عروة بن الزبير والصبر على فقد ولده

رجال ومواقف

عروة بن الزبير والصبر على فقد ولده


(1)

عروة – الزوجة

عروة: الحمد لله رب العالمين، اللهم إنك أرحم بنا من الأم والأب. ولئن كنتَ قد أخذتَ فإنك قد أبقيت، ولئن كنتَ قد ابتليتَ فإنك قد عافيت.

الزوجة: بورك فيك يا عروة!.. أمَا والله لقد كان لمُصابك وقعٌ على الناس حتى كأن كُلًّا منهم قد أصيب في خاصة أهله.

عروة: وبورك فيكِ أيتها الزوجة الصالحة!..

الزوجة: كيف تجد نفسك اليوم يا ابن الزبير؟

عروة: أحسن حالاً بفضل الله، وإنْ كانت آلامُ الجراحة ما زالت تسبب لي الآلام.

الزوجة: لا غرابة في ذلك يا عروة!.. فما مضى على الجراحة إلا وقت ضئيل، أيام قلائل ستمضي عليها، وستجد نفسك بارئاً بإذن الله.

عروة: "في صوت عميق" بإذن الله.

الزوجة: وإن حاجة مثلك إلى رجلٍ يسعى عليها أقل من الآخرين، فما أنت تاجرٌ أو عامل، أنت عالمٌ ذو شهرة واسعة، والناس تسعى إليه لتنهل من معينه الغزير.

عروة: صدقتِ والله أيتها المرأة الصالحة، إن هي في الحياة أن أعلم وأن أتعلم.

الزوجة: والحمد لله، فإن في حرص المسلمين على توقير العلم وتعظيمه، واحترام العماء وتقديرهم، والسعي إليهم حيث يكونون ما يخفف من مصيبتك يا ابن الزبير، إذ ستجد نفسك على الدوام محاطاً بمن يطلب علمك، ويقرأ على يديك.

عروة: صدقت، صدقت!.. إن في ذلك لي العزاء أي عزاء.

الزوجة: وها هو ابنك محمد شابٌّ عالمٌ صالح، وستلقى فيه هو الآخر سبباً لا ينقطع للعزاء والسلوى.

عروة: صدقتِ والله، أمَا إن الحكمة لتنثال على لسانك اليوم. إن في ابني محمداً لخيرٌ أي خير، وعوضاً أي عوض. اللهم بارك لي فيه، واجعله قرة عين لي يا أرحم الراحمين.

(2)

الخليفة – عروة – إبراهيم – غلام

الخليفة: والله يا ابن الزبير، لو كان لي سبيل إلى إنقاذ رجلك التي قُطِعت لسارعتُ إليها أيّاً كانت. عزيز عليَّ والله يا عروة أن تقطع رجلك وأنا حيال ذلك عاجز لا أقدر على شيء.

عروة: بارك الله فيك يا أمير المؤمنين، وجزاك خير الجزاء.

الخليفة: وددتُ والله يا عروة أن أفتدي رجلك بالنفيس من الأموال، لكنه قدر الله الغالب.

عروة: مرحباً بِقدَر الله، ولله الحمد على ما ابتلى، وحسبي الله ونعم الوكيل، إن عزاءك لكريمٌ يا أمير المؤمنين، لكن عزاء زوجتي كان عجباً من العجب.

الخليفة: وكيف ذلك يا عروة؟

عروة: قالت لي إن قطع رجلك لن يكون سبباً في القضاء على شواغلك في الحياة من درسٍ وعبادة، وعلمٍ وتعليم.

الخليفة: صدقَتْ والله.

عروة: وذكَّرتْنِي بابني محمد فهو عالمٌ شابٌ صالح، أن سيكون قرة عينٍ لي لا تنقطع.

الخليفة: صدقَتْ.. والله.

عروة: والله يا أمير المؤمنين لكأن الحكمة قد تفجَّرت على لسانها، فإن ابني محمداً نعم العون ونعم العزاء.

إبراهيم: يا عروة!.. والله ما بك حاجة إلى السعي، ولا أرَب في السباق، وقد أبقى الله منك ما نحن أحوجُ إليه، علمك ورأيك وفضلك، وإن الله ولي ثوابك، والضمين بحسابك.

عروة: جزيت خيراً يا إبراهيم، أما إنها لتعزية بليغة.

"صوت جلَبَة مفاجئة وصراخ وحركة أقدام، يدل ذلك على شيء هام. ثم بابٌ يُقرع، ويدخل غلامٌ مسرعاً"

الغلام: "لاهثاً، ثم تمتمة وكلام منقطع" محمد.. رمحه.. فرس له.. فمات.

عروة: ويحك أيها الغلام ما الذي تقول؟

الغلام: عفواً يا أمير المؤمنين!.. عفواً يا مولاي!.. محمد مات، مات في الاصطبل.

الخليفة وعروة وإبراهيم: "في أصوات متداخلة حزينة" لا حول ولا قوة إلا بالله!.. حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون.

"فترة صمت"

عروة: "في صوت خاشع هادئ" حسبي الله ونعم الوكيل، ما الذي جرى يا غلام؟

الغلام: ابنك محمد.. دخل الاصطبل ليأتي بحصانٍ له، فرمحه الحصان فمات. "فترة صمت"

عروة: "في صوت هادئ" اللهم إنك تعلم أن ابني محمداً كان قرة عين لي، وكان لي نعم الذخر بعد مصيبتي في رجلي، اللهم إني أحتسبه عندك، اللهم إني أحتسبه عندك، اللهم إني أحتسبه عندك. اللهم اغفر له مغفرة واسعة ولا تحرمني ثوابه يا كريم.

"فترة صمت"

عروة: "في صوته الهادئ الحزين المطمئن" لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً.

(3)

الراوي يحكي ما حل بعروة من مصائب

الراوي: وهكذا اجتمعت على الشيخ مصيبتان في وقت واحد، فثبت واحتسب، وصبر واسترجع، وكان أثبت من الجبال الراسيات على فداحة الخطب، وجسامة المُصاب.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين