-1-
دعوت من نحو سبعة عشر شهراً إلى استئصال عصابة جند الأقصى وتشريد عناصرها لكسر شوكتهم وكفّ شرهم ولوقفهم عن البغي والغدر والعدوان، وكتبت بعدها في التحذير من هذه العصابة والدعوة إلى استئصالها مرات كثيرات، فاتُّهِمت في ديني وأمانتي ولقيت عنتاً كبيراً من الشبيحة والحمقى والمشاغبين. ثم ظهر من ضرر هذه العصابة وإثمها وبغيها ما كشف أمرها وأثبت شرّها، حتى إذا همّت بعض الفصائل بقتالها (وعلى رأسها أحرار الشام) بادرت جبهة النصرة إلى احتوائها وقدمت لها الحماية والحضن الرؤوم.
ولمّا نشر أبو يحيى الحموي (أمير الأحرار حينها) كلمته المشهورة في هذه العصابة الآثمة ووصفَها بالشرذمة النجسة ردّ عليه حسام الشافعي، المتحدث الرسمي باسم جبهة النصرة، ردّ بعشرات التغريدات التي أسبغ فيها على عصابة الجند من كريم الأوصاف ما جعلها في رتبة الصحابة والأولياء، وكان مما قاله في تلك التغريدات: "عذراً أيها الشيخ الكريم، فإننا لم نقبل بيعة شرذمة نجسة، بل مجاهدين أطهار سمع الجميع بصولاتهم في معركة تحرير إدلب".
ثم دار الزمان نصفَ دورة فصار الأطهارُ خوارجَ وأعلنت جبهة النصرة الحرب عليهم وبدأت بقتالهم قتال الإفناء والاستئصال.
-2-
لن أخاطب جبهة النصرة ولن أسألها، فإنني أعلم أن قتالها للجند إنما هو قتال مصلحة ونفوذ ليس فيه شيء لله، ولا تهمني نتيجة القتال، فإنه وسيلة ينتقم الله بها من الطرفين، وهو من باب ضرب الظالمين بالظالمين، إنما أوجّه خطابي وسؤالي لمَن دافع عن عصابة جند الأقصى يومَها واتهم من قاتلها أو دعا إلى قتالها بالعمالة والخيانة والتحريش والإفساد، سؤالي لهؤلاء الناس: ماذا أنتم اليومَ قائلون؟
إنْ قلتم إن الجند مجاهدون أطهار لزم من قولكم أن النصرة (هيئة تحرير الشام) بغاة معتدون آثمون، وإنّا -إذن- بانتظار إدانتكم واستنكاركم لهذا البغي والعدوان. وإن قلتم إن الجند مجرمون آثمون يستحقون القتال والاستئصال فأين تذهبون برأيكم القديم؟ وبأيّ شيء تختلفون عن الذين سُئلوا ذات يوم: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ كيف تكون جماعة الجند يوماً خِياراً من خيار ثم تغدو في يوم آخر شِراراً من شرار؟
سوف تسمعون من النصرة أنواعاً من الأعذار والتبريرات، ولعلهم يقولون: اختلفت الظروف وصار قتال الجند اليوم فريضة ومصلحة بعدما كان بالأمس حراماً ومفسدة. عندما تسمعون منهم هذه التبريرات ستقفون أمام لحظة من لحظات الحقيقة: إما أن تَؤوبوا إلى عقولكم فتنفضوا عنها الغبار وتبدؤوا باستعمالها بعد التعطيل الطويل (وأرجو أنها ما زالت تعمل) أو ستصدقون وتبدؤون بترديد ما تسمعون، فنقول لكم عندها: لكل داء دواء يُستطَبّ به إلا الغفلة والهوى، فاستجيبوا لنداء الهوى والعصبية أو ابقوا -إن شئتم- نعاجيين.
-3-
وُلدت في اللغة الإنكليزية بعد الحرب العالمية الثانية كلمة جديدة لم تكن من قبل: (Sheeple)، وهي منحوتة من كلمتَي الناس والنعاج (sheep+people) وتصف الذين ينقادون طواعية للتوجيه الخارجي. ربما كانت كلمة "نعاجيّين" مناسبة لوصف هؤلاء الأشخاص الذين تخلّوا عن نعمة العقل وزهدوا في التفكير الحرّ وآثروا أن يمشوا مع القطيع كالنعاج بلا تساؤل ولا تفكير، أجّروا عقولهم لغيرهم وقبلوا راضين بأن يكونوا أبواقاً يرددون ما يقوله الآخرون.
يا أيها المؤيدون لجبهة النصرة والمدافعون عنها في كل واد وناد وفي كل حال وحين، ويا من دافعتم بالأمس عن جند الأقصى وخوّنتم مَن قاتلهم قتال الدفاع ودَرْء الشر ودَفْع العدوان: أعيذكم بالله أن تكونوا نعاجيين! افتحوا أعينكم المغلّقة وشغّلوا عقولكم المعطلة ولو مرة واحدة، وعندها ستبصرون الحقيقة: إن جند الأقصى كانوا خوارج على الدوام، وإن جبهة النصرة آوتهم وهم معتدون مُحْدثون، فتحقق فيها وعيد الصادق المصدوق: "لعن الله من آوى محدثاً"، وسوف تلقى وعيدها ولو بعد حين.
افتحوا أعينكم وشغّلوا عقولكم وسوف تكتشفون الحقيقة، وستدركون أن الدفاع عن المجرمين جريمة تعادل في وزرها وقبحها الجريمةَ التي ارتكبها المجرمون، فلا تكونوا ظهيراً ونصيراً للظلَمة والمعتدين.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول