كورونا بين المكان والإنسان

تابعت عددا من الخطباء عبر خدمة المباشر، بكى بعضهم وتباكى كثير منهم، حتى ظننت أن الدين انتهى بإغلاق المساجد، بل وصل الأمر ببعضهم أن قال: إن الله طردنا من بيته؟؟؟

إلى ماهنالك من التعليقات التي جعلت الدين هو المكان

ولا يشك أحد في فضل المسجد، وأهميته، ودوره في بناء الفرد والمجتمع والأمة، وأنه شعار الدين، ورمز صلاحها وفلاحها، ومكان اجتماعها:

ولكن هناهنا نقاط:

- ثلاثة عشر عاما مرت منذ البعثة لم يكن فيها مسجد في مكة المكرمة في سيرته صلى الله عليه وسلم، بل لم تاذن له قريش بإقامة الصلاة، ولذا كان الصحابة يصلون في بيوتهم، ولم تقم صلاة الجماعة، ولم تكن الجمعة إلا في المدينة عند الهجرة.

- ثلاثة عشر عاما كانت لبناء الإنسان، وترسيخ القيم ، وصفاء العقيدة، التي تحدث عنها جعفر رضي الله عنه في الحديث الصحيح : أَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ..

- أما في المدينة فقد بنى المسجد ولكن جعل حرمة الإنسان أعظم من حرمة المكان

ولله درك يارسول الله وأنت تبين ذلك :

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجه

نبكي اليوم على إغلاق المساجد، وقد أحتقرنا الإنسان، وأهدرنا كرامته، وسلبناه ماله، وتجرأنا على ظلمه، بكل أنواع الظلم ، المادية والمعنوية، فقدمنا المفضول على الفاضل والأفضل.

- جاءت الكورونا لتقول لنا انتبهوا إلى الأفضل، انتبهوا إلى الإنسان، اعبدوا الله بإقامة العدل بالإنسان، قبل إعمار البنيان.

اعبدوا الله بالإحسان، والعفو والعدل والمساواة، وابتعدوا عن الظلم، والكبر، فكلكم أصفار، ومهما اجتمعت الأصفار تبقى أصفارا لاقيمة لها.

- لاعبرة بالمكان إن لم يكن على الإيمان، ولذا بين المولى لأهل مكة خطأ فهمهم عندما افتخروا بالعمارة والسقاية، فقال لهم:

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

جاءت الكورونا لتقول لنا: عليكم بالإنسان فهو الطريق إلى الله، الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

- ماأهمية المكان إن غاب عنه الإيمان، بل أمر المولى سبحانه وتعالى بهدم المكان وتحريقه عندما بني لغير الله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا

وارحمنا رحمة واسعة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين