لماذا يخشى القادة الصهاينة انهيار كيانهم؟

لماذا يخشى القادة الصهاينة انهيار كيانهم؟

د. صالح النعامي

 

لم يحدث في تاريخ الكيان الصهيوني أن انبرى كبار قياداته للتعبير عن مخاوفهم من إمكانية انهياره وتحديد النطاق الزمني الذي يخشون أن يحدث في مداه هذا الانهيار، كما هي عليه الأمور الآن.

 

واللافت أن قيادات الكيان الصهيوني البارزة قد حددت العقد الثامن من عمر الكيان كنطاق زمني يمكن أن يشهد سقوطه، أو أن تتوالى خلاله أحداث يمكن أن تفضي إلى انهياره.

 

كان لافتاً بشكل خاص أن يحذر رئيس الحكومة الصهيوني «نفتالي بينيت» في 3 مناسبات مختلفة مطلع يونيو الماضي من إمكانية سقوط «إسرائيل»؛ حيث لم يكتف بالتحذير من إمكانية سقوطها في عقدها الثامن؛ بل ضرب أيضاً مثالين من التاريخ اليهودي انهارت فيهما دولتان يهوديتان، وهما: دولة «همشرون»، ودولة «يهودا» قبل ألفي عام.

 

وقد سبق «بينيت» في التحذير من إمكانية انهيار «إسرائيل» في عقدها الثامن رئيسا الحكومة السابقان «إيهود باراك»، و«بنيامين نتنياهو».

 

ففي حين أن «نتنياهو» لم يحدد الأسباب التي تدفعه إلى التحذير من سقوط «إسرائيل» وانهيارها، فإن كلاً من «بينيت» و«باراك» يريان أن الانقسام الداخلي أكبر مصدر خطر يتهدد وجود هذا الكيان.

 

«بينيت»، و«باراك» يشيران بشكل خاص إلى أن الانقسام الداخلي والصدع المجتمعي يوشكان على إرساء واقع بالغ الصعوبة في «إسرائيل»، ويمكن أن يدفع إلى اندلاع حرب أهلية، و«باراك» من ناحيته نقل عن أحد قادة الأجهزة الاستخبارية السابقين -الذي وصفه بأنه قدم خدمات كبيرة للأمن الصهيوني- أن الانقسام الداخلي سيفضي إلى اندلاع حرب أهلية، وأن هذا بات احتمالاً كبيراً.

 

وخلال كلمة له أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أقر «بينيت» أن النوم هجر عينيه بسبب المخاوف على مستقبل «إسرائيل» بفعل الانقسامات الداخلية.

 

وقد أفضى الانقسام الصهيوني الداخلي إلى نمط خطير من الشعبوية السياسية التي بات معها من الصعب جداً على دوائر الحكم في الكيان الصهيوني أن تعمل بشكل منتظم.

 

ويكفي أن نشير هنا إلى أن حكومة «بينيت» توشك على السقوط بعد نحو عام على تشكيلها، إثر فقدانها الأغلبية البرلمانية، وهذا يعني أن انتخابات رابعة ستجرى في غضون 3 سنوات، دون أي ضمانة أن تسفر أي انتخابات قادمة عن نتائج تسمح بتشكيل حكومة مستقرة، وهذا يعني تواصل الأزمة السياسية الداخلية دون وجود مؤشر على قرب انتهائها.

 

حرب «يأجوج ومأجوج»

 

لكن الانقسام الداخلي ليس السبب الوحيد الذي يؤجج المخاوف من إمكانية سقوط الكيان الصهيوني، فهناك المزيد من الأسباب، على رأسها صعود نفوذ وحضور الجماعات الدينية الخلاصية التي لا تتردد في محاولة جر الكيان الصهيوني إلى مواجهة مع العالمين العربي والإسلامي من خلال حماسها الشديد لتدمير المسجد الأقصى وسعيها لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

 

فالجماعات الخلاصية تنطلق من منطلق عقائدي يقول: إنه كلما تعاظم التوتر مع الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية زادت فرص اندلاع حرب «يأجوج ومأجوج»، التي يحل في أعقابها -حسب الإرث الديني اليهودي- المخلص المنتظر الذي يحقق الخلاص اليهودي، وهذا ما يجعل هذه الجماعات أكثر تصميماً على الذهاب بعيداً في مخططاتها لتدمير المسجد الأقصى.

 

فالتوسع في اقتحام «الأقصى» ورفع الأعلام الصهيونية وأداء الصلوات التلمودية داخله، إلى جانب التوسع في تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين سيما في المنطقة «ج» التي تمثل 70% من مساحة الضفة الغربية؛ يعد أهم الأسباب التي تمهد لانفجار مواجهة كبيرة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني.

 

تعاظم نفوذ الجماعات الدينية الخلاصية ليس عرضياً، حيث تتوقع استطلاعات الرأي أن تضاعف هذه الجماعات تمثيلها في البرلمان القادم 5 مرات، وضمن هذه الجماعات الحركة الكهانية التي يمارس زعيمها «إيتمار بن غفير» دوراً مهماً في التحريض على «الأقصى»، ويسهم بشكل كبير في استفزاز الفلسطينيين، ويشارك في الاعتداءات التي يتعرض لها فلسطينيو الداخل.

 

ومما يجعل هذا الواقع خطيراً حقيقة «بينيت» و«باراك» يريان أن الانقسام الداخلي أكبر خطر يهدد وجود الكيان الصهيوني

 

أن يتزامن مع توالي المؤشرات على ضعف سلطة محمود عباس وعجزها عن فرض هيبتها في الكثير من مناطق الضفة الغربية، وفي ظل التقارير التي تشير إلى تدهور وضعه الصحي وهو الذي تجاوز السابعة والثمانين من العمر، وواضح أنه كلما ضعفت سلطة عباس تقلصت قدرتها على التعاون الأمني مع الاحتلال؛ ما يضاعف الأعباء الأمنية على كاهله.

 

وتكمن المفارقة أن تشظي المجتمع الصهيوني واستلابه للتطرف والغلو يترافق مع تراجع استعداد هذا المجتمع لدفع فاتورة الجهد العسكري والأمني الذي يتطلبه بقاء هذا الكيان؛ فحسب المعطيات الرسمية، فقد تراجع مستوى دافعية الشباب اليهودي للخدمة العسكرية إلى النصف، في حين بلغت نسبة اليهود الذين يؤدون الخدمة العسكرية ضمن قوات الاحتياط إلى 4% فقط.

 

واضح تماماً أن اجتماع الانقسام الداخلي وتعاظم نفوذ الجماعات الخلاصية وتراجع مستوى المجتمع للتضحية يمثل وصفة لانهيار هذا الكيان، لكن هذا لن يحدث على أرض الواقع إلا في حال حدث تحول مغاير داخل العالم العربي من الكيان الصهيوني؛ بحيث يستحيل مسار التطبيع إلى مسار مواجهة وعداء؛ حيث يفترض أن توجب جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ومقدسات الأمة هذا الأمر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين