فقه البكاء

لا تعصُر عينيك بل اعصر قلبك، فمَخرجُ الدمع القلبُ لا العين، وإذا انسدت غدَّةُ دمع قلبك لم تُسعِفْكَ غدَّةُ دمع عينك.

وذرفُ الدمع إمَّا بمقتضى الطبع أو بمقتضى الشرع.

أمَّا مقتضى الطبع فيستوي فيه المؤمنُ والكافرُ، والبرُّ والفاجرُ، بل الإنسانُ والبهيمة، ففي كلٍّ غرَزَ الله الرحمةَ والحنين، فربَّما بكت السباع، وربَّما خشعت الجمادات وبكت الأرض والسماوات.

وإنَّ من الحجارة لما يتفجَّرُ منه الأنهار.

وأمَّا مقتضى الشرع، فمدارُه على معرفة الرب العظيم بأسمائه وصفاته، بجلاله وكماله، ومعرفة النفس بعيوبها وفقرها وعظيم جنايتها، فإن لم تبكِ لخشيته بكيت لمحبته، وإلا بكيت فرحاً به وشوقاً للقائه، أو إن شئت لعظيم حلمه وجميل ستره، فإن لم تذرف لذلك كله فليكن لآثار رحمته التي وسعت كلَّ شيء.

فإن أبت عينك فاعلم أنَّما رانَ على قلبك غشاءُ الغفلة، ورواسب الخطيئة، فأزله بمنقاش الندم واغسله بماء التوبة والضراعة، وافتح مغاليقَ قلبك بمفاتيح بصيرتك، وتأمَّل في رقة الباكين من حولك، من الذي قرَّبهم وأبعدك، فانطرح بين يديه، وتمرَّغ على عتبات بابه، واشك إليه قسوةَ قلبك وقَحطَ عينك وفسادَ طبعك، وقل يا فتاحُ يا عليم.

فإن لم يفتَح لك مع كلِّ هذا ـ وهذا بعيد ـ فقد وجدتَ حينئذٍ ما يُبكيك آخرًا..

إنه البكاء على نفسك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين