غُرُورُ التديّن .. وأثره المُدمّر ..

الغُرُورُ شرّ كلّه .. غُرُورُ الشباب والمال .. وغُرُورُ الصحّة والقوّة .. وغُرُورُ العلم والمعرفة .. وغُرُورُ الجاه والسلطة ..

ولكنّ أسوأ غُرُور يدّمر نفس الإنسان ، وحاضره ومستقبله : غُرُورُ التديّن .. الذي يستعصي في أكثر الأحوال على العلاج ، وله آثاره المدمّرة للنفس والأمّة ..

يقبل الشاب على التديّن، وفي أغلب الأحوال لا يجد حوله موجّهاً أكبر منه، ذا كفاية لنصحه وتوجيهه، فيحيط به أمثاله من الشباب؛ يمدحونه ويمدحهم، ويثنون عليه، ويثني عليهم، ويصفونه بما ليس فيه، ويقدّمون له الألقاب الفضفاضة .. وأوّل ما يطلقون عليه لقب «الشيخ .!» فيصدّق صاحبهم ، وتلعب سكرة المديح برأسه ..

وينفث فيه الشيطان سموم العجب والغرور ، فينتفخ ويتعاظم في نفسه ، ويتظاهر بالتواضع الكاذب، فيزداد الآخرون له مديحاً زائفاً ، وإطراء بغير حساب ..

ويمدّ له الشيطان في سمومه ، فيطلق لسانه بالنقد والتجريح على الدعاة والعلماء ، والقادة والعظماء ، من المُعاصرين والسابقين ، بدعوى نصرة الحقّ ، الغيرة على دين الله ..

ويستحلي ذلك بين أقرانه، لأنّهم يزيدهم به غروراً ، وله مديحاً ، فيتمادى في التنقيب عن أخطاء الآخرين وزلاّتهم ، وتتبّع هفواتهم وعثراتهم ، ويصبح حديثه عن أقوال العلماء، واجتهادات الدعاة شغله الشاغل في مجالسه ، وبين أقرانه وأتباعه ، يحذّر منها وينذر ، ويضخّم فيها ويشهّر ، بقول الزور ، وزعمه المغرور ..

ولا غرض له إلاّ الشهرة بين الناس ، والسمعة وبين الأقران والأتباع ، وأن يقال عنه : عالم ومفكّر ، وداعية ومجدّد ، ويتجمّع حوله الأتباع ، ويتعصّب له الرعاع ، ويتصدّر مجالس الناس ، ويشار إليه بالبنان ..

وأدهى من ذلك كلّه وأمرّ عندما يرى شياطينُ الإنس ما يخبّ فيه الرجل ويضع ، ويجنّد له قواه وأتباعه ، فيمدّون له في غيّه بكلّ وسيلة ، ويشجّعونه بكلّ مكر وحيلة ، ليُحارَبَ الإسلامُ بالإسلام ، ويكونَ بأسُ الأمّة بينها ، وبلاءُ الإسلام بأيدي أبنائه ..

فأيّ داء أدوى من ذلك ، وأظهر وأقهر ، وأعصى منه على العلاج والشفاء .؟! إلاّ أن يتدارك الله تعالى العبد برحمته ، فيصدق في معرفة نفسه ، واكتشاف عيوبه وعلله .. ويرى ببصيرة الحقّ والهدى موقع قدميه في الدنيا والآخرة ..

وما أروع هذا الدعاء النبويّ ، الذي يستفتح به المُؤمن يومه : « اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، فَلَكَ الحَمْدُ ، وَلَكَ الشُّكْرُ » . رواه النسائيّ وابن حبّان والطبرانيّ .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين