من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا يحرّم الإسلام الخمر تحريمًا قاطعًا؟ مع أنّ تناول مقدار صغير
منه لا يضرّ ولا يُذهب العقل؟
الجواب:
الخمر
أم الخبائث، وأصل كلّ شرّ ومنبعه، وهي السبب في موت أكثر من 3 ملايين شخص سنويًا، وفي
العالم أكثر من 400 مليون شخص من البالغين يعانون من اضطراباتٍ ناجمة عن تعاطيها، كما
أنّها تزيد عبء المرض العالمي بأكثر من 5% بحسب ما أعلنته منظّمة الصحّة العالمية.
وأضرار
الخمر لا تقتصر على الجانب الصحّي والعقلي والنفسي فقط؛ فهي من البلاءَ الذي يفرّق
الأسر، ويدمّر العلاقات، ويهدم المجتمعات، ويزيد من معدّلات الجريمة، ويتسبّب في البؤس
والمعاناة في شتّى أرجاء العالم.
أدلة تحريم
الخمر في الإسلام:
ورد تحريم الخمر في القرآن الكريم بشكل صريح
وقاطع، قال الله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ % إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}
[المائدة: 90-91].
وجاء تحريم الخمر على لسان النبي محمد -صلى
الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة منها:
1.
حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: (أَوْصاني خَلِيلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تشرب الخمر، فإنها
مفتاح كل شر)([1]).
2.
قوله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ)
([2]).
3.
وقال صلى الله عليه وسلّم: (ما أسكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ)([3]).
4.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَمْرَةِ
عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ
إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ
لَهُ)([4]).
فوصْفُ الخمر بأنّها من رجس الشيطان، وأنّها
مفتاح كلّ شرّ، وتحريمُ قليلها وكثيرها، ولعنُ كلّ مَن له صلة بها بدءًا من
إعدادها وصولاً إلى شاربها؛ دليلٌ على قبحها وعِظَم خطرها، وشدّة حرمتها، وأنّها
من كبائر الذنوب.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ شارب
الخمر ناقصُ الإيمان فقال: (لاَ
يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)([5]).
الحكمة من تحريم
الخمر:
هناك أمور خمسة لا تستقيم الحياة إلا بها؛ فهي
ضرورية للحياة ولصلاح دين المرء ودنياه؛ ولذلك سمّيت "ضروريات"،
وقد اعتنى الإسلام بحفظ هذه الضروريات، وشرع التشريعات التي تكفل المحافظة عليها،
وهذه الضروريات هي: حفظ الدين، والنفس، والعِرض، والمال، والعقل.
وتحريم شرب الخمر جاء للمحافظة على هذه الضروريات،
وبيان ذلك فيما يلي.
1-
حفظ العقل:
فتحريم الخمر جاء بالدرجة الأولى لحفظ العقل؛ لأنّ الخمر يُغطّي
العقل، ويُفقد الإنسان القدرة على الفهم والتفكير والتحكّم بتصرفّاته.
بل إنّ الخمر يغطيّ على المركز المسؤول في الدماغ عن ضبط التصرّفات
ويمنعه من القيام بعمله؛ لذا نجد الشخص السكّير يطلق العنان لتصرفاتٍ لا تشبهه، بل
ينكرها وهو في حالة الوعي، فتراه يستخدم لغة بذيئة فاحشة، ويمشي بطريقة غير متوازنة،
وربّما تعرّى أو قضى حاجته أمام الناس، وغير ذلك من التصرّفات الخاطئة.
2-
حفظ الدين:
الإنسان إذا فقد عقله بالخمر لم يعد قادرًا على أداء العبادات،
ولو أدّاها فإنّها لا تصحّ منه؛ لأنّ أداءها مرتبط بالعقل والوعي والفهم، وهذا كلّه
مفقود حال السكر.
والخمر في الإسلام حُرّمت بشكل متدرّج؛ مراعاة لشدّة تعلّق
الناس بها، وكانت المرحلة الوسطى من هذا التحريم: منع المسلمين من أداء الصلاة بعد
شرب الخمر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ
سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
3-
حفظ النفس:
مَن يشرب الخمر فإنّه يضرّ نفسه ضررًا شديدًا بإصابتها بالأمراض
الخطيرة المؤدّية للوفاة، وفي الوقت نفسه فإنّ شاربَ الخمر فاقدٌ للقدرة على التحكّم
بتصرفاته، وقد يؤدّي شربه لها إلى القيام بأمور تتسبّب في إهلاك نفسه أو إهلاك
الآخرين.
الأمراض المصاحبة
لإدمان الخمر:
ملايين الناس يَلقون حتفهم كلّ عام
بسبب تعاطيهم للخمور، ومعظم الأمراض المصاحبة لإدمان المسكرات معروفة، لكن لا بأس من
المرور السريع على قائمة بأهمّ هذه الأمراض:
أ-
تليّف الكبد، وهو أشهر
الأمراض المرتبطة بالإسراف في تناول المسكرات.
ب-
السرطانات، وبخاصّة سرطان
البلعوم والمريء والقولون والكبد والثدي وبطانة الرحم.
ت-
أمراض القلب، وارتفاع ضغط
الدم، وتصلب الشرايين، إضافة إلى قائمة طويلة من أمراض الدم مثل: فقر الدم
الانحلالي، وأمراض الصفيحات الدموية، وفقدان حمض الفوليك.
ث-
الأمراض العصبية والسكتات
الدماغية، وفقدان الذاكرة، ونوبات وأنواع الشلل المختلفة.
ج-
الأمراض الصدرية، مثل
الالتهابات الرئوية، والخراج الرئوي، ومرض الانتفاخ الرئوي، والسلّ الرئوي.
ح-
ومن الأمراض الشائعة بين
متعاطي المشروبات الكحولية: الأمراض الجلدية بما فيها الأكزيما، وتساقط الشعر، وتشوّهات
الأظافر، والتهاب الفم الزاوي.
خ-
الأضرار الخاصّة على
النساء، فالنساء أكثر تعرّضًا لأمراض التليّف المصاحبة للخمور من الرجال، كما أنّ
لتناول هذه المشروبات في أثناء فترة الحمل أثر بالغ الضرر على الأجنّة، والتي
تتمثّل في: تلف المخّ ومشاكل في النموّ.
د-
كما يؤدّي إدمان الحمر
إلى التسمّمُ بالكحول، وهي حالة تنتج عن ارتفاع كمية الكحول في مجرى الدم؛ مما
يؤدّي إلى مشكلات سلوكية وتغيّرات في الحالة العقلية، واضطراب في الحالة المزاجية،
وقد يسبب
الارتفاع الشديد في مستويات الكحول إلى الغيبوبة أو إصابة الدماغ بضرر دائم أو حتى
الوفاة. وفي حال الرغبة في التخلّص من الإدمان فإنّ المدمن يمرّ بمرحلة عصيبة
جدًّا، يعاني فيها من زيادة في ضربات القلب، ورعاش اليد، ومشكلات في النوم،
والغثيان والقيء، والهلوسات، والتململ والهياج والقلق، ونوبات الصرع في بعض
الأحيان.
قيادة المركبات
حال السٌّكر:
يلقى أكثر من مليون شخص حتفهم سنويًّا
بسبب حوادث المرور، ويزيد شرب الخمر من نسبة حدوث هذه الحوادث ولا سيما المميتة
منها؛ حيث يعمل الخمر على تقليل درجة اليقظة والوعي والرؤية والتركيز التي يحتاجها
قائد المركبة لقيادة آمنة؛ وهذا ما يجعله مشوّشًا أو مزدوج الرؤية وغير قادر على
تحديد المسافات والأبعاد، ويجعله بعيدًا عن الحذر المطلوب في القيادة؛ ممّا يؤدّي إلى
تسببه بالحوادث؛ ولذا فإنّ القيادة تحت تأثير الكحول تعتبر جريمة يعاقب عليها
القانون في جميع أنحاء العالم.
4-
حفظ العرض:
شارب الخمر أكثر عرضة للوقوع في الزنا
أو الاغتصاب وما ينتج عنهما؛ لذا فإنّ تحريم الخمر يؤدّي إلى حفظ العرض والنسل.
وتشير التقارير في
كثير من دول العالم إلى أنّ معظم الذين يقومون بارتكاب عمليات الاغتصاب أو زنا
المحارم كانوا تحت تأثير الكحول أو المخدّرات عندما ارتكبوا هذه الجرائم.
5-
حفظ المال:
لا تستقيم الحياة بغير المال، وفي الإسلام تشريعات
كثيرة لحفظ المال من ضمنها تحريم الخمر؛ لأنّ شارب الخمر يهدر ماله على شراء الخمر
بدل إنفاقه على نفسه وأهل بيته، ووصول شارب الخمر إلى مرحلة الإدمان تعني إنفاق كلّ
ماله على الخمر؛ لشدّة تعلّقه بها، كما أنّ مَن غطّى الخمرُ عقله قد يبذّر ماله
ويهدره وهو لا يعي ما يفعل.
ماذا عن الاقتصاد
في شرب الخمر؟
يدافع الكثير ممّن يشرب الخمر عن
أنفسهم بأنّ شربهم لها محصور في المناسبات، وأنّهم قادرون على التحكّم في مقدار
شربهم لها حتى لا يصلوا إلى السُّكر (الثمالة)، فضلاً عن الإدمان عليها؛ وبالتالي
فإنّ جميع المشاكل الناتجة عن شرب الخمر لن تحصل!
لكن هذا الكلام غير صحيح بتاتًا،
فالمدمن لم يولد مدمنًا، وإنّما بدأ إدمانه بشرب اليسير من الخمر وفي المناسبات فقط!
كما
أنّه لا يوجد شاربٌ للخمر يستطيع أن يثبت أنّه لم يصل إلى درجة الثمالة ولو مرّة
واحدة في حياته؛ وإذا ما وصلها وارتكب أثناءها جريمةً، كقيادة السيارة حال السُّكر
وتسبّبَ بحادث، أو ارتكب جريمة الزنا أو الاغتصاب، أو تصرّف تصّرفات خاطئة كالتعرّي أو التكلّم بكلام فاحش؛
فإنّ هذا الجرم سيلاحقه وسيظلّ نادمًا عليه طوال حياته.
لقد
عجز العالم أجمع عن حلّ مشكلة المسكرات، وفشلت قوانينه من الحدّ من تبعات تعاطي
الناس لها، رغم سنّ القوانين الصارمة، وإنفاق المليارات بهدف تطبيقها؛ لأنّ هذه
القوانين ما زالت تسمح ببيع الخمور وشربها في أوقات أو حالات أو بكميات معيّنة!
والحلّ والمخرج من هذه المشكلة هو
الرجوع إلى تعاليم الإسلام التي تحرّم الخمر تحريمًا قاطعًا، القليل منه والكثير.
وإذا عرف البشر أنّ تحريم الخمر جاء
من ربهم وخالقهم، وأدركوا مخاطرها ومفاسدها؛ فسيستجيبون، كما استجاب الصحابة رضي
الله عنهم، فقد كانوا يشربون الخمر عندما نزلت آيات تحريمها في القرآن، فما إن
بلغهم (أنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ)([6])؛ حتى
توقفوا فورًا عن شربها، وأخرجوا أواني الخمر إلى الشوارع وسكبوها حتى سالت طرق
المدينة بالخمر، ثم لم يعودوا إلى شربها أبدًا.
([6]) متّفق عليه: البخاري (2464)، مسلم (1980)، والحديث بتمامه عن أنس
رضي الله عنه قال: (كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ في مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ،
وكانَ خَمْرُهُمْ يَومَئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ، قالَ: فَقالَ لي
أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فأهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ في
سِكَكِ المَدِينَةِ).
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول