عروة بن الزبير والصبر على قطع رجله

رجال ومواقف

عروة بن الزبير والصبر على قطع رجله


(1)

الأشخاص: عروة بن الزبير – زوجته

عروة بن الزبير: "يسمع صوته وهو يقرأ في حنان قول الله تعالى": {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا* فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء64-65).

"فترة صمت قصير – قرع على الباب"

عروة: مَن، مَن بالباب؟

الزوجة: أنا يا عروة، أتأذن لي في الدخول؟

عروة: كيف لا!؟.. بوركتِ من زوجة صالحة.

          "باب يُفتح ويغلق، أصوات أقدام على الأرض"

الزوجة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كيف أنت اليوم؟

عروة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بخيرٍ من الله تعالى ونعمة وفضل.

الزوجة: كيف هي رِجلك اليوم؟

عروة: ألَمٌ يشتدُّ ويتجدد، لقد كاد هذا الألم الموصول يعطلني عن قراءة نصيبي من كتاب الله هذه الليلة، لكن الله تعالى يسَّر ذلك.

الزوجة: له الحمد على ما أعطى، "صمت قصير" ما الذي عزم عليه الأطباء يا عروة في شأن رجلك؟

عروة: في الغد ألتقي بهم عند الخليفة، إنه ما علمت شديد الحرص عليَّ، عظيم الرعاية لي.

الزوجة: بورك فيك يا عروة، "صمت قصير ثم في صوت حزين" عزيزٌ عليَّ والله ما تلقى يا ابن الزبير، "تبكي" ليتني كنتُ فداءً لك.

عروة: "في صوتٍ مطمئن هادئ" هوّني عليك يا زوجاه، وسلي الله تعالى لي العافية، وسليه أن يرزقني الثواب والاحتساب.

الزوجة: "في صوت ضارع" اللهم إنك تعلم من هو عروة بن الزبير علماً ومعرفة، وزهداً وتقى، وتلاوةً لكتابك العظيم. اللهم متعه بالصحة والعافية، وأجزِل له الثواب والعطاء.

(2)

الخليفة – كبير الأطباء

الخليفة: كيف وجدتم الرجل؟ أما مِن أملٍ في شفاء رِجله؟

كبير الأطباء: حفظ الله أمير المؤمنين، إن الداء استفحل فيها وتعاظم، وما يبدو أن ثمَّة فائدة فيها.

الخليفة: أهذا رأيك وحدك، أم رأي بقية الأطباء كذلك؟

كبير الأطباء: إنه رأينا جميعاً يا أمير المؤمنين.

الخليفة: ويحك يا رجل!.. ابذلوا لعروة كل شيءٍ تقدرون عليه. لن أبخل عليه بشيءٍ قط، أنتم تعلمون مدى حبي له وحرصي عليه.

كبير الأطباء: ما غاب عنا هذا قط يا أمير المؤمنين، ولقد بذلنا غاية جهدنا ولم نتعجل قط فيما كلّفتَنا به من العناية بعروة.

الخليفة: "بعد صمت قصير" وعلامَ عوَّلتم؟

كبير الأطباء: على قطع رِجله يا أمير المؤمنين.

الخليفة: "مُسارِعاً مُقاطِعاً كالمستفظع لهذا" قطع رِجله!.. قطع رِجله!..

كبير الأطباء: إنْ أذِنَ لنا أمير المؤمنين.

الخليفة: "بعد صمت" وهل لأمير المؤمنين حيلة في الأمر!؟ افعلوا ما ترونه، حسبي الله ونعم الوكيل.

(3)

عروة – كبير الأطباء

كبير الأطباء: عزيزٌ عليَّ أن أقطع رجلك يا عروة!.. لكن ليست لي حيلة في الأمر، وهؤلاء الأطباء يشاركونني الرأي.

عروة: مرحباً بأمر الله وقَدَرِه، اعمل ما شئت فها أنا بين أيديكم.

كبير الأطباء: على بركة الله، وباسم الله، فلنبدأ العمل أيها الإخوان، ولنبذل غاية رعايتنا لشيخنا الجليل عروة بن الزبير.

"أصوات أقدام تتلاحق، وأوانٍ تُوضع، وهمهمة رجال"

كبير الأطباء: هذا شرابٌ لك يا شيخي الجليل، يخفف عنك ألم القطع.

عروة: وما هو هذا الشراب؟ أهو..؟

كبير الأطباء: هو ذاك يا ابن الزبير.

عروة: "في صوت حاسم" لا والله، لا أستعينُ على قدَرِ الله بمعصية الله. "صمت قصير"

كبير الأطباء: كما يحب شيخنا الجليل، إذن فإليك هذا المُرَقِّد حتى نجري هذه العملية دون أن تشعر.

عروة: "في صوت هادئ حاسم" لا.. ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد أَلَـمَ ذلك، لأحتسبه عند الله.

كبير الأطباء: ولكن كيف نفعل!؟ إن ألم القطعِ شديد.

عروة: "في هدوئه" إني سأدخل في ذكر الله، فإذا رأيتموني قد استغرقتُ فيه فافعلوا ما شئتم.

(4)

صوت الراوي يصف انشغال عروة بن الزبير بذكر الله حين قطع رجله

الراوي: وطفق عروة بن الزبير يذكر الله عز وجل، حتى إذا استغرق في ذلك، قطعوا اللحم بالسكين المحمّى بالنار، حتى إذا بلغوا العظم نشروه بالمنشار، وهو يهللُ ويكبِّرُ ويضرع، حتى إذا كُوِيَ مكان القطع بالزيت المغلي أغمي عليه.

ولما أفاق عروة بن الزبير من إغماءته رأى رِجله بين أيدي الأطباء فأخذ يقلبها بين يديه وهو يقول: أمَا والذي حملني عليكِ، إنه لَيعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط.

وتمر الأيام، وينطوي عروة في سيرها المستمر، لكنَّ سيرته تظل من بعده نموذجاً للإيمان لدى كرام الرجال، كيف يكون.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين