قال السجّان الجلاّد، للسجناء السياسيين: لا تمدحونا أمام رؤسائنا!

لمَ لا؟
لأن الجلاّدين من طينة خاصّة، أو هكذا يتصوّر رؤساؤهم! فهم منتقَون حبّة حبّة، على الصينية، كما يقول المثل!
هم ليسوا مجرّد موظفين، يعملون في دولتهم، بل هم أوصياء على: الدولة، والحكم، والوطن، والناس جميعاً، في بلادهم ؛ كما أوهمهم رؤساؤهم! وهم لاشيء، أمام رؤسائهم، لاقيمة لهم، ولا شأن! كما أنهم لا قيمة لهم، ولا شأن، أمام أنفسهم! ويحرص كلّ منهم، أن يكون ذا قيمة وشأن، أمام الناس البسطاء، حين يكلّمهم من رأس أنفه.. وحين يرفع، بحركة مفتعلة، طرف جاكيته، ليظهر المسدّس، المخبوء تحته، دلالة على أن حامل المسدّس، شخصية مهمّة ؛ أي: هو رجل مخابرات!
مامعنى هذا الكلام؟
معناه: أن جلاّد السجن شخصية مميّزة، متفرّدة، مختلفة عن شخصيات البشر العاديين! إنه كتلة معقّدة من: الجهل، والسطحية، والعنجهية.. والإحساس بالدونيّة: في أعماق نفسه، وأمام الرؤساء.. والشعور العميق بالحرمان: المادّي والمعنوي!
حين يَمدح السجينُ الجلاّدَ، أمام رؤسائه ؛ فهذا يغضّ من شأن الجلاّد، الذي لم يُربّ التربية الصالحة، التي تؤهّله لسحق المساجين، الذين تحت سيطرته في السجن! وهذا يعني: أنه عاجز عن ذلك.. أو أن في قلبه شيئاً من الرحمة، أو الرفق، أو الحسّ الإنساني! وهذا يجعله، بالضرورة، غير مؤهّل لمهمّته، في سحق المساجين السياسيين؛ ممّا يستدعي البحث، عن بديل له! وهذا مصدر ذعر للجلاّدين، عامّة ؛ لأنه يعني حرمانهم من عملهم، الذي يؤمّنون بواسطته، رزقهم ورزق عيالهم.. كما يؤمّنون وسيلة الفخر الوحيدة، التي يفخرون بها أمام الناس، بأنهم رجال مهمّون، لأنهم يعملون في سلك المخابرات!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين