بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين
كلمة
الرابطة في رثاء فقيد الدعوة الشيخ محمد فاروق بطل
من عظمت عليه
مصيبته فليذكر مصيبة المسلمين في فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم الفقد
بعد فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد العالِم ، فكيف إذا كان هذا العالم
داعية ومربياً ومجاهداً ومهاجراً وقدوة في العمل الإسلامي في كل مجالاته وأنحائه كشيخنا
وفقيدنا محمد فاروق البطل؟ رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
تلكم هي صفات العالِم
العامل العالِم الرباني الذي يحيى لدينه ولأمته ويضحي ويُسجن ويهاجر ويكابد في
سبيل الدعوة و الدين ، وفي كل ذلك تهون عليه نفسه و مصائبه أمام ما يرجوه لهذه
الأمة .
لقد كان بطلاً بحق
تصاغرت أمام جهوده جهود العاملين والباذلين لهذه الدعوة لم يهن ولم يلن وظل شامخاً
كالطود يقدم لدعوته و لإخوانه .
رجل من جيل
الثلاثينات جيل الرعيل الأول في هذه الدعوة المباركة المسمى جيل الصحوة بل هم
صانعو هذه الصحوة المباركة .
ولئن كانت خطوات
صباه الأولى في إدلب إلا أن أسرته انتقلت إلى حلب فكانت معظم إقامته فيها فقدّر له
إلى جانب دراسته في الخسرويّة أن يتلقى على أكابر علمائها في ذلك الزمان وأبرزهم :
الشيخ محمد
راغب الطباخ ، الشيخ المقرئ محمد نجيب خياطة ، الداعية العالِم محمد
أبو الخير زين العابدين ، الفقيه العلامة مصطفى الزرقا ، الفقيه
الرباني محمد السلقيني .
فضلاً عن الدراسة
الجامعية في دمشق التي تلقى فيها عن الأفذاذ : الشيخ د. مصطفى السباعي ، الأستاذ
محمد المبارك ، د. معروف الدواليبي ، الشيخ علي الطنطاوي ...
وبعد أن تخرج في
كلية الشريعة في دمشق درس في كلية الحقوق أيضا في جامعة دمشق ، ولم تتيسر له
الدراسات العليا بسبب بعض الظروف السياسية .
عمل الشيخ مدرساً
لمادة التربية الإسلاميَّة في ثانويات حلب وما حولها لمدة عشرين سنة إلى أن جاءت
المحنة الكبرى ، ولم تكن أول محنة فحياة الدعاة لا تخلو من الابتلاءات .
تعرض للسجن في
أحداث الدستور في سورية ثم سجن مراراً وكان آخرها أول الثمانينات يوم أن خطفه
الزبانية من أمام بيته وعذب عذاباً شديداً .. حتى استغاثت جدران السجن لآلامه
ولآلام إخوانه .
وفي المعتقل.. ..
لم يساوم البطل رغم اﻷلم والتعذيب .. لم يساوم على كرامة الدعوة وثوابتها وحقوقها
.. فطالب بإلغاء قانون الطوارئ .. وبحل البرلمان المزيف .. وبإلغاء اﻷحكام العرفية
..
ثم كانت مساعي اﻷخ
الشهيد بإذن الله أمين يكن رحمه الله .. وتم الافراج عن أكثر من (400) معتقل.
ثم غادر سورية بعد
ذلك ، فعمل في جامعة الملك عبد العزيز –
في جدة – ، في كلية الآداب
قسم الدراسات الإسلامية ، لمدة عشرين سنة .
كان الشيخ قد حصل
على الماجستير متأخراً فيما بعد من الجامعة الإسلامية في باكستان (بهاولبور) ثم توجه
لدراسة الدكتوراه في الجامعات السودانية ولكن أعباء العمل الدعوي حالت دون ذلك .
ومع التدريس
والأعمال الدعوية كانت للشيخ أعمال إذاعية متميزة ( في إذاعة القرآن الكريم ) حيث قدم
الشيخ برنامجين :
- الأول: سبل
الإسلام في الإصلاح الاجتماعي استمر لمدة سنة .
- الثاني: أبطال
الإسلام ، استمر ثماني سنوات . وهذا الذي جمعه في كتاب "أبطال الإسلام
في موكب النبوة الخالد"
كان للشيخ دوره
المبكر في العمل الدعوي والعمل الحركي ، بل في قيادة العمل الإسلامي في سورية إلى
أن رأى مع عدد من إخوانه أنه لا بد من مظلة جامعة لأهل العلم وعلماء سورية الذين
شردهم النظام المجرم ، فساهم مع ثلة من العلماء وفي طليعتهم الشيخ محمد علي
الصابوني في تأسيس رابطة العلماء السوريين ، وشغل موقع الأمين العام
الأول في هذه الرابطة المباركة ، وكان له ولجهوده ودأبه الدور الأكبر في نمو هذه
الرابطة وامتداد أغصانها الوارفة حتى ظللت المئات من العلماء وطلاب العلم السوريين
في ديار الهجرة .
ومنذ أن بدأت
الثورة السورية على نظام الظلم والاستبداد كان لشيخنا وإخوانه دور أيما دور في دعم
وترشيد هذه الثورة ، وهذا هو الدور المأمول من العلماء الصادقين .
فكانت مؤتمرات
نصرة الثورة التي صدح فيها العلماء بالحق .
وكانت مراكز
القرآن التي اتسعت لتشمل عشرات الآلاف من أبناء السوريين في سورية وفي المخيمات مع
ما يحتاجه كل ذلك من إعداد الكوادر وتأمين الدعم اللازم .
وكانت دورات إعداد
القضاة التي خرجت المئات ليأخذوا مكانهم في ساحات الثورة وميادين الجهاد .
هذه الأعمال وهذه
الجهود المباركة أضنت الجسم العليل بعد قرابة عقد من التأسيس والتطوير فسلم الراية
لأخيه الشيخ محمد ياسر المسدي رحمهما الله تعالى .
وطالت محنة الشيخ
في مرضه لعقد آخر من الزمان وهو صابر راض لا يشكو ولا يتضجر إلى أن لبّى نداء ربه
عشية يوم الأربعاء الثامن عشر من محرم الحرام لعام 1446هجرية يوافقه الرابع
والعشرون من تموز 2024 ميلادية .
رحم الله الشيخ محمد
فاروق رحمة واسعة وجعله مع النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقاً ، اللهم تقبله في العلماء العاملين واجُرنا في مصيبتنا ، إنا لله وإنا إليه
راجعون .
الأمين
العام أحمد حوى
استانبول 19 محرم 1446هـ 25تموز 2024م
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول