لماذا ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل؟ (14)

السؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل من الميراث وفق الشريعة الإسلامية؟

الجواب:

لا يكون ميراث الأنثى على النصف من ميراث الذكر دائمًا! فهناك حالات يكون فيها ميراث الأنثى مساويًا لميراث الذكر، وهناك حالات يكون نصيبها أكثر من نصيب الذكر، أو ترث هي ولا يرث الذكر شيئًا، وكلّ ذلك وفق نظام وضعه أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى كلّه عدل وحكمة، ولا ظلم فيه لأحد.

وبيان ذلك فيما يلي:

1-       أنّ الذي تولّى قسمة المواريث هو الله سبحانه وتعالى، فلم يترك ذلك لاجتهادات البشر، بل ولا حتى للأنبياء المعصومين؛ فالله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، والخلق خلقه والمال ماله والأمر أمره، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ} [الأعراف: 54].

وهذه القسمة كلّها عدل وحكمة، لا ظلم فيها البتّة.

وإن كان هناك ثمّة ظلم واقع على المرأة في الميراث فهو نتيجة التصرّفات المخالفة لتعاليم الإسلام والتزام أوامر الله تعالى في توزيع الميراث من بعض المسلمين. أو نتيجة تعاليم الأديان المحرّفة والمذاهب والقوانين الوضعية البعيدة عن المنهج الفطري الرباني، فبعض هذه التعاليم والقوانين تعطي الميراث كلّه للابن الأكبر، أو تحرم الإناث، أو تحجب بعض الأقارب لوجود مَن هم أقرب منهم، أو تسمح بالوصيّة بالتركة كلّها لغير الورثة من أوقاف أو حتى حيوانات!  

 

2-       سبب نزول آيات المواريث: (أنّ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلَا يُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، قَالَ: فَقَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ)([1]).

فآيات المواريث نزلت لتصحيح خطأ حاصل في قسمة المواريث التي كان يُعمل بها في الجاهلية، وإنصاف بنتين من عمّهما.

 

3-       أحكام المواريث التفصيلية وردت في ثلاث آيات من كتاب الله الكريم، كلّها في سورة النساء، وهي الآيات: 11، 12، 176.

وهذه الآيات هي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}.

وقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}.

والفهم الصحيح لهذه الآيات يقطع بإنصاف الإسلام وعدله بين الذكر والأنثى، فتوريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًّا ولا قاعدة مطّردة في نظام المواريث في الإسلام، فالله لم يقل: يوصيكم الله في الوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}، أي أنّ هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة في كلّ حالات الميراث، وإنّما هو في حالات خاصّة بل ومحدودة ولأسباب وجيهة كما سيأتي.

4-       أسباب التفاوت في أنصبة الوارثين في الإسلام([2]):

التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات تحكمه ثلاثة معايير اجتهد العلماء في التوصّل إليها واستنباطها:

·         أولها: درجـة القرابة بين الوارث وبين الـمُوَرّث (المتوفّى)، فكلّما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلّما ابتعدت الصلة قلّ النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

·         وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعدّ لتحمّل أعبائها؛ عادةً يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائهـا وتصبح أعباؤها -عادة- مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.

·         ثالثها: العبء المالي الذي يُوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمّله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنّه تفاوت لا يفضي إلى أيّ ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح!

ففي حالةِ ما إذا اتّفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة واتّفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال -كأن يكون المتوفّى قد ترك ابنًا وبنتًا- فسيكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ فيرث الابن ضعف ما ترثه البنت، والحكمة في هذا التفاوت في هذه الحالة بالذات هي: أنّ الابن مكلّف بالنفقة على غيره بخلاف البنت، فالابن مكلّف بإعالة زوجته وأولاده بينما لا تكلّف البنت بالنفقة على زوجها وأولادها؛ لأنّ النفقة لها على زوجها.

5-       باستقراء حالات الميراث في الإسلام يتبيّن لنا وجود حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع، حيث نجد أنّ:

·هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.

·وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا.

·وهناك حالات -عشر أو تزيد- ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.

·وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.

فيتحصّل لدينا "أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات محدّدة ترث فيها المرأة نصف الرجل لأسباب تتوافق مع الروافد الأخرى من الأحكام الشرعية التي تتكامل أجزاؤها في توازن دقيق لا يندّ عنه شيء، ولا يظلم طرفًا لحساب آخر؛ لأنّها شريعة الله الحكيم العلمي الخبير العدل"([3]).

 



([1]) أخرجه الترمذي (2092) واللفظ له، وابن ماجه (2720)، وأحمد (14840).

([2]) يُنظر: كتاب "هل الإسلام هو الحلّ.. لماذا وكيف؟"، د. محمد عمارة، (ص 154-155).

([3]) يُنظر: ميراث المرأة وقضيّة المساواة، د. صلاح الدين سلطان، (ص 46).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين