل يوحنّا:
- وسأطلُبُ من الآبِ أن يُعطيَكم مُعزّياً آخر يبقى معكم إلى الأبد [يوحنّا: 14: 16]
ث-
أمّا محمّدٌ فهو وحده، من بين كلّ الأنبياء،
الذي لم يبشّر بأيّ نبيٍّ بعده، بل على العكس، أكّد بنفسه وأكّد كتابُه، ومن غير
أدنى تردّد، أنّه "خاتَم النبيّين"،
وأن "لا نبيّ بعدي".
هذا التأكيد الجريء ما يزال
صامداً على الزمن لم يهتزّ، رغم مرور هذه الفترة الزمنيّة الطويلة، وغير المسبوقة
في تاريخ النبوّات!
* * *
أمّا عن صحّة نبوّة محمّد؛ فلا
بدّ أن يدور في رأسنا هذا السؤال الهامّ:
إذا لم يكن محمّدٌ نبيّاً، كما
يذهب أتباع موسى والمسيح، وكان مجرّد مدّعٍ للنبوّة، مثل كثيرٍ من المدّعين جاؤوا
قبله كما جاؤوا بعده، فلماذا ورّط نفسه وربط دعوته بهذين النبيّين السابقين ليواجه
هذا الجدل الذي لا نهاية له حول طبيعة المسيح، وحول حقيقة ارتباطه بالله، وحول
صحّة حادثة صلبه وطريقة وفاته؟ ألم يكن من الأجدى له أن يوفّر على نفسه كلّ هذه
الصدامات مع الشرائع السابقة، فيخترع ديناً جديداً لا علاقة له بالمسيح، ولا
بموسى، ولا ببقيّة الأنبياء؟
ولو افترضنا أنّ محمّداً ليس
خاتم الأنبياء، وليس نبيّاً أصلاً، كما يدافع أتباع الشريعتين الأخريين، وصدّقه
المسلمون رغم ذلك، وجاء يوم الدينونة وساعة الحساب، فهل نتوقّع من ربّهم أن
يحاسبهم على أن آمنوا بهذا "النبيّ المدّعي"، وأن يسألهم، مثلاً،
مؤنّباً ومتوعّداً بالعقاب الشديد، أسئلةً كهذه الأسئلة:
1-
كيف
تصدّقون محمّداً وهو يدّعي أنّني إلهٌ واحد لا شريك لي؟
2-
أو:
كيف تصدّقون محمّداً وهو يدّعي أنّني الخالق لكلّ شيء، وأنّني أعظم وأجلّ من أن أتزوّج،
أو أن يكون لي ولدٌ أنجبه ثمّ يشاركني في ألوهيّتي؟
3-
أو:
كيف تصدّقون محمّداً وهو يدّعي أنّ موسى كان نبيّاً عظيماً، وأنّه كلّم الله،
وأنّه شقّ البحر بعصاه، وأنّه أنقذ شعب إسرائيل من بطش فرعون وجنوده؟
4-
أو:
كيف تصدّقون محمّداً وهو يدّعي أنّ المسيح كان نبيّاً عظيماً، وأنّه، دون كلّ
الأنبياء، ولد ولادةً إعجازيّةً من غير أب، ومن مريم العذراء التي اصطفاها الله
على نساء العالمين، كما في النصّ القرآنيّ، وأنّه برّأ أمّه من تهمة الزنى التي
اتّهموها بها، ودافع عنها بلسانه وهو لمّا يزل في الأيّام الأولى من عمره، وأنّه
كثّر الطعام والشراب، وشفى المريض، وأعاد النظر للأعمى، وأحيا الميّت، واجترح
الكثير من المعجزات الأخرى بإذن ربّه؟
5-
أو:
كيف تصدّقون محمّداً وهو يدّعي حتميّة قيام الساعة، وحتميّة وقوع الحساب، وحتميّة
دخول الناس إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار؟
6-
وأخيراً،
وبعد مرور أكثر من ألفي عامٍ على بعثة المسيح: كيف تصدّقون محمّداً وهو يدّعي أنّه
خاتَم الأنبياء، وأنّه لن يأتي نبيّ بعده على الإطلاق؟
لقد كانت كلّ الانتقادات في
القرآن بخصوص الشريعة المسيحيّة موجّهةً لأتباع المسيح، وليس للمسيح، فاتّهمهم
القرآن بأنّهم بدّلوا أقواله، ونَسبوا له ما لم يقله، ووصفوه بما لم يصف به نفسه.
وعدا عن ذلك، فإنّ المسيحييّن
والمسلمين متّفقون اتّفاقاً مدهشاً على قدسيّة المسيح، ومجمعون على حبّه واحترامه
الشديدين، ومؤمنون إيماناً تامّاً بمعجزاته الكثيرة، وبحقيقة ولادته الإعجازيّة،
وبحقيقة وفاته الإعجازيّة أيضاً، بل بحتميّة عودته إلى الأرض من جديد، ليمكث فيها
أربعين سنةً، يسود فيها الأمن والمحبّة والسلام، حتّى بين الحيوانات، وكذلك بينها
وبين الإنسان أيضاً؟
-
قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿٣١﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ
يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿٣٢﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ
وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿٣٣﴾ [مريم: 30-33]
- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا
قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ
وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ
لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾ [النساء: 157-158]
- عن النّوّاسِ بنِ
سَمعانَ قال: "ذَكَرَ رسولُ اللهِ (ص) الدَّجَّالَ
ذاتَ غَداةٍ – أي صباحَ أحدِ الأيّام -، فخَفَضَ فيه ورفَع – أي فَصَّلَ في
الحديث عنه وقال فيما قال عن مجيئه -: .. إذْ بَعَثَ
اللهُ المسيحَ بنَ مريمَ، فيَنزِلُ عند المنارةِ البيضاءِ شَرقَيَّ دمشقَ بين مَهْرودَتَينِ
– أي لابساً ثوبَين مصبوغين بالوَرْس والزّعفران -، واضعاً
كفَّيه على أجنحةِ ملَكَينِ، إذا طأطأَ رأسَهُ قَطَرَ – أي بقطَراتِ الماء -، وإذا رفَعَه
تَحدَّرَ منه جُمانٌ كاللؤلؤ – أي قطَراتٌ فضّيةٌ كاللؤلؤ -.. فيطلُبُه – أي يُطاردُ الدجّالَ
- حتّى يُدركَه ببابِ لُدٍّ – شمالَ فِلَسطين – فيقتلَه". [رواه مسلم]
- عن أبي هريرةَ
قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): ".. وإنه نازلٌ – أي المسيح
–، فإذا رأيتُموه فاعرِفوه: رجلٌ مَرْبوعٌ – أي ليس بالطويل
ولا القصير –، – لَوْنُه
يَمِيلُ – إلى الحُمرةِ والبَياضِ، بين مُمَصَّرَتَين – أي يلبَسُ
ثوبين أحْمَرَين –، كأنَّ رأسَه يَقطُرُ وإنْ لَمْ يُصِبْه بَلَلٌ – لنضارةِ
شعرِه ونظافتِه –، فيقاتِلُ الناسَ على الإسلامِ – أي لِيُسْلِموا
–، فيَدُقُّ الصليبَ – أي يَكسِرُه
–، ويقتُلُ الخِنزيرَ، ويَضَعُ الجِزْيةَ – أي يرفعُها
عن أهلِ الكتابِ لإيمانِهم جميعاً به وبالإسلام –، ويُهلِكُ اللهُ في زمانِه المِلَلَ كلَّها – أي يُبطِلُها
– إلّا الإسلامَ، ويُهلِكُ اللهُ المسيحَ
الدَّجَّالَ، وتقعُ الأمَنَةُ في الأرضِ، حتّى ترتَعَ الأسُودُ مع الإبلِ،
والنِّمارُ – أي النُّمور - مع البقرِ،
والذئابُ مع الغنمِ، ويلعبَ الصبيانُ بالحيَّاتِ لا تَضُرُّهم، فيَمْكُثُ في
الأرضِ أربعين سنةً، ثمّ يُتوفَّى، فيُصلِّي عليه المسلمون". [رواه أبو داود، وصحّحه الألباني]
ويصنّف القرآن والدة المسيح (مريم بنت عمران)، دون أيّة
امرأةٍ أخرى من البشر، أو من أسرة محمّد، على أنّها المرأة التي اصطفاها الله، دون
كلّ نساء الخليقة، لتحتلّ المكانة الأولى بينهنّ إلى يوم القيامة:
-
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ
اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 42]
ومن اللافت للنظر حقّاً أنّ
مريم أمّ المسيح هي المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها صريحاً في القرآن، بل يتكرّر
فيه 34 مرّةً.
وبالمقابل، يخبرنا محمّدٌ أنّ
كلا أبويه في النار، وأنّ ربّه لم يأذن له بأن يستغفر لأمّه! فأبوه قد مات قبل
ولادته بعدّة أشهر، وأمّه ماتت وهو ما يزال في الثامنة، فلم يدرك أيٌّ منهما رسالة
الإسلام، وأقصى ما سمح له به ربّه في حقّ أمّه هو أن يزور قبرها لا أكثر:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: "زَارَ
النَّبِيُّ (ص) قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقال:
اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي،
وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ
فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ". [رواه مسلم]
- عن أنسِ بنِ مالكٍ: "أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله، أين أبي؟ قال: في النّار
–
وكان قد ماتَ في الجاهليّة –. فلمّا قَفَّى –
أي انصرفَ –
دعاهُ فقالَ –
ليُسرّيَ عنه -: إنّ أبي وأباكَ في النّار". [رواه مسلم]
ولعلّ الأعجب من ذلك كلّه؛ أنّ
محمّداً، رغم ثقته
بأنّه النبيّ الذي أرسله ربّه "رحمةً
للعالمين" كما جاء في القرآن، لم يحاول أن يخفي عن الناس من حوله،
وهو لمّا يزل يحاول أن يقنعهم بنفسه، وبصحّة نبوّته وشريعته، العديد من المزايا الرفيعة
التي خصّ الله بها والدَ مريم (عمران)، وكذلك أمّها (حَنَّة)، ومريم ابنتهما،
والمسيح بن مريم، ومعه ابن خالته يحيى المعمدان، وزوج خالته زكريّا، تلك المزايا
التي لم يمنحها الله لوالدَي محمّد، ولا لأيٍّ من أفراد أسرته، بمن فيهم ابنته
الأقرب إليه فاطمة الزهراء، وحفيداه المفضّلان الحسن والحسين:
-
إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ
إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ ﴿٣٥﴾ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي
وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ
كَالْأُنثَى ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ
وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿٣٦﴾ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا
وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا
الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ
هَـذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ
مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٧﴾ [آل عمران: 33-37]
-
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنّ رسولَ اللهِ (ص) قال: "الحَسَنُ والحُسَينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ؛ إلّا
ابنَيْ الخالةِ عيسى بنَ مريمَ ويَحيي بنَ زكريا. وفاطمةُ – ابنتُه – سيدةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ؛ إلّا ما كان مِنْ مَريمَ بنتِ عِمران – أي مِنْ
غيرِ أنْ يَمَسَّ ذلكَ بمكانة مريمَ التي اصطفاها القرآنُ الكريم على نساءِ
العالَمين –". [رواه
السيوطي، وصحّحه الألباني]
-
عن أبي هريرة (ر) قال: قال رسول
الله (ص): "كلُّ بني آدمَ يَمَسُّه الشيطانُ
يومَ ولَدتْه أمُّه، إلّا مريمَ وابنَها". [رواه مسلم]
ويذهب محمّدٌ إلى أبعد من ذلك حين يؤكّد للمسلمين أنّ
أعداد النصارى سوف تظلّ أكثر من أعداد المسلمين، ومن أعداد كلّ أمم الأرض، إلى يوم
القيامة! ثمّ لم يتردّد أصحابه، وهم يعقّبون على هذه النبوءة الجريئة من نبيّهم،
في أن يمتدحوا أخلاق هؤلاء النصارى:
- حدّثَ موسى بنُ عليٍّ عن أبيه قال: قال المُستَورِدُ القُرَشيّ عند عَمرِو
بنِ العاص: سمعتُ رسولَ اللهِ (ص) يقول: "تقومُ
الساعةُ والرومُ – أي النصارى – أكثرُ الناس. فقال له عَمرو: أبصِرْ ما تقول! – أي هل أنت مُدركٌ لخطورةِ ما تقول؟
– قال: أقولُ ما سمعتُ مِن رسولِ اللهِ (ص)! قال – أي عَمرو بنُ العاص –: لئن قلتَ ذلك، إنّ فيهم لخِصالاً
أربعاً: إنّهم لأَحلَمُ الناسِ عند فتنةٍ، وأسرعُهم إفاقةً بعدَ مصيبة، وأوشَكُهم كَرّةً
بعد فَرّة – أي يستردّون قوّتَهم بسرعةٍ
بعد الهزيمةِ أو النازلة –، وخيرُهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسةٌ حسنةٌ وجميلةٌ:
وأمنعُهم مِن ظُلمِ الملوك – أي لا يَسكتون عن الظلمِ والاستبداد –". [رواه مسلم]
وأخيراً، ونحن نقف أمام هذه
الحقائق المثيرة، لا مفرّ من أن تواجه السابقين واللاحقين، يهوداً ونصارى ومسلمين،
لو أعملوا عقولهم، مثل هذه الأسئلة المصيريّة التي لا مفرّ من الإجابة عنها:
1-
تُرى، أيّ نبيٍّ مدّعٍ يجرؤ على
أن يكيل مثل هذا المديح، ويضفي مثل تلك المزايا الرفيعة، على أسرة نبيٍّ آخر يمكن
أن تكون شريعته، المترسّخة جذورها سلفاً في نفوس الملايين بأنحاء الأرض، المنافسَ
الأقوى لشريعته الجديدة؟
2-
تُرى، هل سيغضب المسيح من
المسلمين، أو حتّى من أتباعه المسيحيّين، لو قالوا: لا، لستَ إلهاً، ولا ابن الله،
بل "روح الله وكلمته" ألقاها إلى مريم، كما
يؤكّد نبيّ المسلمين؟
3-
وماذا يمكن أن يكون الردّ
الإلهيّ عليهم لو أصرّوا وقالوا: بل إنّ المسيح هو ابنك من زوجتك مريم، وهو شريكك
في الثالوث المقدّس، وشريكك في الألوهيّة، فأنت لا ينبغي أن تنفرد وحدك بهذه
الألوهيّة؟
4-
وأخيراً، وبعد مرور ثلاثة آلاف
عامٍ على مجيء موسى، وألفي عامٍ على مجيء المسيح:
أ- ألم يَحِنِ الوقت ليسأل أتباعُ موسى أنفسهم السؤال البدهيّ، والأخطر على
الإطلاق:
هل علينا أن ننتظر ثلاثة آلاف
سنةٍ أخرى ليأتي ذلك النبيّ الذي وعدنا به موسى: "نبيّاً مِن وسَطِكَ"؟
ب-
ألم يَحِنِ الوقت، أيضاً، ليسأل أتباعُ المسيح
أنفسهم:
وهل علينا أن ننتظر ألفي سنةٍ
أخرى ليأتينا ذلك "المعزّي" الموعود الذي بشّرنا به المسيح؟
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول