فتوى حول شكوك ووساوس في الدّين

نص الاستشارة :

أنا شاب سوري أقيم في الغربة، وأريد أن أستشيرك في موضوع مهمّ. أستاذي، أنا عندي مشكلة في الاعتقاد، وأمي تريد أن تخطب لي فتاة، وأريد أن أعرف هل يجوز أن أتزوجها وما هو وضعي الحقيقي؟ لقد بدأت عندي شكوك في بعض أمور الدين من حوالي عشرة سنوات، حيث بدأت أشك في أن القرآن هو فعلا كتاب سماوي، وأن الإسلام دين الحق، فأنا أقرأ القرآن ولا أحس أنه فعلا كتاب الله أو أنه مختلف عن كلام البشر، بل أحيانا أحس أن في ألقران أنواعا من الأساطير والخرافات، وقد فكرت لماذا يمكن أن يرسل الله رسالته بهذه الطريقة الغريبة، ملك ينزل من السماء على رجل في غار بعيد عن الناس؟ تبدو هذه القصة خيالية ولا تقنع العقل. كما أن عندي تساؤلات عن بعض الأمور الأخرى في الإسلام. المهم أنني صارت عندي شكوك في حقيقة النبوة والرسالة وفي القرآن، ولكن لا يعني هذا أنني ملحد بل أنا متأكد من وجود الخالق، ولكن تنتابني شكوك بالدين واليوم الآخر، مع ذلك وبعد شكوك وتفكير ومناقشات مع بعض الأصحاب المتدينين، قررت أن لا أفكر في هذه الموضوعات وأن أترك التفكير فيها نهائيا، وأن أستسلم للإسلام كما ولدت، وبفضل الله لم أقطع الصلاة في حياتي أبدا، وحافظت على الصيام دائما، ولا أقترب من أي نوع من المحرمات رغم أنني أعيش في الغربة ويمكن أن أقترف الحرام لو أردت. أحد أصدقائي يقول لي: إن هذا كله لا يفيد، لأن عندي شك في أصل الدين، وبالتالي لا يجوز أن أتتزوج مسلمة، وآخر يقول إنني مسلم، لأن الله تعالى يقول : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا } [ الحجرات - الآية 14] فالإسلام عمل إرادي، وأنا ألتزم به كاملا وأحافظ على الصلوات ولا أقترب من الحرام، أما الإيمان فإنه عمل قلبي لا إرادي. فما هي حقيقة أمري وهل أنا مسلم أم غير مسلم؟ وهل يجوز أن أتزوج تلك الفتاة أم أتهرب من هذا المشروع؟ أرجوك أن ترسل لي الجواب لأنني محتار في هذه الأمور، وأنا أخاف أن أظلم أو أرتكب خطأ في حق الفتاة وأهلها.

الاجابة

وقد أجابت لجنة الفتوى في رابطة العلماء السوريين

 

هذه الأمور التي ذكرتها أيها الأخ السائل ليست شكوكاً، وإنّما هي وساوس الشيطان ، يحاول من خلال إثارتها غزو عقلك بالشبهات ونفسك بالشهوات، وقد ورد في الحديث الصحيح عند الإمام مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به)).

 

     وإن ما يراودك أمر يراود كل مؤمن، بل حصل مثل ذلك مع خير الناس بعد الأنبياء، وهم الصحابة رضي الله عنهم كما ورد عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ ، لأَنَّ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ ، قَالَ : ذَلِكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ.)".
 

    - وفي رواية : "( أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَحَدَنَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالشَّيْءِ مَا يُحِبُّ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ ، وَإِنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ، قَالَ : ذَاكَ مَحْضُ الإِيمَانِ.)".

 

- وفي رواية : "( جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلُوهُ : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ، قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ.)".

- وفي رواية : "( أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا لَنَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا شَيْئًا لأَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ : ذَاكَ مَحْضُ الإِيمَانِ.)".أخرجه الإمام أحمد في المسند ومسلم في صحيحه والنسائي في الكبرى وغيرهم.  
إن استقباح هذا الشاب لهذه الشكوك والوساوس دليل على صفاء إيمانه وخلوصه، وهذه الوساوس والشكوك من الشيطان وليست من العقل المجرد، وإنما يستغل الشيطان العقل ليزين الوساوس بمنطقية عقلية تتناسب مع طريقة صاحبها في التفكير ليستدرجه إلى الكفر على مراتب، فيتنقل به من الشك إلى الظن، ثم إلى الإلحاد، ولكن الأخ -ولله الحمد -ما يرِد عليه إنما هو من قبيل الشكوك والوسوسة، وهو مسلم إن شاء الله وعلى أصل الفطرة، لا سيما وهو يقول : إنّه محافظ على صلاته وصيامه.
     وهذه الوساوس سببها غالباً : الوَحْدة، والفراغ، وعدم إشغال النفس بعمل جادّ فيه نفع للآخرين، فعلى الأخ أن يحرص على اتّخاذ صحبة صالحة، تكون على علم وتقوى، تعينه على طاعة الله تعالى، وتملأ له وقته بما يرضي الله، وتقدّم له الثقافة الشرعيّة النافعة، وتربطه بالسيرة النبويّة الشريفة، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسلف هذه الأمّة الصالح، وننصحه أن يقرأ تفسير القرآن الكريم من كتاب عصري، ونخص التفسير الرائع: ( في ظلال القران ) لمؤلفه سيد قطب، وكتاب : " تعريف عام بدين الإسلام " للأستاذ علي الطنطاوي، وأن يكثر من قراءة المعوذتين، وبعد أن تجد انشراحا في صدرك تقدم لخطبة قريبتك، فأنت مسلم والحمد لله لأنك تصلي ولا ترتكب الحرام، ندعو الله لك بالثبات على الإيمان لأنه أغلى شيء في هذه الحياة، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 


التعليقات