فريضة الوقت في زمننا الضائع

لفت نظري ما كتبه منظِّر الدعوة الأول في القرن الحادي والعشرين، الأستاذ محمد أحمد الراشد:" هممت أن أقول بوجوب تفريغ داعية محتسب، مهنته أن يدقَّ أبواب الدعاة، ويقحم نفسه في شأن إخوانه، ويقول خمس لاءات فقط: لا تغترَّ، لا تبطر، لا تكسل، لا تغفل، لا تنس أن تسقي القلب فإنه عطشان ".

استوقفتني إشارتي الكسل والغفلة، مع التأكيد أن جميعها تستدعي الوقوف، لكن في هذه العجالة يتعذَّر بسط الكلام حولها مجتمعةً.

معاذ الله أن ألج ساحة جلد الذات، وجميعكم من أهل الفضل والعلم؛ لكن ذكرى لنفسي أولاً، ولإخواني الذين تربطني بهم جسور من المودة، ورحم متصل بين أهل الدعوة نستحضره على وجه الديمومة، مهما تباعدت الأجساد وناءت عنا الديار.

من الخطأ بمكان أن يظنَّ الدعاة في العصر الحاضر، أنَّ الراحة لها موضع ومكان في حياتهم، وكأنَّ ابن الخطاب  يعيش بيننا الآن لينبهنا إلى هذه الحقيقة قائلاً:" الراحة للرجال غفلة ".

وكان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله، فالإمام أحمد لم يكن بالمنعزل المتواري الهارب من الناس.

الداعية يفتش عن الناس، ويبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم، ويرحل للقائهم، ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم، ومن انتظر مجيء الناس إليه في مسجده أو بيته، فإن الأيام تبقيه وحيداً، ليتعلم فنَّ التثاؤب.

لا أستطيع أن أستوعب أن يسنَد لأخ لنا من الدعاة أو من طلبة العلم عمل، أن تبرد همته فلا يتفاعل معه ولو في الحدِّ الأدنى، او أستوعب أن أحداً من هؤلاء، يغلق هاتفه ويتجاهل رسائل إخوانه أكثر من ثمانية وأربعين ساعةً.

أربأ بنفسي وبإخواني، أن يكون اسم أحدنا مكتوباً في سجل الغافلين، في حال لم نعط الدعوة إلا فضول أوقاتنا، وما دمنا لا نشغفها حبَّاً ولا نتخذها حرفة.

وما تجاوز أبو الأعلى المودودي رحمه الله، أعراف أجيال الدعاة حين صارحنا فقال:" إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نارٌ متقدة تكون في ضرامها - على الأقل - مثل النار التي تتَّقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسدُّ به رمق حياة أولاده، ولا تزال تقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي ".

لا يسوَّغ للداعية أن يمنح نفسه إجازة، وإنما هو كما شبهه بعض الأفاضل: وقف لله تعالى. تماماً كنسخة من كتابٍ نافعٍ، حين تُوقَف لله تعالى، وتوضع في مسجدٍ من مساجد الله، فكل داعية موقوف لله، في جزءٍ من أجزاء دعوة الله.

الدعوة أب لنا ونحن أبناؤها، وفي وصيةٍ معتبرةٍ، قال لقمان لإبنه:" يا بني إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤدِّ حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حقٍّ ".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين