متى يحق لنا التكلم حول شخص ما؟

نص الاستشارة :

وهل هناك من تأصيل شرعي لهذا الموضوع، كلنا نعلم حرمانية الغيبة والنميمة ولكن نجد الكثير من الأفاضل يتكلمون حول شخص ما ... ويمكن أن يكون تقييما صحيحا لا كذب فيه، ويمكن أن يكون هذا الشخص شخصية عامة، بعضهم يقول أنا أحلل عمله، وبعضهم يقول أنا مديره ويحق لي الحديث عنه، ويعضهم وبعضهم ..... الشيء الكثير. هل من جواب وفتيا تريح ضمائرنا نجعلها منهجا نسلكه ونقتفي أثره في كل دروب الحياة، أفيدونا أفادكم الله وألبسكم حلة الرضوان

الاجابة

 

لجنة الفتوى في رابطة العلماء السوريين
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فكلنا يعلم أن الغيبة حرام، وقد نهى الله عنها في كتابه فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات : 12) وشبه الله من يغتاب أخاه بمن يأكل لحمه ميتاً وذلك تنفير من هذه المعصية الخطيرة.
 
وجاءت الأحاديث تؤكد على تحريم الغيبة وتبين معناها، قال صلى الله عليه وسلم « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ » [رواه مسلم].
و كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه النصح بالتلميح والإشارة إلا أن يكون في الأمر ما يدعو إلى التصريح والعبارة، وما كان صلى الله عليه وسلم يُعَيِّر أحداً أبداً، وإنما كان كثيراً ما يُسْمَع يقول " ما بال أقوام يفعلون كذا ".     لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى التصريح المقترن بسببه.
 
ومن خلال استقراء نصوص الشريعة حدد العلماء حالات محددة تجوز فيها الغيبة، قال الإمام النووي في رياض الصالحين: (اعْلَمْ أنَّ الغِيبَةَ تُبَاحُ لِغَرَضٍ صَحيحٍ شَرْعِيٍّ لا يُمْكِنُ الوُصُولُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِهَا ، وَهُوَ سِتَّةُ أسْبَابٍ :
 
الأَوَّلُ : التَّظَلُّمُ ، فَيَجُوزُ لِلمَظْلُومِ أنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ والقَاضِي وغَيرِهِما مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ ، أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ ، فيقول : ظَلَمَنِي فُلاَنٌ بكذا .
 
الثَّاني : الاسْتِعانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ المُنْكَرِ ، وَرَدِّ العَاصِي إِلَى الصَّوابِ ، فيقولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتهُ عَلَى إزالَةِ المُنْكَرِ : فُلانٌ يَعْمَلُ كَذا ، فازْجُرْهُ عَنْهُ ونحو ذَلِكَ ويكونُ مَقْصُودُهُ التَّوَصُّلُ إِلَى إزالَةِ المُنْكَرِ ، فَإنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَاماً .
 
الثَّالِثُ : الاسْتِفْتَاءُ ، فيقُولُ لِلمُفْتِي : ظَلَمَنِي أَبي أَوْ أخي ، أَوْ زوجي ، أَوْ فُلانٌ بكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ وَمَا طَريقي في الخلاصِ مِنْهُ ، وتَحْصيلِ حَقِّي ، وَدَفْعِ الظُّلْمِ ؟ وَنَحْو ذَلِكَ ، فهذا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ ، ولكِنَّ الأحْوطَ والأفضَلَ أنْ يقول : مَا تقولُ في رَجُلٍ أَوْ شَخْصٍ ، أَوْ زَوْجٍ ، كَانَ مِنْ أمْرِهِ كذا ؟ فَإنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الغَرَضُ مِنْ غَيرِ تَعْيينٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ ، فالتَّعْيينُ جَائِزٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ في حَدِيثِ هِنْدٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى .
 
الرَّابعُ : تَحْذِيرُ المُسْلِمينَ مِنَ الشَّرِّ وَنَصِيحَتُهُمْ ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ :
مِنْهَا جَرْحُ المَجْرُوحينَ مِنَ الرُّواةِ والشُّهُودِ وذلكَ جَائِزٌ بإجْمَاعِ المُسْلِمينَ ، بَلْ وَاجِبٌ للْحَاجَةِ .
ومنها : المُشَاوَرَةُ في مُصاهَرَةِ إنْسانٍ أو مُشاركتِهِ ، أَوْ إيداعِهِ ، أَوْ مُعامَلَتِهِ ، أَوْ غيرِ ذَلِكَ ، أَوْ مُجَاوَرَتِهِ ، ويجبُ عَلَى المُشَاوَرِ أنْ لا يُخْفِيَ حَالَهُ ، بَلْ يَذْكُرُ المَسَاوِئَ الَّتي فِيهِ بِنِيَّةِ النَّصيحَةِ .
 
ومنها : إِذَا رأى مُتَفَقِّهاً يَتَرَدَّدُ إِلَى مُبْتَدِعٍ ، أَوْ فَاسِقٍ يَأَخُذُ عَنْهُ العِلْمَ ، وخَافَ أنْ يَتَضَرَّرَ المُتَفَقِّهُ بِذَلِكَ ، فَعَلَيْهِ نَصِيحَتُهُ بِبَيانِ حَالِهِ ، بِشَرْطِ أنْ يَقْصِدَ النَّصِيحَةَ ، وَهَذا مِمَّا يُغلَطُ فِيهِ . وَقَدْ يَحمِلُ المُتَكَلِّمَ بِذلِكَ الحَسَدُ ، وَيُلَبِّسُ الشَّيطانُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، ويُخَيْلُ إِلَيْهِ أنَّهُ نَصِيحَةٌ فَليُتَفَطَّنْ لِذلِكَ.
 
وَمِنها : أنْ يكونَ لَهُ وِلايَةٌ لا يقومُ بِهَا عَلَى وَجْهِها : إمَّا بِأنْ لا يكونَ صَالِحاً لَهَا ، وإما بِأنْ يكونَ فَاسِقاً ، أَوْ مُغَفَّلاً ، وَنَحوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ ولايةٌ عامَّةٌ لِيُزيلَهُ ، وَيُوَلِّيَ مَنْ يُصْلحُ ، أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِيُعَامِلَهُ بِمُقْتَضَى حالِهِ ، وَلاَ يَغْتَرَّ بِهِ ، وأنْ يَسْعَى في أنْ يَحُثَّهُ عَلَى الاسْتِقَامَةِ أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ .
 
الخامِسُ : أنْ يَكُونَ مُجَاهِراً بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كالمُجَاهِرِ بِشُرْبِ الخَمْرِ ، ومُصَادَرَةِ النَّاسِ ، وأَخْذِ المَكْسِ، وجِبَايَةِ الأمْوَالِ ظُلْماً ، وَتَوَلِّي الأمُورِ الباطِلَةِ ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ العُيُوبِ ، إِلاَّ أنْ يكونَ لِجَوازِهِ سَبَبٌ آخَرُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ .
 
 
السَّادِسُ : التعرِيفُ ، فإذا كَانَ الإنْسانُ مَعْرُوفاً بِلَقَبٍ ، كالأعْمَشِ ، والأعرَجِ ، والأَصَمِّ ، والأعْمى ، والأحْوَلِ ، وغَيْرِهِمْ جاز تَعْرِيفُهُمْ بذلِكَ ، وَيَحْرُمُ إطْلاقُهُ عَلَى جِهَةِ التَّنْقِيصِ ، ولو أمكَنَ تَعْريفُهُ بِغَيرِ ذَلِكَ كَانَ أوْلَى ، فهذه ستَّةُ أسبابٍ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ وأكثَرُها مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَدَلائِلُهَا مِنَ الأحادِيثِ الصَّحيحَةِ مشهورَةٌ .

 


التعليقات