فماذا بعد الحرق؟!

 

 

استعرت مواقع التواصل الاجتماعي بالأمس بنقاش مسألتين شرعيتين هما: حكم قتل الأسير، وحكم حرقه، حتى خاض في ذلك صغارُ العلم ودهماءُ الناس.

ولئن جاز للجمهور السكوت ـ وأراه واجبا في حق أكثرهم ـ فلا يجوز قطعا في حق من أخذ الله عليهم الميثاق بالبيان وعدم الكتمان، ممن لا تحركهم العواطف والأشجان، بل الحجة والبرهان.

 

وعلى هذا أقول:

لا خلاف بين العلماء على مشروعية اجتهاد الإمام في التعامل مع أسير الحرب بأحد خيارات ثلاث: المن أو الفداء أو القتل، بحسب رجحان المصلحة، لا لهوى النفس.

 

ولا خلاف بين العلماء كذلك على مشروعية القصاص بالمثل، وأن القاتل يقتل بالكيفية ذاتها التي قتل بها.

 

ولا أريد أن أخوض في خلاف العلماء في جواز القتل بالتحريق فهو قديم ومشهور وكل من قرأ كتابا في السياسة الشرعية يعلم هذا الخلاف، ولكن عند التحقيق تجد أن الراجح هو المنع منه لصراحة الأدلة فيه.

وقد أنكر الصحابة الكرام على علي رضي الله عنه حرقه للمؤلهين له.

 

المهم.. أن عامة المسلمين لا يعلمون شيئا عن هذا الخلاف فضلا عن غير المسلمين الذين هم موضع دعوتنا. والناس تحركهم العواطف والمشاعر.

 

القضية الكبرى ليست هنا، بل بالنظر إلى عواقب الأمور ومآلات الأفعال، والتي ينبغي أن تصب في مصلحة الدين والأمة.. وإلا فإن الفعل لن يكون مشروعا وإن كان في أصله كذلك.

 

ألم تر إلى خطر المنافقين في المدينة، وتأليبهم على الإسلام ونبي الإسلام، وتآمرهم مع اليهود والمشركين!! 

ومع ذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتلهم خشية أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فتنفر القبائل عن الدعوة. إن الشريعة تأخذ بعين الاعتبار "ماذا يتحدث الناس" !!!

 

والشواهد على هذا التأصيل كثيرة.

 

وأنا أسأل هنا سؤالا مشروعا في السياسة الشرعية، وفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد التي اعتبرها الشارع في كل الأحكام على الإطلاق.. ما هي المصلحة من قتل الطيار حرقا؟!

 بل من قتله أصلا؟! 

سيذكرون لك بعض المصالح... حسنا.

وماذا سيترتب على ذلك من مفاسد تضر بسمعة الدين والجهاد والدعوة؟! بل ومشروع الخلافة المنتظر؟!

حدّث ولا حرج.. وستكشف لكم الأيام حجم المفاسد التي لا حصر لها.

ولكي نعلم حجم الكارثة علينا أن نسأل أنفسنا.. مَن أسعد الناس بهذا الخبر اليوم؟!

 

في اعتقادي هم كل الطغاة الباحثين عن مزيد من المبررات والذرائع لقتل شعوبهم الحرة، وعلى رأسهم الإسلاميين وعلى رأس أولئك المجاهدين الشرفاء.

 

وأسعدهم بالحدث كل من كان يطمع بأن يجر الأردن إلى عمق المواجهة البرية مع التنظيم، ليستنزف بالتدريج ما تبقى من الجيوش العربية المتماسكة لتلحق بالركب.

 

فرح وسيفرح لهذا كل أعداء المشروع الإسلامي الإصلاحي المعتدل، وقد أنفقوا لإفشاله مليارات الدولارات، جاءهم حدث اليوم بالمجان ليقولوا لشعوبهم إن البديل لكم عنا هم هؤلاء الهمج الرعاع المتوحشون... الخ.

وفي نفس الوقت يقولون للنظام العالمي وقادته، لا غنى لكم عنا.

 

بكم يا ترى كان سيشتري بشار مثل هذا الخبر؟ ومثله حسن نصر اللات؟ أو قاسم سليماني؟ أو الرافضة في العراق؟ أو الحوثي في اليمن؟

أو السيسي الذي يحرض أنصاره على الثأر من الإسلاميين؟

 

إنه حقًا حدث "بمليار".

 

معاذ الله أن أدافع يوما عن تحالف صليبي غاشم، ولقد كنت أحد الموقعين على بيان رفضه.

فلا تلازم بين الأمرين كما يظهر لبعض السطحيين والمندفعين الآنيين.

لكن الحق أحق أن يتبع ويُصدع به. فماذا بعد الحق إلا الضلال!!

 

والخلاصَة.. إن الله لا يصلح عمل المفسدين.

وكم من مريد للخير لم يصبه.

بل.. كم من مريد للخير أصاب كبد الشر.

ولا حول ولا قوة إلا بالله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين