من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا يذبح المسلمون الحيوانات بطريقة مؤلمة لا رحمة فيها؟
الجواب:
لا تزال طريقة الذبح الإسلامية هدفًا لكثير من النقد من قِبَل كثير
من الناس في العصر الحاضر، وقد تصدّى لهذا النقد علماء مسلمون، وكتبوا أبحاثًا كثيرة
مطوّلة تبيّن أنّ هذه الطريقة هي الأكثر رحمة، والأفضل من الناحية الصحية، وفي هذا
المقام سنكتفي بإجابة مركّزة مختصرة.
وقبل أن نتحدّث عن طريقة
الذبح الإسلامية نشير إلى أنّ اليهود يستخدمون طريقة مشابهة بدرجة كبيرة لطريقة
المسلمين في ذبح الحيوانات، ويسمّون لحم هذه الذبائح (كوشر) وهي كلمة عبرية تعني: أنّه
حلال يجوز أكله. وينسبون هذه الطريقة والأحكام المتعلّقة بها إلى التعاليم الشفهية
المتوارثة للديانة اليهودية؛ حيث لا توجد نصوصٌ في الكتاب المقدّس لدى اليهود
والنصارى تتحدّث عن طريقة ذبح الحيوانات.
وتعتمد بعض الكنائس النصرانية
الشرقية الطريقةَ اليهودية في الذبح، وتمنعها قوانين بعض البلدان الأوربية كالسويد
والنرويج وآيسلندا.
الطريقة الإسلامية لذبح الحيوان:
تسمّى الطريقة التي يُذبح بها الحيوان في الإسلام "تذكية"،
وهي كلمةٌ تعني الحدّة والنفاذ([1])؛ فهي تشير إلى شرط من
شروط الذبح وهو: أن تكون الأداة حادّة جدًا تقطع بسرعة؛ حتى لا تسبّب تعذيبًا
للحيوان.
ثم إنّ عملية الذبح يجب أن تشمل الأجزاء التالية من عنق الذبيحة،
وهي:
أ.
الحلقومُ، وهو مجرى
التنفس.
ب.
المريءُ، وهو مجرى
الطعام.
ج.
الشريانان الرئيسان اللذان
يغذيان الرأس بالدم.
وهذه الأجزاء الثلاثة هي
أفضل مكان لإزهاق روح منه الحيوان؛ لقربها من الجلد بحيث يسهل قطعها، ولأنّها منطقة
التحكم بتدفق الدم وقطع الإحساس بالألم.
ومن الشروط الأخرى لصحّة
الذبح:
-أن يكون الذابح عاقلًا.
-وأن يكون مسلمًا، أو
كتابيًا (يهوديًّا أو نصرانيًّا).
-وأن يذكر اسم الله عند
ذبحها فيقول: "بسم الله".
-ألّا يهلّ بالذبح لغير
الله؛ فمن عظّم أحدًا غير الله عند ذبحه لم تحلّ ذبيحته.
ويستحبّ أن يضيف إلى التسميةِ التكبيرَ فيقول: "بسم الله والله
أكبر"، ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة.
الذبح تشريع من عند الله:
الله الذي خلق الحيوانات وسخّرها لنا لنستفيد من
لحومها، هو الذي شرع لنا طريقة ذبحها، فما ذُبح من الحيوانات فهو "الحلال" الذي
يجوز للمسلم أكله، وما لم يذبح فحرام عليه أن يأكله.
قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ
وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة:3].
ولأنّ هذه التشريعات جاءت من عند الله عزوجل،
وهو الأعلم بخلقه جميعًا سواء من الإنس أم من الحيوانات أم غيرها؛ فالمسلم يعلم
علم اليقين أنّ الذبح هو أفضل الطرق للحصول على لحوم طيّبة لا ضرر فيها،
وأنّه الطريقة الأكثر رحمة، والأقل ألـمًا لقتل الحيوان.
هدي نبي الرحمة r في طريقة الذبح:
أرسل
الله نبيه محمّدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، وليس للناس فحسب، قال
تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:
107]، وفي سنّته -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الهدي المتعلّق بالتعامل مع
الحيوانات، والتي تدلّ دلالة قاطعة على أنّ الإسلام دين رحمة.
وسنكتفي
هنا بذكر هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الحيوانات حال الذبح، فقد
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بـ:
1- التعامل الحسن مع الحيوانات عند
الذبح، والرفق بها.
2- استعمال سكين حادّة جدًا.
3- إراحة الحيوان عند الذبح، بإضجاعه
على جنبه الأيسر، وتهدئته.
وهذه
الثلاثة جاءت في حديث واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ... وَإِذَا
ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ
ذَبِيحَتَهُ)([2]).
4-
ومن
الإحسان إلى الذبيحة ألّا يذبح الذبيحة وغيرها تنظر إليها.
5- كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يحدّ الذابح السكين أمام الذبيحة، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما (أنَّ رَجلًا
أضْجَعَ شاةً يُريدُ أنْ يَذْبَحَها وهو يُحِدُّ شَفْرَتَه، فقالَ
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتُريدُ أنْ تُميتَها
مَوْتاتٍ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قبْلَ أنْ تُضْجِعَهَا)([3]).
فوائد الذبح على الطريقة
الإسلامية:
إنّ عملية الذبح بهذه
الطريقة تحقّق عددًا من الفوائد:
1)
فقطع الحلقوم بالذبح يؤدّي
إلى توقّف وصول الهواء إلى الرئة؛ وبالتالي يساعد على سرعة فقد الحيوان لوعيه، ويخفف
من إحساسه بالألم.
2)
وقطع المريء يؤدّي إلى خروج
ما يكون في المريء من طعام إلى الخارج، بدل دخوله في مجرى التنفس ثم إلى الرئتين؛ مما
يسبّب تلوثهما.
3)
وقطع شرياني الدم الرئيسين
يؤدّي إلى أمرين في غاية الأهمية:
·
الأول: خروج أكبر كمية من
الدم قد تصل إلى ثلثي دم الذبيحة، مما يجعل اللحم أبعد عن التلوث والفساد، وأفضل
من حيث الصحة والجودة والطعم.
·
الثاني: فقد الحيوان
للإحساس بصورة سريعة جدًا (خلال جزء من الثانية) بحيث لا يشعر بالكثير من الألم؛ وذلك
نتيجة توقّف وصول الدم إلى الدماغ. أمّا الاختلاجات التي تصيب الحيوان،
والحركة التي يتحرّكها؛ فسببها تقلص وارتخاء العضلات الناتج عن فقدان الدم، وليس نتيجة
الألم.
وقد
أجرت لجنةٌ مشكّلة من منظّمة الصحة العالمية ورابطة العالم الإسلامي والمجمّع
الفقهي الدولي لدراسة قضيّة شعور الحيوان بالألم، وخرجت بنتائج من أهمّها: أنّه لا
يوجد اتّفاق على مركز الألم عند الحيوان، كما أنّه لا يوجد معيار محدّد لمراقبة
إحساس الحيوان بالألم وشدّته، لكنّ الطريقة الإسلامية في الذبح والتي يراعى فيها هدي
البي صلى الله عليه وسلم تساهم بشكل كبير في إراحة الحيوان المقبل على الذبح،
لدرجة أنّ الحيوانات لم تحاول سحب رأسها عند المباشرة في ذبحها! كما أثبتت الدراسة
أنّ الذبح دون تدويخ يسرّع في فقدان الذبيحة للوعي في زمن قياسي؛ مما يعني التقليل
من الألم بكلّ تأكيد([4]).
قتل
الحيوان بغير الطريقة الإسلامية:
يعمد
غير المسلمين إلى عدّة وسائل منها: الصعق بالكهرباء أو بالمسدّس الواقذ (ذي الطلقة
المسترجعة)، أو تدويخها بغاز ثاني أكسيد الكربون، أو بضرب رأسها بالمطرقة، أو إغراقها
بالماء، أو غير ذلك من الطرق، ولهذه الطرق مساوئ عدّة، من أهمها:
1- أنّ في هذه الطرق إيلامًا كبيرًا
للحيوان؛ فالحيوان المصعوق يصاب بالشلل، في حين أنّ إحساسه وشعوره بالألم مستمرّ،
كما يؤدّي الصعق إلى ارتفاع ضغط دم الحيوان، ويؤدي كذلك إلى تفجّر الشرايين والأوردة
الدموية الصغيرة في جسمه، وأحيانًا يستردّ الحيوان وعيه على الرغم من بقائه
مشلولاً، وأحيانًا تتعطلّ بعض حواسه فتبيَضّ عيناه ويفقد البصر؛ وهذا كله يجعله يعاني
الألم الشديد لدقائق عدّة.
2- كذلك فإنّ هذه الطرق تعمل على إبقاء
الدم في جسم الحيوان،
ويؤدّي تفجّر الشرايين والأوردة الدموية الصغيرة الناتجة عن الصعق إلى انتشار الدماء
داخل اللحم بدل تصفيته؛ وهذا يؤدّي إلى تكاثر الجراثيم والبكتيريا الضارة فيه،
وبالتالي: سرعة فساد هذه اللحوم وتعفّنها، ولذا يسارع من يقتل الحيوانات بهذه
الطرق إلى وضعها في ثلاجات التبريد، بينما تبقى لحوم الحيوانات التي ذبحت بالطريقة
الإسلامية سليمة لساعات طويلة دون تبريد؛ لخلوّها من الدماء.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول