عبد الله بن المبارك المحدث المتصدق

(1)

عبد الله بن المبارك – وكيله

عبد الله: "منصرفاً من الصلاة" السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.

"صمت ثم دعاء" اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومِن الخير ما ترضى. اللهم إنك تعلم أننا خرجنا من بلدنا "مرو" قاصدين الحج إلى بيتك الحرام. اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص، وتقبل منا يا كريم.

الوكيل: آمين.. آمين. بارك الله فيك، وتقبَّل منك.

عبد الله: ومنك، ومن جميع المسلمين. "صمت" ترى كم يوماً نحتاج إليه حتى نقطع هذه المسافة الباقية من مناخنا هنا، وبين مكة المكرمة؟

الوكيل: إن يسر الله تعالى نصل بعد أسبوع.

عبد الله: ليتنا نستطيع الوصول في وقت أقل من ذلك. "صمت" أسبوع من الزمن؟ يبدو ذلك طويلاً.

الوكيل: والله إن أمرك عجيبٌ يا ابن المبارك!.. لقد أكثرتَ السؤال في رحلتنا هذه، كأنك لم تحج من قبل.

عبد الله: صدقت.. صدقت، لكن شوقاً عنيفاً يستولي عليَّ، فما يكاد يهدأ.. وددتُ لو أنَّ لي جناحاً أطير به، فأصل مكة المكرمة في أقصر وقت.

الوكيل: يا عبد الله بن المبارك، قريباً نصل بإذن الله، قريباً نصل بإذن الله.

عبد الله: بإذن الله.. "صمت" هل أعدَّ القومُ طعام العشاء؟

الوكيل: أمرتهم بذلك. ربما أتَمُّوا ذلك الآن.

عبد الله: ترى ماذا أعدوا؟

الوكيل: كما يُعِدُّونَ كل يوم.

عبد الله: أثمة شيء فُقِدَ في مسيرنا الأخير؟

الوكيل: اللهم لا.. إلا طائراً مات فألقيناه على تلك المزبلة التي تبدو هناك على جانب الطريق.

عبد الله: إذاً.. فأشرف على عشاء الركب وراحته، حتى إذا أخذ نصيبه من ذلك، عدنا إلى استئناف سفرنا هذه.

الوكيل: كما يحب شيخنا ويرغب.

عبد الله: على بركة الله.

الوكيل: على بركة الله.

(2)

عبد الله – الوكيل

عبد الله: انظر هناك.. أما ترى شبحاً يقف على المزبلة؟

الوكيل: أين، أين؟

عبد الله: هناك في مواجهة الطريق، إلى يسار المزبلة.

الوكيل: "بعد صمت" الأمر كذلك يا ابن المبارك. كأن هذا الذي يقف على المزبلة يبحث عن شيء.

عبد الله: "كالمندهش" يبحث عن شيء، وماذا عساه يجد فيها؟

الوكيل: الله أعلم بمراده، لكن هيئته تدل على ذلك.

عبد الله: سأذهب لأرى الأمر بنفسي.

الوكيل: وسأذهب معك.

عبد الله: بل لأذهبنَّ وحدي.

الوكيل: أخشى عليك من هذا المستخفي بالظلام.

عبد الله: لا تخشَ شيئاً، إني ذاهب. "وقع أقدام خفيفة على الرمل"

(3)

عبد الله – بنت

عبد الله: "وقع أقدام عبد الله على الرمل، ثم في صوتٍ هادئ" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

البنت: "مضطربة خائفة بصوت متلعثم" ها، مَن، ماذا.. أ.. أ.. أ.. وعليكم الـ.. سلا.. م.

عبد الله: سبحان الله، بنتٌ وحدها في هذا الظلام.

البنت: "خائفة متلعثمة" بالله.. عليك.. لا تؤذني.

عبد الله: "في صوت هادئ جداً" لا تخافي يا بنتاه، لا تخافي فلن يصل إليكِ مني أي مكروه. "صمت" ولكن ما الذي تفعلينه هنا؟

البنت: "في صوت أقل خوفاً واضطراباً" لا شيء يا عمّاه، لا شيء.

عبد الله: لا تخافي يا ابنتي، واصدقيني، فربما كنتُ عوناً لكِ فيما تحبين.

البنت: "في صوت هادئ" بارك الله فيك. كنتُ أبحث عن طعام.

عبد الله: "مستغرباً" عن طعام؟

البنت: هو ذاك. وقد وجدتُ هذا الطائر، وإنه لَنِعم الطعام.

عبد الله: "مستغرباً" ولكنه طائرٌ ميتٌ يا ابنتي، ولا يجوز أن يؤكل.

البنت: "في صوت كسير تخالطه الدموع" إن الميتة قد حلَّت لنا.

عبد الله: "في صوت حزين" لا حول ولا قوة إلا بالله!.. وكيف ذلك يا ابنتي!؟

البنت: "في صوت حزين" أنا وأخي نسكن في هذا المنزل من منازل الطريق إلى الحج، وليس لنا شيء سوى إزار.. وليس لنا طعام إلا ما يُلقى على هذه.. "بكاء" المزبلة.

عبد الله: "في صوت حزين" لا حول ولا قوة إلا بالله!..

البنت: "في صوتها الباكي" وقد حلّت لنا الميتة يا عمّاه منذ أيام، وكان أبونا له مال فظُلِم وأُخِذ ماله.. "بكاء" وقُتِل.

عبد الله: "يبكي" إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تعالَيْ معي يا ابنتي إلى القافلة، تعالَيْ. "صوت أقدامهما"

(4)

عبد الله – الوكيل – البنت

الوكيل: أمَا إن قصة هذه البنت لَمُحزنة!.. كم أدفع لها يا مولاي؟

عبد الله: كم بقي معك من النفقة التي خرجنا بها من مَرْو؟

الوكيل: ألف دينار.

عبد الله: كم ديناراً نحتاج في رجوعنا من هنا إلى مَرْو؟

الوكيل: عشرين ديناراً.

عبد الله: احتفظ بعشرين ديناراً فحسب!.. وادفع الباقي لهذه البنت.

الوكيل: "مستغرباً" والحج يا مولاي؟ الحج الذي أنت مشوق إليه؟

عبد الله: "في صوت هادئ" يا بني هذا أفضل من حجنا هذا العام.

البنت: بارك الله فيك أيها الرجل الصالح، وجزاك خير الجزاء.

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين