تتفطّر قلوب المخلصين وهم يرون نار الخذلان والغدر والمؤامرات تأكل ثمرات الثورات التي ضحّوا في سبيلها بالنفس والنفيس، ويتساءلون حزانَى آسفين: إلى متى نبني وهم يهدمون؟
الجواب: إلى آخر ساعة في عمر الدنيا الفانية، إلى يوم النفخ في الصُّور. إن المعركة بين الخير والشرّ طويلة مستمرة لا تنتهي، فلا نخرج من جولة حتى ندخل في جولة بعدها، ولكنها لا تدفعنا إلى الإحباط والقنوط لأنها هي سِمة الحياة وهي سنّة الوجود، وهي المِرقاة إلى الفوز والسعادة في دار الخلود.
لقد خلق الله الدنيا فجعلها دارَ امتحان للناس وساحةَ صراع بين الخير والشر، فالأشرار يعملون والأخيار يعملون، ولن يزال الأوّلون يهدمون ويفسدون والآخَرون يبنون ويصلحون حتى نهاية الزمان. أليس إبليس قد طلب من ربه أن يمنحه الفرصة للإفساد فقال: {رَبِّ فأنظرني إلى يوم يبعثون}، فأجابه ربنا تبارك وتعالى لحكمة أرادها: {فإنك من المُنظَرين، إلى يوم الوقت المعلوم}؟ فماذا كان رد إبليس اللعين؟ {قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين}، فهو وأعوانه من الجن والإنس في معسكر الشر والفساد، وفي المعسكر المقابل يصطفّ المؤمنون في معركة لا تنتهي إلى قيام الساعة في آخر الزمان.
فيا أيها المؤمن: كن جندياً في فريق الحق وارْجُ الفوز في دار البقاء، ولا تشغل بالك بطول المعركة بين الحق والباطل في دار الفناء. لا يَحْزُنْك استمرارُ الصراع بين الخير والشر، ولا تيأس لو ظهر الشرُّ على الخير في جولة من الجولات، فإن الحرب بينهما سِجال. وليَهْنِك أنك في جيش المؤمنين، وأنك مع أولياء الله ولست مع أولياء الشيطان، وكفى بهذا الفوز من فوز عظيم.
وتذكّر أخيراً مصيرَ أنصار الحق ومصيرَ أنصار الباطل في آخر المطاف. فأما هم فاسمع فيهم نذير المنتقم الجبار: {قال فالحقُّ والحقَّ أقول: لأملأنّ جهنم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}. وأما أنت والصالحون الذين استقاموا على طريق الحق فلهم من الله ثلاثُ بُشْرَيات: أمنٌ بعد خوف الدنيا، وفرَحٌ بعد حزنها، وجنة بعد بلائها الطويل: {إنّ الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكةُ ألاّ تخافوا ولا تحزنوا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعَدون}.
نسأل الله أن لا يحمّلنا ما لا طاقة لنا به، ونسأله الثبات على الحق والصبر عليه والوفاة على الإيمان.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول