كيف نرضى عن الله؟

 

من الناس مَن يبالغ في تعظيم البلاء حتى يُخرجه من الإيمان إلى النكران، ولو أنصف لرأى أنه مهما ابتُلي فإن ابتلاءه يَقْصُر ويتضاءل في جنب السلامة الطويلة والنّعَم الوفيرة الكثيرة التي أنعم الله بها عليه.

 

كل واحد من الناس يُبتلى بالمرض، لكنه لو حسب أيام مرضه لوجدها أياماً معدودة في العام، وسائر الأيام يمضيها في عافية وأمان. كل واحد ينقبض صدره في الحين بعد الحين، لكن كم يبلغ ذلك الانقباض العارض مقابل الانشراح الدائم الذي يوفره الإيمان بالله وذكر الله؟ كل واحد فقدَ في بعض الأوقات أحبّة اختطفهم الموت وهو أشد ما يكون شوقاً لملازمتهم، لكن كم من الأحبّة ما يزالون يحيطون به ويضيئون حياته بنور الأنس والحنان؟

 

لو فكر المرء بأقسى الابتلاءات وأطولها فسوف يكتشف أنها جزء هيّنٌ يسيرٌ مقارَنةً بأضعاف أضعافها من السلامة والسعادة والاطمئنان والأمان، وعندئذ لن يملك إلا أن يقول: "الحمد لله على قضائه مهما يكن، ولا يُحمَد على المكروه سواه"، يقولها راضياً من أعماق قلبه بالقضاء، بخيره وشره وسرّائه وضرّائه، ولعل هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}.

 

وكيف يرضى المخلوق عن الخالق؟ إن الرضا عن الله هو الرضا بقضاء الله، وهو من صفات المؤمنين الصادقين، أمّا غير المؤمنين فلا يرضَون، بل يسخطون ويتذمرون ويقولون: لماذا أصابني ما أصابني؟ لماذا أنا من دون الناس؟

 

ثم بأي شيء يفيدهم تذمّرهم وسخطهم بعدما كان الذي كان؟ إنهم لا يستفيدون إلا سخط الله. في الحديث: "إن الله يقضي بالقضاء، فمَن رضي فله الرضا ومن سَخِط فله السُّخْط" وفي رواية: "إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط".

 

اللهم أعنّا على تذكّر نعمك التي لا تُحصَى. اللهمّ ارضَ عنّا، واجعلنا أبداً من الراضين الصابرين الحامدين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين