غايات الحرية الفردية الجنسانية (3)

نحدد هذه الغايات والمقاصد لهذه الدعوة الدخيلة على المجتمع المغربي المسلم فيما يلي:

أولا: تحرير الجنس تحريرا كاملا، بحيث يصير متاحا من غير متابعة قانونية، وإن كان الواقع يشهد غض السلطات الطرف عن الإخلال بالحياء العام، والممارسات في بعض الأماكن، لكن دعاة الجنسانية لم يكفهم هذا، وإنما يناضلون من أجل التخلص من بعض القوانين المجرمة للممارسة الجنسية خارجة إطار الزوجية، والمجرمة للإجهاض، بل الأدهى والأمر، أن يطالبوا حتى بمماسة الشذوذ الجنسي، وعدم تجريم الخيانة الزوجية. 

ثانيا: تفكيك بنية الأسرة المسلمة المبنية أصالة على نظام الزوجية، ومنه تتفرع القرابة والنسب، هذا البناء المتماسك بقوة الشريعة ونظام الفطرية المركوز في الجبلة الإنسانية، يتوخى هؤلاء القضاء عليه، لتحل محله المشاعية الجنسية، بحجة أن العلاقة بين الراشدين لا ينبغي التحجير عليها، وإنما تتم بعلاقة رضائية.

وليس لهذه العلاقة التي سموها زورا وبهتانا سبيلا واحدا سوى الدعوة الصريحة إلى الفساد بشتى أنواعه، من اللواط والزنا، وغيرهما من أوجه الفساد. هذا الفساد (تسونامي الجنس) قد حذر منه الناصحون من بعض عقلاء الغرب، الذين اكتووا بناره، حتى حسبوه أخطر من القنبلة الذرية، وفي ذلك يقول جورج بالوشي هورفت في كتابه (الثورة الجنسية): "والآن، وبعد أن كادت أذهاننا تكف عن الخوف من الخطر الذري، ووجود (سترونيتوم 90) في عظامنا وعظام أطفالنا. لا يفتقر العالم إلى عناصر بشرية تقلق للأهمية المتزايدة التي يكتسبها الجنس في حياتنا اليومية، وتشعر بالخطر إذ ترى موجة العري وغارات الجنس لا تنقطع. ينشغل هؤلاء الناس انشغالا جادا بالقوة الهائلة التي يمكن أن تصل إليها الحاجة الجنسية إذا لم يحدها الخوف من الجحيم، والأمراض السارية، والحمل..وفي رأيهم أن أطنانا من القنابل الجنسية تنفجر كل يوم، ويترتب عليها آثار تدعو إلى القلق، قد لا يجعل أطفالنا وحوشا أخلاقية فحسب، بل قد تشوه مجتمعات بأسرها." (نقلا عن الإسلام والجنس لفتحي يكن 10)

وكتب جيمس رستون في النيويورك تايمز مؤخرا: "إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية؟؟" (نفس المرجع السابق10)

و"في نيسان سنة 1964 أثيرت في السويد ضجة كبرى عندما وجه 140 من الأطباء المرموقين مذكرة إلى الملك والبرلمان يطلبون فيها اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الفوضى الجنسية التي تهدد حقا حيوية الأمة وصحتها، طالب الأطباء بقوانين ضد الانحلال الجنسي." (الإسلام والجنس 14)

بهذا يتبين أن المقصد الأصلي من وراء دعوة الجنسانيين، هو تفكيك وحدة الأسرة، وتفكيك نسبها، وتفكيك قرابتها، ليسهل تفكيك انتمائها إلى الإسلام المتمثل في المبادئ والتشريعات والقيم المنظمة للأسرة. فالجنس في الإسلام ليس مقصودا لذاته، لإشباع الرغبة الشهوانية فقط، وإنما مقصده الأسمى حفظ النوع البشري، وبه يتم مقصد حفظ العمران، وبه أيضا تتحقق غاية الغايات وهي عبودية الله تعالى. فالإسلام لا يكبت الغرائز المودعة في الفطرة الإنسانية، فيشلها عن وظائفها، وإنما يوجهها ويرشدها ويضبطها لتحقق مقاصدها النبيلة وغاياتها السديدة الرشيدة. فهل لدعاة الحرية الجنسية من مقاصد، سوى اتباع الشهوات وقضاء الأوطار بطريقة قد تكون أخس من الحيوان، الذي تعرف جماعة منه نظام الزوجية والتعاون والتآزر، فلا ريب أن دعاة الجنسانية أضل سبيلا.

ثالثا: ترسيخ النظام الاستعماري، الذي لازلنا نعاني من تبعاته واسحواذه على خيرات البلاد، للمزيد من تمكين الهيمنة الأجنبية، وتدليل الصعاب للاختراق الصهيوني، الذي أصبح اليوم مهددا للدولة المغربية بنشاطاته المشبوهة. فعن طريق الجنس تسهل السيطرة والهيمنة، قد يبدو هذا ضربا من الخيال، ولكن الحقيقة أن الاستعمار الغربي والصهيوني وأتباعه ينفذون إلى الشباب عن طريق الجنس، ولهم في ذلك شبكات، شبكات الدعارة المغلفة بأسماء براقة.

ولمعرفة مدى استغلال الجنس للسيطر أنقل هنا ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون: "يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه."

ولهذا لا ينبغي أن نستغرب، في ظل هذا البند البرتوكولي الصهيوني، وغيره مما هو مخفي، من أن تقوم شرذمة من المثليين والملاحدة، لا يمثلون أي شيء في المغرب، من الدعوة إلى جمع عام (24 دجنبر 2016)، لتأسيس جمعية أطلقوا عليها اسم "جمعية أقليات" يحسبون أنفسهم أقلية مضطهدة، في حاجة إلى إطار جمعوي يضمهم، وإطار قانوني يحميهم. 

إذن فدعاة الجنسانية أقروا بذلك أم لا، فإن غايتهم خدمة المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني، واختراق بنية المجتمع المغربي المسلم، وهذا ملحوظ منذ زمن غير يسير تجلى أكثر في ما سموه بـ"الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، والتي أمليت على الوزير السعدي وأتباعه العلمانيين بكرة وأصيلا. 

وصفوة القول مما سبق، أن الدعوة إلى الحرية الفردية الجنسانية مخالفة لشرع الله تعالى، ومخالفة للدستور المغربي، الذي يقر أن الإسلام دين الدولة، ومخالفة لمقتضيات إمارة المؤمنين التي منها حفظ الدين وإقامة الدنيا، ومناهضة للمبادئ الإنسانية الفطرية الراقية، فحق للعلماء والأمة والشرفاء في هذا البلد والعالم أن يتبرؤوا منها، حتى اعتبرها العلامة المغربي والمؤرخ النحرير أحمد الناصري رحمه الله من وضع الزنادقة، قال: "واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا، لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية." (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 8/130 طبعة وزارة الثقافة).

ولهذا وجب على العلماء الأتقياء الذين يشعرون بمسؤولياتهم تجاه أمتهم ودينهم، والمناضلين الشرفاء الغيورين على وطنهم، والأسر المغربية الأصيلة المشهود لها عبر التاريخ بالكرامة والشهامة والعزة والرفعة، أن يتصدوا لهذا الفساد العريض، والداء العضال، والسم القاتل، ألا وهو الحرية الجنسية، فإن بانتشارها أهلك الله أقواما، وأباد آخرين، قال الله عز وجل في قوم لوط: "وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين." 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ." (رواه ابن ماجة والحاكم)

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين