كلمات في ترجمة الأخ الحبيب الشيخ د. أنس كرزون

كلمات في ترجمة الأخ الحبيب

الشيخ د. أنس كرزون

محمود عقيل

 

ولد الأخ الحبيب أنس في مدينة حلب سنة 1958 ونشا في بيئة صالحة.

فوالده الأستاذ والمربّي الكبير أحمد كرزون، وكانت أسرته تسكن قرب السبع بحرات قرب الجامع الكبير في مدينة حلب في عمارة ضمَّت أسرة الشهيد محمد دبابو، والشهيد أسامة إدلبي، والشهيد حسان كرزون الأخ الأصغر للشيخ أنس. 

حرص رحمه الله على حفظ كتاب الله غيبًا مع مجموعة طيّبة من الشباب في حلب، وأتمَّ حفظه كاملًا في عمر مبكر.

 

في فترة أحداث الثمانينيَّات خرجت أسرة الأستاذ أحمد كرزون رحمه الله إلى السعودية، حيث التحق والده رحمه الله مشرفًا تربويًّا في جامعة أم القرى، وتابع الشيخ أنس الذي كان يدرس الهندسة المدنية في جامعة حلب دراسته في العلوم الشرعيَّة في قسم الدعوة بكلية أصول الدين في جامعة أم القرى بمكة المكرمة . 

 

وكان له السبق والفضل إذ قام مع ثلة من الإخوة الكرام بتأسيس وتقوية أنشطة وحلقات حفظ القرآن الكريم في مدرسة الفلاح في باب مكة تحت إدارة الشيخين الفاضلين عدنان وهشام سرميني رحمهما الله. 

 

جمعني والشيخ أنس وعدد محدود من الإخوة لقاء بعد صلاة الفجر مرة أسبوعيًّا، كان الشيخ يتنقل فيه بقراءة شرح صحيح مسلم للنووي رحمهما الله بين الفقه والتفسير والأصول والأدب والأخلاق حسبما يفتح الله عليه من فتوحات وفيوضات ووقفات تربويَّة. 

 

وكانت له لقاءات شبيهة لقراءة صحيح مسلم للنووي وغير من كتب التراث الشرعي.

وجدنا من الشيخ أنس علمًا غزيرًا ومواقف متَّزنة وبُعد نظر وتقبُّلًا للرأي الآخر برحابة أخلاق وسعة صدر قلما تجدها في الناس.

 

لم يكن يغتاب أحدًا ولا يشرع في ذلك، وإذا حاول من معه فتح موضوع فيه شيء من ذلك تراه يتغير وجهه ويحاول تغيير الموضوع بأسرع ما يمكن.

  وإذا كان المتكلم أكبر منه عمرًا أو مكانة، كنت تراه يتبسم ويغض الطرف عسى أن يتوقف المتكلم مع محاولته المتكررة لتغيير الموضوع.

 

حفظ القرآن وهو شاب يافع في حلب، وكان إمامًا في جُدة لمسجد الحي في شارع فلسطين، ولم يقبل أن يتنازل عن مواقفه المعتدلة رغم الضغوط الكبيرة عليه أن يتكلم فيما لا يرضاه من مواضيع خلافيَّة متشددِّة حتى خسر موقعه بسبب تمسكه بالاعتدال ورفض تفسيق أو تكفير من كانوا يرون ذلك في بعض فئام المسلمين. 

 

له عدد كبير من المؤلفات النافعة وكثير منها كانت مناهج موجَّهة لطلاب الهيئة العالميَّة لتحفيظ القرآن الكريم التي امتدَّت أذرعها لتشمل عددًا كبيرًا من بلاد العالم الإسلامية وغيرها حيث نال خيرهم وفضلهم الجاليات المسلمة في تلك البلاد، ومنها كندا حيث باشرت في تأسيس بعض الحلقات، وعملت معهم عدة سنوات في الإشراف على الحلقات ومتابعتها مع إخوة فضلاء هناك.

  وكان الأخ الحبيب أنس عالي الأخلاق، طيبًا محبًّا، كثير التبسُّم، حسن المعشر، يحبه من يجالسه ويألفه سريعًا ويرتاح إليه. 

 

 وكان متواضعًا وعزيزًا، وطيِّبًا وخلوقًا، ولكنه وقاف عند ما لا ينبغي الخوض فيه، فلا يتيح لأحد المجال لكلام فيه انتقاص أو انتقاد وخاصة فيما لا يترتب عليه عمل أو يؤدي إلى فرقة بين المسلمين. 

 

بعد فقد أخيه حسان في سجن تدمر شهيدًا، ووفاة أخيه محمد في حادث سيارة بعد الحج قادمًا من مكة إلى جدة، بقي الابن الوحيد من الذكور لوالديه، فكان بارًّا بهما، وبقيت والدته المريضة المقعدة عنده عدة سنوات قبل رحيلها، ولم أجد أحدًا في عمره مثله حزينًا ومنكسرًا ومتأثِّرًا على فقد أمِّه رغم مرضها الشديد الذي أقعدها في الفراش لمدة تزيد على خمسة عشر عامًا. 

 

بدت مظاهر التعب عليه ليلة الجمعة، واجتمع بأولاده بعد صلاة الجمعة وذكرهم وأوصاهم، وشعر بعد صلاة المغرب من يوم الجمعة بهبوط شديد في الضغط، نقل إثرها على مشفى الجدعاني في جدة بكامل وعيه وحضوره، وتوفي بعد ربع ساعة ليلة السبت 6 من رجب 1444الموافق 28 كانون الثاني 2022 عن خمسة وستين عامًا.

 

رحم الله شيخنا وأخانا وحبيبنا الذي غادرنا مسرعًا إلى ربه، عسى أن يلقاه وهو عنه راض، ونسأله سبحانه أن يغفر له ويتقبله في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.  

وندعوه سبحانه حين يحين الوقت أن يلحقنا بأولئك وهو راض عنا بفضله ورحمته، وأن يغفر لنا تقصيرنا ويستر علينا في الدنيا والآخرة ويدخلنا جميعًا الفردوس الأعلى من الجنَّة. 

 

اللهمَّ تقبل أخانا أنس في عبادك الصالحين، واغفر لنا ولهم أجمعين، وصلِّ اللهمَّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض عنا يا رب رضى لا سخط بعده.