محاسبة النفس

أخي المسلم:

إن من أفضل ما جاء به الإسلام الحنيف أن نصب من نفس الإنسان على نفسه رقيباً وحاكماً، وزوده بحساسية تختلج في قلبه كلما راوده الانحراف عن الحق أن يدخل إلى سلوكه أو يقع في تصرفه، فكان له من إيمانه باليوم الآخر والجزاء والحساب مَحْكَمةٌ في صدره تأمره بالخير وتنهاه عن الشر، وتحفظ عليه أخلاقه وسلوكه بين الناس، كما تحفظ عليه دنياه وآخرته.

ولقد سيطر هذا الخُلُقُ العظيم؛ خُلُقُ محاسبة النفس، في سلوك سلفنا الصالح، فأتى بالعجائب من الخير، والنفائس من الوقائع والأفعال، وضَعُفَ فينا فذهب منا خير كثير، وأصابنا شر مستطير، فلا يعود لنا المجد الباذخ الذي كان لسلفنا إلا بتحصيل أسبابه ومقدماته، فلنَعُدْ إلى التمسك بأخلاق سلفنا، ولنحاسب أنفسنا بأنفسنا ولنقطف بعد ذلك أطيب الثمرات، وأكرم المغانم والخيرات.

فيا أخي المسلم، حاسب نفسك بنفسك، سواء كنت تاجراً أو عاملاً، أو ولداً أو والداً، أو أميراً أو مأموراً، أو غنياً أو فقيراً، أو صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة. فإنك في هذه المحاسبة تغنم رضوان الله، وتكسب ثناء الناس عليك، والتفاتهم إليك، وتَسَرُّ قلبك الذي بين جنبيك، وتزداد تمثلاً وتصديقاً بالإسلام الذي تتشرف بالانتساب إليه، وحذار أن تظن أن إهمال هذه المحاسبة أغنم لك دنيا، وأمتع لك متعة، أو أفضل عليك عاقبة، فإنك إن توهمت ذلك تكن غالطاً مغروراً.

فهذا محمد بن المُنْكَدِر أحد تجار التابعين، كان له حانوت يبيع فيه الثياب الجاهزة بثمن محدود، فترك فيها يوماً غلامه، وذهب لبعض شؤونه، فجاء رجل خُراساني واشترى من الغلام من ذوات الخمسة دراهم بعشرة دراهم، مساومة ومبايعة دون تدليس من الغلام، فلما عاد محمد بن المنكدر وعلم أن غلامه باع من ذوات الخمسة دراهم بعشرة دراهم، سأله عن صفة المشتري وملامحه فأخبره بها، فذهب يبحث ويطوف الخانات والفنادق حتى التقى به، فقال له: إنك اشتريت هذا الثوب من حانوتي بعشرة دراهم، وإن ثمنه الذي وضعتُه له خمسة دراهم، فأنت بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن ترده وتأخذ بَدَلَه خيراً منه من ذوات العشرة دراهم، وإما أن تبقيه لديك وتأخذ مني خمسة دراهم، وإما تَرُدَّ عليَّ ثوبي وأرد عليك دراهمك. فقال له الرجل: يا هذا إنه عندي يسوى أكثر من عشرة دراهم، وأنا رضيت به فما بالك أنت لا ترضى؟ فقال محمد بن المنكدر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

فانظر يا أخي المسلم رعاك الله، كيف حاسب هذا التاجر المؤمن نفسه، وأرضى ربه، وطيَّب سيرتَه وسلوكه، وربح الذكر الحسن في الدنيا والأجر الكريم في الآخرة. وهكذا فلتكن يا أخي المسلم، حاسب نفسك بنفسك يرض الله عنك، ويحبك الناس.

من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين