محمد درويش خطيب
(الفقيه الفَرَضي)
1321ـ 1432 هـ - 1903 ـ 2011 م
بقلم: محمد عدنان كاتبي
شيخنا المعمر الشيخ محمد بن درويش بن الشيخ
محمد الخطيب الملقب بـ (كوزال)
ابن الشيخ مصطفى بن محمد عرب بن أحمد ويتصل نسبة بعشيرة (النعيم) المشهور نسبها إلى آل البيت ،الجيني الحلبي الشافعي.
فقيه
شافعي، فرضي، واعظ من المعمرين.
ولد في
قرية (الجينة)([1]) في أسرة متدينة، تفخر
بإرثها التاريخي في خدمة الدين ونشر العلم.
أمضى
طفولته وشبابه في القرية، وسط المزارع والحقول، يعمل بالزراعة ورعي الماشية، مما
أكسبه حساً مرهفاً، وذاكرة قوية وقدرة على التفكير والاستنتاج.
ولما قامت
الحرب العالمية الأولى، قصد قريتهم الشيخ أحمد الشهيد، وأقام فيها، يعلم أبنائها
القرآن الكريم، فأسرع الشيخ إليه وتعلم تلاوة القرآن على يديه في أقل من خمسة
أشهر، ولما انتهت الحرب العلمية الأولى، عاد الشيخ أحمد إلى المدينة حلب، وظل
الشيخ في القرية بعد أن أوقد فيه شيخه جذوة حب العلم والمعرفة، فراح يتعلم الكتابة
والحساب بنفسه دون معلم فأتقنهما،
وعمل كاتباً ومحاسباً لدى بعض المزارعين، لكن حبه للعلم وتطلعه لمتابعة تحصيله،
دفعه إلى القدوم إلى حلب والعمل على الانتساب إلى المدرسة (الخسروية) ([2])
فيها، واستطاع الشيخ بعد لأيٍ تحقيق
أمنيته، ودخل المدرسة (الخسروية)، وهو لا يملك سوى هذه الرغبة الأكيدة في
طلب العلم، حيث تلقى في المدرسة علوم التلاوة والتجويد والتفسير والحديث والفقه
الشافعي والتربية والأخلاق والتوحيد والمنطق والفرائض وعلوم اللغة العربية, نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها، بالإضافة إلى بعض
العلوم الكونية، كالحساب والجغرافية والعلوم العامة وغيرها.
وقد درسها على شيوخه، الشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ عمر المرتيني، والشيخ فيض الله الأيوبي، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ عبد الله حماد، والشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ محمد الناشد، وغيرهم من علماء حلب، وإن كان لشيخه الشيخ أحمد
الشهيد الأثر الأكبر في بنائه العلمي، حيث لازمه في المدرسة (الإسماعيلية) وقرأ عليه علم النحو والفقه مدة طويلة.
وخلال
دراسته في المدرسة (الخسروية)
انقطع انقطاعاً تاماً لطلب العلم ،ومطالعة كتب الفقه، وتابع دراسته في المدرسة حتى
تخرج فيها، سنة: 1339هـ([3])، وبعد تخرجه عاد إلى قريته، يؤم الناس فيها، ويدعوهم
إلى الله ويرشدهم إلى أمور دينهم ودنياهم، وغدا مرجعاً لأهل المنطقة كلها في فتاواهم، وحل
مشكلاتهم الاجتماعية، ثم راح ينتقل في الأرياف معلماً وواعظاً وإماماً وخطيباً في منطقة (تفتناز وعين العرب ومعرة النعمان)، فاستفاد منه خلق
كثير، التزموا بمبادئ الشرع الحنيف، وساروا على نهجه القويم، ولم يأل جهداً في
نشرة الدعوة بين غير المسلمين، في تلك المناطق إذ غدا محبوباً لديهم، فالتقوا
حوله، يستمعون إلى وعظه وإرشاده وحديثه عن قناعة
ورغبة صادقة،
وقد أكرمني
الله سبحانه بالحضور عليه، وسماع بعض الأحاديث الشريفة منه، وتفضل عليّ بإجازته لي
في الحديث الشريف، وفي كل كتبه، وكل ما أجازه به شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ، وكل
ما تجوز له روايته عنه.
وبعد تجوال
في هذه القرى استمر
أكثر من عشرين سنة، عاد إلى حلب وتقدم لامتحان مديرية الأوقاف، لاختيار الأئمة
والخطباء، وحصل على الدرجة الأولى فيه، فعين إماماً وخطيباً، وتنقل بهذه الوظيفية
في عدد من مساجد حلب، ثم عين مدرس محافظة في دائرة الإفتاء، فكان له درس في الفقه
والوعظ والإرشاد في الجامع الأموي الكبير، ودرس مثله في سجن حلب، وقد استطاع أن
يؤثر على كثير من السجناء، ويأخذ بأيديهم إلى طريق الهدى والرشاد، فتاب على يديه
الكثير منهم، كما أسلم على يديه في السجن رجلان أو ثلاثة، ولم يتركهم الشيخ بعد
خروجهم من السجن، بل تابع خدمته لهم، حيث سعى في إيجاد عمل شريف لكثير منهم.
والشيخ
محمد صوفي المشرب، أخذ الطريقة (النقشبندية)
عن شيخه الشيخ محمد أبي النصر بن خلف الحمصي والإجازة في أورادها وأذكارها.
وتميز
الشيخ المترجم بعلمي الفقه الشافعي والفرائض، وكثيراً ما كان مفتي حلب شيخنا الشيخ
محمد عثمان بلال، ومن قبله المفتي الشيخ محمد الحكم يحيلان إليه المسائل الفقهية
ومسائل المواريث خاصة، فيجدا لديه الجواب المحكم السديد والرأي الصائب الرشيد.
قام الشيخ
برحلات متعددة إلى الديار المقدسة، لأداء فريضة الحج وإلى دولة الإمارات العربية
المتحدة، للواعظ والإرشاد فيها، وقد نال إعجاب كثير من المواطنين، وأولي الأمر
هناك.
ترك
الشيخ عدد من المجاميع في موضوعات مختلفة، ضاعت مع الزمن، وله من الكتب المطبوعة
كتابان هما:
1- مشاهدات اليوم الآخر ـ طبع عام 1981م ونفدت نسخه.
2- معجزة القرآن الكريم تتحدى البشر إلى الأبد، طبع طبعة
نفدت كلها، ثم أعيدت طباعته بعناية وتقديم الدكتور الشيخ محمود أبو الهدى الحسيني
سنة 1426هـ ـ 2005م.
غزير
العلم، واسع المعرفة، حاد الذكاء، قوي الذاكرة، صائب الرأي حليم، وقور، هادئ، محب
لطلابه، محبوب لديهم.
عفيف النفس
واليد، عالي
الهمة، يأكل من جهده وعمله([4])،ويقدم
العون لطلابه وإخوانه، رقيق القلب يحب مجالسة الفقراء والضعفاء ، ولا يبتعد عن
مخالطة الأغنياء وتقديم النصح لهم يهوى الصيد وركوب الخيل.
جميل الوجه، أبيض اللون، مشرب بحمرة، بهي الطلعة، عليه
سيما العلماء ووقارهم، يزين بعمامة بيضاء فوق (طربوش) أحمر.
بقي
الشيخ على هذه الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة إلى أن أدركته الوفاة في حلب، يوم
الإثنين في الثالث من شهر رجب، سنة: اثنتين وثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية
الشريفة، الموافق للسادس من حزيران، عام: أحد عشر وألفين للميلاد عن عمر ناهز
الثامنة بعد المئة، وحزنت عليه مدينة حلب، وصلي عليه في الجامع
الكبير بحلب، بعد صلاة الظهر من اليوم الثاني، وأقيمت له مجالس التعزية في جامع
زين العابدين، رحمه الله تعالى.
ـ اجازة المؤلف من
الشيخ محمد درويش الخطيب ـ
ـ إجازة المؤلف مع
الشيخ وصورته معه ـ
المصادر والمراجع
1-
مقابلات
الشخصية متعددة مع المترجم له جرت في بيته.
2-
ترجمة
شخصية أملاها علي الشيخ في بيته.
([2]) يقول الشيخ: (عندما
أشار علي شيخي الشيخ أحمد الشهيد بالانتساب إلى المدرسة الخسروية كنت قد بلغت
الثلاثين عاماً تقريباً وأنا لا أعرف الاسم من الفعل فرفض مدير المدرسة الأستاذ
مصطفى باقو قبولي
لكنني
جئته بكتاب وساطة من محافظ حلب وقتئذً فقبلني على مضض, ولكنني أثبت له بعد مدة
قصيرة بدأبي واجتهادي بأنني أهل لطلب العلم..) عن لقاء شخصي جرى في منزل الشيخ
مساء يوم 29/7/2004.
([3]) تخرج مع الشيخ في دفعته كل من وحسب ترتيب نجاحهم
1- يوسف الشواف 2- جميل الحبال
3-
محمد طيفور السبسبي 4- محمد الحماده 5- صبحي طنبجات 6- عبد الرحمن الخياطة 7-
محمود العزيزي 8- محمد الدرويش(المترجم) 9- أسعد الرفاعي 10- محمد الآلجاتي 11-
عبد الوهاب السباعي 12- محمد القاري 13- سعيد دحدوح 14- هاشم السيد عيسى 15- سامي
زين الدين 16- يوسف كرزة . (سجلات المدرسة الخسروية)
([4]) حدثني
الشيخ حفظه الله وأمتع به أنه ومنذ صغره كان يعمل بالزراعة وتربية النحل وقال: (فليحاسبني أولادي إن كنت أطعمتهم
لقمة حرام)، وقد تزوج في حياته خمس نسوة،
بعد أن توفيت له الأولى والثانية والثالثة، وله من ذريته أكثر من مئة وخمسين نسمة
بين ولد وحفيد عن مقابلة شخصية جرت في بيته مساء يوم 29/7/2005.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول