لقد أصبح دم المسلمين أرخص الدماء في العالم!!

 
إن مما يأسف له الخاطر ويتألم له القلب أن يتكالب الأعداء على المسلمين ويتواطؤوا على قتلهم وتشريدهم واضطهادهم وظلمهم؛ وفي المسلمين من لا يعرف شيئاً عن هذه المآسي والأحداث الدامية، أو لا يهتم بأمورهم وقضاياهم، ولعل العجب يزول إذا عرفنا أن أعداء الإسلام والمسلمين نجحوا في تقطيع أوصالنا وتفريق كلمتنا وتشتيت اهتماماتنا حتى أصبح البعض لا يفكر إلا في نفسه ولا يهتمّ إلا بأمر عيشه ورفاهيته، تاركاً كل هذه المآسي والأحزان خلف ظهره، ولعل جرح دولة أركان المسلمة التي احتلها البوذيون إحدى جراحات أمتنا القديمة المتجددة، إذ عانى من ويلاتها شعب مسلم بأكمله منذ عشرات العقود ولايزالون يعانون حتى هذه اللحظة، إنه شعب أركان بورما المسلم وقضية إقليم أركان أحد ممالك المسلمين التي احتلها البوذيون وضموها إلى بورما وأصبحت تسمى مؤخراً دولة (ميانمار) .
 
تقع مملكة أركان التي احتلتها بورما البوذية وصيرتها إقليماً من أقاليمها في جنوب شرق آسيا، تحدها من الشمال الصين ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند ومن الشرق لاوس ومن الغرب بنغلاديش وصل الإسلام إلى أركان في القرن الثاني الهجري عام (172) هـ ، عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة ( أركان ) في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد "رحمه الله". وأقيمت في (أركان) سلطنات إسلامية كثيرة، وفي عام (1430)م قامت مملكة إسلامية على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت إلى عام (1784)م، أي قرابة ثلاثة قرون ونصف، تتابع على حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه, وكانوا يكتبون على العملات كلمة التوحيد وأسماء الخلفاء الأربعة باللغة العربية . وفي عام (1784) م احتل الملك البوذي مملكة أراكان وضمها إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعندها بدأت معاناة المسلمين هناك، وضاعت فصولها وسط جراحات الأمّة المتتالية.
ولم تكن هذه الأزمة وليدة الليلة ومع ذلك غابت قضية هؤلاء المسلمين الذين باتوا فريسةً للفقر والحرمان وحملات القمع والتهجير من قبل حكومة بورما التي تمارس أبشع صور الاضطهاد الديني والعرقي ضد المسلمين الأركانيين حيث ألغت الحكومة جنسية المسلمين الروهنجا في أركان ظلماً وعدواناً بموجب قانون المواطنة والجنسية الذي وضع عام 1982م. ليتم تهجيرهم وطردهم من أراضيهم وهو ما حصل بعد ذلك، ولا يزال التهجير مستمراً حتى اللحظة، وحرمت المسلمين أيضاً من حرية السفر والتنقل داخل البلد وخارجه. وقامت باعتقالهم وتعذيبهم كما أجبرت الحكومة البوذية المسلمين على القيام بأعمال السخرة دون أجر كتعبيد الطرق وحفر الخنادق في المناطق الجبلية البورمية والخدمة في معسكرات الاحتلال، بالإضافة إلى مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية. ونهب أموالهم، ومنعهم من الاستيراد والتصدير أو ممارسة الأعمال التجارية. ووضع العقبات أمام دراسة أبناء المسلمين علوم الشريعة ومنعهم من الزواج وتحديد النسل إلى ما هنالك من سياسات ممنهجة تحتاج إلى مؤلفات لتوضيح أبعادها السياسية والإنسانية.
وخلال الأسبوعيين الماضيين تجدد بطش البوذيين بالمسلمين حيث تعرض عشرة من دعاة المسلمين الأركانيين إلى مذبحة شنيعة قضوا نحبهم فيها بعد أن هوجموا من قبل جماعة بوذية فتكوا بهم جميعاً ومثلّوا بحثثهم، وقد نقلت وسائل الإعلام صوراً فظيعة لضحايا هذه المجزرة التي لم تجد من ينتصر لها من قبل الحكومة الميانمارية التي غضت الطرف عنها وكأنها على اتفاق مع المجرمين القتلة، ولم تقف الأمور عند هذه المجزرة فحسب بل تعدتها إلى حرق منازل ومزارع عدد كبير من المسلمين وقتل العشرات بالنيران كل ذلك بمعاونة رجال الشرطة مع الطغمة البوذية الحاقدة على المسلمين، وتم فرض حظر التجول على القرى التي تقطنها الأقلية المسلمة، وبعدها قامت الجماعات البوذية بتغطية من الحكومة الميانمارية بحملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها ألفي مسلم وحرقوا قرابة ألفين وستمائة منزل من منازل المسلمين، وبلغ عدد النازحين أكثر من تسعين ألف نازح يعيشون في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء بعد أن رفضت دول الجوار استقبالهم، فمات من مات منهم؛ ومن عاش فإنه يعاني السقم والضياع والشتات ..
 
هذه هي قضية مسلمي أركان وهؤلاء أمانة في رقابنا وهم اليوم في أمس الحاجة لكي نظهر قضيتهم في المجمع الدولي وفي الإعلام العالمي والمحلي، ولئن قصّر الإعلام كثير في إبراز هذه المعاناة فإن الأمل يحدوني أن تتحرك الآلة الإعلامية الإسلامية من جديد لتقوم بدورها وتؤدي واجبها تجاه شعب يباد أمام نظر العالم وسمعه، إذ القضية بحاجة ماسة إلى التركيز الإعلامي في المقام الأول، وعلى المنظمات والهيئات الحقوقية والإنسانية والإغاثية واجب التحرك العاجل لإنقاذ البقية الباقية من المسلمين والمطالبة بحقوقهم في دولتهم والسعي الجاد لتدويل القضية حتى ينال المسلمون حقوقهم المشروعة، وعلى مستوى الشعوب والأفراد فإن العودة إلى الله جل وعلا وتغيير الحال إلى ما يرضيه سبحانه والالتجاء إليه سبيل قوي وباب عظيم من أبواب النصر وانجلاء الغمة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين