لماذا الحملة الإعلامية الإيرانية ضد تركيا؟

 

كثفت وسائل الإعلام الإيرانية بشقيها الرسمي وشبه الرسمي من حملتها الإعلامية ضد تركيا لتشويه سمعتها من جهة، ووضعها في خانة المعتدي الظالم بينما تتعرض للهجمات الإرهابية من الداخل والخارج. وقد بلغت هذه الحملة ذروتها في الأيام القليلة الماضية، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي وجهتها أجهزة الأمن التركية لخلايا الإرهاب ومعاقل حزب العمال الكردستاني.

 

يبدو أن حملة التضليل الإعلامي التي تقودها وسائل إعلامية معروفة بقربها من الحرس الثوري الإيراني وبعضها ما هو تابع للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي قد تزامنت مع حملات تضليل إعلامية أخرى مشابهة تولى كبرها منذ فترة ليست بالقصيرة وسائل إعلام غربية طالما وصفت بالمهنية والحيادية، لكنها لم تتورع عن التزوير واختلاق الأكاذيب عندما يتعلق الأمر بتركيا!. حتى وصلت الوقاحة ببعضها لتصوير جامع حاجي بيرم في وسط العاصمة أنقرة على أنه مركز تجنيد علني لتنظيم داعش ولم تتردد في وضع صورة كل من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وكأنهما موظفي تجنيد لدى داعش ثم اضطرت لسحب تلك الصور بعد ردة الفعل العنيفة التي تلقتها من الرأي العام في تركيا. كل ذلك في محاولة لخلق صورة نمطية يستحيل محوها أو إزالتها من الأذهان مفادها أن الدولة التركية تدعم تنظيم داعش وأنها وإياه في خندق واحد فكيف تحاربه!. يعاونهم في مهمتهم تلك الكيان الموازي وبعض قوى المعارضة التي أباحت لنفسها كل وسيلة تساعدها على الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان والخلاص من حزب العدالة والتنمية.

 

ولننقل عن وكالة الأناضول للأنباء مظاهر تلك الحرب االإعلامية الإيرانية ضد تركيا: من أبرز النقاط التي يعمل الإعلام الإيراني على ترويجها بهدف تضليل الرأي العام، الادعاء بأن "تركيا تدعم الإرهابيين في الشرق الأوسط، لاسيما تنظيم داعش"، حيث تقوم المواقع المرتبطة بإيران بشكل مباشر وغير مباشر، بنقل الأخبار الملفقة استنادًا إلى بعضها البعض.

 

وبينما تفرد وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، مساحة واسعة لبث الادعاءات والاتهامات حيال تركيا، تتجنب نشر التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك التي تدحض الادعاءات.

 

وعلى سبيل المثال استخدمت صحيفة كيهان، المعروفة بقربها من المرشد الأعلى، علي خامنئي، عنوان "تركيا والسعودية وقطر: مركز قيادة داعش"، في عددها الصادر بتاريخ 25 حزيران/ يونيو الماضي.

 

أما وكالة أنباء فارس للأنباء، التي يشرف عليها الحرس الثوري، فقد ركزت على مزاعم بأن "عناصر داعش الإرهابية عبرت من الأراضي التركية، لدى مهاجمتها مدينة عين العرب (كوباني) السورية"، في 25 تموز/ يوليو الماضي.

 

واضح أن الحملة العسكرية التركية الأخيرة، واستخدام تركيا مصطلح محاربة الإرهاب الذي يريده الإيرانيون حكرا عليهم، والضربات الموجعة التي وجهتها القوات المسلحة التركية لكل من حزب العمال الكردستاني "PKK"، وتنظيم "داعش" وتنظيم جبهة التحرر الشعبي الثوري “DHKPC” - حلفاء إيران وأدواتها ضد تركيا - قد سبب انزعاجًا كبيرًا لدى الأوساط الرسمية الإيرانية، حيث راح مسؤولوها ينتقدونها بشكل علني ويعتبرونها عدوانا على سورية والعراق ويشككون في جدواها، بينما انهمك الإعلام الإيراني في تصويرها وإظهارها على أنها "اعتداء تركيا على الأراضي السورية تحت ذريعة الإرهاب".

 

ولعل التقنيات الحربية الحديثة عالية الجودة التي استخدمتها القوات المسلحة التركية وغالبها من صنع محلي، وخصوصا تقنيات الطائرات من دون طيار تركية الصنع، والمسافة الهائلة التي قطعتها الصناعات العسكرية التركية التي تقدمت خطوة للأمام فأصبحت في عداد المصدرين للسلاح النوعي المتطور وإلى بلدان عديدة بعد أن كانت تقف على أبواب إسرائيل متسولة التعاقد معها من أجل صيانة أسلحتها، الأمر الذي أقلق الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون بأن ميزان القوى العسكري في منطقة الشرق الأوسط بات لصالحهم.

 

إيران التي تعيش صراعا داخليا محتدما حول الاتفاق النووي الذي وقعته مع دول 5+1، وجدلا واسعا حول جدوى الحروب التي تخوضها في كل من العراق وسورية واليمن، والتي باتت تشكل عبئًا حقيقيا على ميزانية الدولة، واستنزافا للموارد البشرية حيث لا يخلو يوم من وصول توابيت لقتلى إيرانيين هنا وهناك، وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة بإجراء مراجعات وإعادة حسابات للسياسة الخارجية التي لم تعد حجج حماية المراقد الشيعية، والقدس والأقصى، والصمود أمام المشروع الصهيوني، والتصدي للشيطان الأكبر تستر عوراتها، تحاول اليوم - كما في السابق - تصدير أزماتها للخارج بفتح حروب إعلامية – ضد تركيا هذه المرة - واختلاق الخصوم بغية إسكات الأصوات المعارضة وتوحيد الصف الداخلي نحو عدو خارجي.

 

إيران التي عملت طوال أكثر من ثلاثة عقود على تأجيج الصراعات المذهبية في المنطقة، وتوظيفها في خدمة مشروعها التوسعي، تأتي اليوم لتتهم تركيا بالطائفية والمذهبية، ولتعمل على تشويه سمعتها من خلال إظهار حملتها العسكرية ضد الإرهاب وكأنها تتحرك بدوافع مذهبية !!.

 

ما أصدق قول القائل "رمتني بدائها وانسلت".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين