عائشة أم المؤمنين خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي

الشيخ : يوسف القرضاوي

الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.
وأشهد أنَّ سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلِّمنا محمدًا عبد الله ورسوله، أدَّى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، وعلى الطريقة الواضحة الغراء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم ذي الخلق العظيم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.
الكوارث والمصائب التي تعاني منها الأمة:
أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون:
برغم مما تعانيه الأمة الإسلامية من كوارث ومصائب، على كل مستوى: على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الاجتماعي، والثقافي والديني والعسكري، على رغم كل ما تعانيه الأمة، حيث نرى قضية فلسطين ما تزال كما كانت منذ سنين إن لم تتأخر في بعض النواحي، لا تزال القدس مهددة، لا يزال المسجد الأقصى مهددًا بالتعديات من فوقه ومن تحته، ولا ندري ماذا يبيِّت اليهود الأشرار والصهاينة الفجَّار لهذا المسجد، لا زالت غزة تحاصر وتجوّع، ولا زالت الخرائب، ولا يصل إلى غزة شيء ممَّا يسمى إعادة إعمار غزة، لا زالت ديار المسلمين مجالاً لسفك الدماء واستباحة الحرمات في كل ناحية من النواحي، الحرائق والتفجيرات والدماء المسفوكة في العراق وفي أفغانستان وفي الصومال وفي اليمن وفي بلاد شتى، الكوارث الطبيعية في باكستان التي شرد أكثر من عشرون مليونا من أهلها، فقدوا كل شيء، فقدوا البيت وفقدوا المزرعة وفقدوا الحبوب وفقدوا الأثاث والمدَّخرات وعاشوا في العراء.
موقف طائفة من السفهاء في الاحتفال بوفاة السيدة عائشة:
الأمة الإسلامية في كل مكان نراها على هذا الحال، ومع هذا نرى فيمن ينتسبون إلى الإسلام في هذه الأمة جماعة من السفهاء ممن لا خلاق، لهم ليس لهم دين ولا خلق ولا عقل ولا ذوق، هؤلاء نراهم يحتفلون في بلاد الغرب - في لندن - بهلاك أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، يحتفلون بذلك أمام الغربيين، ويتَّهمون أم المؤمنين بالكفر والفجور والفاحشة وقلة الأدب، وكل ما تتهم به النساء الفاجرات يتهمون به أم المؤمنين رضي الله عنها، ويزعم هؤلاء أنهم من المسلمين، ويقولون: إن عائشة في قعر جهنم، أسمعتم بهذه المأساة أو هذه المهزلة؟
سب أصحاب رسول الله وأمهات المؤمنين:
الأمة في هذه الدواهي الدهياء والمصائب الكبر، وهؤلاء يفعلون هذا الأمر، ماذا يفيد هذا؟ ماذا يستفيد هؤلاء الناس في سبِّ أصحاب رسول الله وأمهات المؤمنين؟ ماذا يفيدهم أن يعلنوا على الملأ: اللهم العن أبا بكر وابنته عائشة! اللهم العن عمر وابنته حفصة! اللهم العن عثمان! اللهم العن طلحة! اللهم العن الزبير! ماذا يفيدهم هذا اللعن والسب؟ لو كانوا مسلمين حقا لامتنعوا عن هذا الهراء وهذا السباب.
نهي الإسلام عن السِّباب والفحش:
فالمسلم ليس سبابا ولا لعانا، النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته، والقرآن علم أمته النهي عن السباب، حتى إن القرآن نهى المسلمين أن يسبوا الأصنام،  قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] لا تسب الصنم كي لا يرد عليك عابد الصنم فيسب الله، فلهذا لا ينبغي للمسلم أن يسب حتى ولو الأصنام، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه عدة أحاديث ورد فيها: لا تسبوا كذا، لا تسبوا كذا، حتى الظواهر، حتى الأشياء، "لا تسب الريح فإنها مأمورة" "لا تسبوا الحمَّى فإنها كفارة بني آدم" "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" "لا تسب الدهر فإن الله هو الدهر"، حتى الشيطان نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره" فأهم من أنك تسب الشيطان تعوذ بالله من شره، لا تتعوذ بسبه.
لا تلعن الظلام بل أوقد شمعة:
الغربيون عندهم حكمة تقول: (بدل أن تسب الظلام أضئ شمعة) لا تلعن الظلام بل أوقد شمعة، فبدلا أن تسب الشيطان قل بسم الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فعثر حمار كان يركبه أحد أصحابه فقال: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقل تعس الشيطان، ولكن قل باسم الله، فإنك إذا قلت تعس الشيطان انتفخ حتى يصبح كالجبل، ولكن إذا قلت باسم الله صغر وذاب حتى يصبح كالذباب" فباسم الله عمل إيجابي، وتعس الشيطان ولعن الشيطان عمل سلبي.
خطورة لعن أفضل أجيال الإنسانية:
ولو أن الإنسان عاش عمره – كما قال الإمام الغزالي – لم يلعن أبا جهل ولا أبا لهب ولا فرعون ولا إبليس لم يسأله أحد، ولكن لو لعن إنسانا بغير حق فإن هذه مسؤولية كبيرة، لا يجوز أن تلعن إنسانا، ولا أن تعوِّد لسانك اللعن، ولكن هؤلاء الناس يعيشون على لعن أفضل الأجيال، أفضل أجيال الإنسانية في طوال تاريخها هو الجيل الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم، جيل الصحابة وجيل أمهات المؤمنين، لم تكتحل عين الدنيا برؤية جيل مثل هذا الجيل الذي تتلمذ في المدرسة المحمديَّة، الجيل الذي تشرَّب من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثناء الله على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هؤلاء الذين أثنى الله عليهم في كتابه فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] وفي نفس السورة: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18] وفي سورة التوبة يقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] الله يقول: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} وهم يقولون: لعنهم الله، حتى رضي الله عمَّن اتبعهم بإحسان. لم يرضَ عنهم وحدهم، بل رضي عمَّن تتلمذ عليهم واتَّبعهم بإحسان.
الله تعالى يقول في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحضر:9،8]
أثنى الله على المهاجرين وأثنى على الأنصار الذين آووهم ونصروهم كما قال في سورة الأنفال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:74] هؤلاء هم المؤمنون حقا.
موقف المؤمنين اللاحقين ممَّن سبقهم بالإيمان:
ثم قال في سورة الحشر بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا}، ولكن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أُمروا بأن يستغفروا لهم فلعنوهم وسبوهم، قلوبهم مليئة بالغل، التابعون لهم بإحسان يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا}.
قلوبهم مليئة بالحقد الأسود:
وهؤلاء قلوبهم مليئة بالغل والحقد الأسود، يسبُّون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تسبوا أصحابي ... ولا نصيفة" لو تعطي مثل جبل أحد لا تبلغ مثل ما أنفقه هو مد واحد ملئ الكف، فهؤلاء الحمقى والسفهاء الذين يسبُّون أصحاب رسول الله، ويسبُّون أمهات المؤمنين، والله تعالى يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] فهم يتبغَّضون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعن أمهات المؤمنين، فلو كانوا مؤمنين لعلموا أن هؤلاء أمهاتهم، ولشعروا أنَّ الإنسان لا يسبُّ أمه إلا إذا كان فاجرًا سفيهًا قليل الأدب، لكنهم يسبون أمهات المؤمنين وما هم بمؤمنين.
ثناء الله تعالى على نساء النبي:
 والله تعالى يقول عن نساء النبي: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
كان عكرمة المفسر التابعي المشهور تلميذ ابن عباس يمرُّ في السوق ويقول: من شاء باهلته {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33] إنما هي في أمهات المؤمنين في نساء النبي، فهو مستعد أن يباهل.
سياق آيات سورة الأحزاب تدلّ على أنها في أمهات المؤمنين:
ومن قرأ الآيات تبين له هذا بكل جلاء ووضوح، فالآيات في سورة الأحزاب تخاطب نساء النبي {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا *وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33،32] فألحق النبي بهم عليا وفاطمة والحسن والحسين، ألحقوا إلحاقا، إنما الأساس أن هذه الآيات أنزلت في نساء النبي.
أهل البيت هم الزوجات:
وأَوْلَى من يُطلق على أهل الشخص هم امرأته ونساؤه، ويقول الله تعالى عن سيدنا موسى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص:29] أي: بامرأته، وقال الله تعالى لسارة امرأة إبراهيم حينما بشَّرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73] هذا خطاب لسارة زوج إبراهيم، وهو نفس الخطاب لنساء النبي.
أول من يدخل في أهل البيت عائشة:
وأول من يدخل في هذا السياق هو عائشة رضي الله عنها لما لها من منزلة عند رسول الله، حتى إنَّ هذه الآيات (آيات التخيير) حينما طلب نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيد في نفقتهنَّ، وقد أصبح سيد الجزيرة، نزلت عليه هذه الآيات تُخيِّرهن بين المعيشة التي عاشوها مع رسول الله أو يُسرحهنَّ ويذهبن لحال سبيلهن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:29،28]، وأول من عرض عليه من نسائه هذا التخيير كانت عائشة رضي الله عنها، فيأتي هؤلاء السفهاء فيقولون عن عائشة ما يقولون.
من فضائل عائشة رضي الله عنها:
كنت والله عازفا عن أن أتكلم؛ لأني أستحيي أن أقول هذا الكلام، عائشة أم المؤمنين أحب الناس إلى رسول الله، هي التي لم يتزوج بكرا غيرها، وأعلم نساء الصحابة ونساء أمهات المؤمنين بل نساء الأمة على ما قاله عطاء والزهري وغيرهم، فأعلم نساء الأمة عائشة رضي الله عنها، ولم يأته عليه الصلاة والسلام جبريل بالوحي وهو في لحاف امرأة إلا عندما يكون عند عائشة، والتي نزلت آيات القرآن الكريم لبراءتها من فوق سبع سماوات، وكان مسروق بن الأجدع من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ومن فقهاء الكوفة إذا حدَّث عن عائشة رضي الله عنها يقول: (حدَّثتني الصدِّيقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله، المبرَّأة من فوق سبع سماوات) ويروي الحديث بعد ذلك.
الموقف المطلوب من السفهاء:
هذه أم المؤمنين عند الأمة وعند علماء الأمة وعند عقلاء الأمة، فيأتي هؤلاء السفهاء يضطرون إلى الردِّ عليهم، وكان الأولى من ذلك أن نقول كما قال الله تبارك تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63] أو كما قال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55].
المطالبة بإصدار بيان من الاتحاد العالمي في إدانة هؤلاء السفهاء:
ولكن بعض الإخوة أبوا إلا أن نتكلم في هذا الأمر، وهناك إخوة في بعض الفضائيات يعيبون على الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه لم يصدر بيانا في هذا الأمر، وأنا أقول: إنَّ هذا الشخص المعتوه السفيه أقل وأذل، وإن مقام عائشة رضي الله عنها أعز وأجل من أن نصدر بيانًا باسم الاتحاد العالمي لنردَّ على هذا الشخص المعتوه السفيه الذي لا عقل له ولا دين له ولا خلق له.
عائشة رضي الله عنها في القمة:
إنَّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في القمة، فمن قرأ سيرتها عند المحدثين وعند المؤرخين وعند الكاتبين في الزهد والورع والكاتبين في المناقب بصفة عامة، الكاتبين عن النبلاء والفضلاء في الأمة يجد عائشة في القمة، ترجمتها ضافية، عشرات الصفحات كلها أمجاد وكلها مناقب.
نزول آيات سورة النور في الدفاع عنها:
يكفي أن القرآن الكريم أنزل هذه الآيات في سورة النور يدافع عنها ويبرأ ساحتها، بعد أن أفك الأفاكون وتقول المتقولون من المنافقين عليها وعلى عرضها، أنزل سبحانه تعالى في ذلك قرآنا يتلى، هي قالت: كنت أظن أن الله تعالى لن يتخلى عني، ولكن ما كنت أظن أن ينزل في قرآنا، كنت أظن أنه سيوحي إلى رسول الله في المنام برؤية بشيء يؤكد له أني بريئة، أما أن ينزل في قرآنا يتلى، ما كنت أظن هذا، ولكنها تستحق: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11] الذي تولَّى كِبْر هذا الأمر وقام بالعبء الأكبر فيه هو رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سالون، الذي طالما كاد للمسلمين، بذر بذور الفتنة، وأصبح الناس يتحدثون في هذا الأمر، فنزلت هذه الآيات: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور:12] إلى آخر هذه الآيات {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:19].
الله سبحانه وتعالى تولى بنفسه الدفاع عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ورضي عن أبيها، وصلَّى على رسولها وزوجها عليه الصلاة والسلام.
عائشة أحب الناس إلى رسول الله:
وكانت عائشة أحب الناس إلى رسول الله، حينما أسلم عمرو بن العاص في السنة الثامنة من الهجرة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: "عائشة"، قال: ومن الرجال؟ قال: "أبوها"، هكذا منزلة عائشة ومنزلة أبيها.
جمالها وذكاؤها وقوة حفظها:
تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم وأحبها، لم يحبها لجمالها فقط، هي كانت جميلة فعلا، امرأة وضيئة، "يا حميراء" ممَّا يدل على أن لونها أبيض مشرب بحمرة، فهي امرأة جميلة ولكن لم يكن حبه لجمالها، إنها كانت امرأة في غاية الذكاء وقوة الشخصية وحضور البديهة وقوة الحفظ، كانت تحفظ القصيدة، تروي القصيدة ستين بيتا، وقالت: (إني أحفظ من شعر لبيب بن ربيعة ألف بيت)، تحفظ المعلَّقات وأشعار الجاهلية، حدَّثت النبيَّ صلى الله عليه وسلم بقصة يحكيها نساء العرب، حديث معروف عند علماء الحديث بحديث أم زرع، حدثته اثنتا عشرة امرأة، كل واحدة تصف زوجها بأوصاف لغوية أدبية قوية، حفظتها كلها، وذكرتها للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف استوعبت هذا كله؟ وذكرت أبا زرع ومواقفه من أم زرع، حيث كان أبو زرع غاية في الألفة والمودة لزوجته، ولكن انتهت بطلاقها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك" فقالت: بل أنت خير من أبي زرع يا رسول الله.
روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كانت امرأة في غاية الذكاء وفي غاية الحفظ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي حيث (ألفين ومائتين وعشرة حديث)، كانت الحافظ الثاني من السبعة الذين حفظوا أكثر من ألف حديث من الصحابة. فأكثر صحابيٍّ روى عن رسول الله هو أبو هريرة، وثاني واحد بعد أبي هريرة عائشة رضي الله عنها.
حفظها الحديث واستدراكها على بعض الصحابة:
في التسع سنوات التي عاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم حفظت فيها ما لم يحفظه غيرها، وليس مجرَّد حفظ، حفظ مع فقه وعلم، كانت تناقش الرسول، وكانت تناقش الصحابة بعد رسول الله، واستدركت على كثيرٍ منهم في بعض الأحاديث حتى أُلِّفت كتب في ذلك، مثل: (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) تناقش ابن عمر وعمر نفسه وأبا موسى الأشعري وأبا هريرة وغيرهم فيما روه عن رسول الله، حينما يتعارض حديث مع ظاهر القرآن تتوقف في هذا وتجادل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقهها وفتواها:
كانت عالمة وكانت فقيهة، اعتبرها ابن حزم من المكثرات للفتوى من أصحاب النبي وأمهات المؤمنين، كانت تفتي كما قال بعض التابعين: رأيت الأكابر من أصحاب النبي من مشخية الصحابة يذهبون إلى عائشة يسألونها عن أحاديث رسول الله ويقولون: ما سألنا عائشة عن شيء إلا وجدنا عندها منه علما.
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها بنت تسع:
امرأة عالمة تزوجها النبي صغيرة، وهذا يتخذه بعض الناس سبيلا للطعن في رسول الله، مما جعل بعضهم مثل الأستاذ محمود عباس العقاد الذي ألف كتابًا عن عائشة اسمه: (الصديقة بنت الصديق) ينفي فيه أن الرسول تزوجها بنت تسع سنوات، ويأتي بشبهات معينة، ويقول: تزوجها وعمرها أربعة عشر سنة أو نحو ذلك.
تأييد الروايات الصحيحة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها:
ولكن الروايات الصحيحة كلها تقول أنه تزوجها وهي بنت تسع سنوات، ومن يقرأ سيرتها يعرف ذلك، حينما أرادت أسرتها أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر للرسول: ألا تدخل بأهلك، فقال: حتى أحضر الصداق، فليس له مهر، فبعث له أبو بكر المهر هدية، وأم رومان وهي أم عائشة أرادت أن تزفها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: جاءتني وأنا ألعب على أرجوحة، ممَّا يدل على أنها صبية صغيرة وليست كبيرة.
وجاءت ببعض النسوة من الأنصار يزينّها لرسول الله، وحينما كانت في بيت النبي كان يدخل عليها بنات يلعبن معها، فحينما يدخل النبي ينقمعن ويختبئن من رسول الله، فكان رسول الله يلاطفهنَّ ويسربهن إلى عائشة ليلعبن معها، ممَّا يدل على أنها صغيرة السن، وحينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريها لعب الحبشة ورقصهم بالحراب في مسجد رسول الله في أحد الأعيان، قالت: فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
هكذا كانت عائشة رضي الله عنها، وحينما مات رسول الله كان عمرها ثمانية عشر عاما، وهي ماتت سنة 57 هـ وعمرها ثلاثة وستين سنة وعدة أشهر، فكل الأحداث تدل على أنها لم تكن كبيرة.
 ولكن من المعروف أن بعض البنات يكن جسمهن ناميًا أكبر من سنهنَّ، فيبدو أنها كانت من هذا النوع.
من الخطأ تقويم التاريخ وأحداثه في غير عصره:
ثم إن من الخطأ في تقويم التاريخ وأحداث التاريخ أن تنقل الحادثة من عصر إلى عصر، تحاكم الناس من أربعة عشر قرنا إلى عصرنا، الناس في ذلك الوقت كانوا يستحسنون زواج البنات الصغار، والآباء يرضون بذلك والأمهات يرضون بذلك والبنات يرضون بذلك، ولا يكن هناك اعتراض من أحد.
ومن المعروف أنها كانت مخطوبة قبل النبي لابن مطعم بن عدي النوفلي، كان خطبها لابنه المطعم، ولم يتزوجها النبي حتى تحلل من وعد وعده للمطعم، ونحن إلى اليوم نرى بعض البيئات الريفية والبدوية تفعل ذلك، فلا ينبغي أن نحكّم منطق عصرنا في منطق عصر مضى من أربعة عشرة قرنا أو تزيد.
رضا عائشة وغضبها:
كانت أم المؤمنين عائشة من خيرة النساء لرسول الله، كان رسول الله يقول لها: "إني لأعرف رضاك من غضبك" قالت: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: "إذا رضيت قلت: وربّ محمد لأفعلنَّ كذا وكذا، وإذا غضبت قلت: ورب إبراهيم لأفعلن كذا وكذا" قالت له: نعم يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك، إنما حبك في قلبي.
ملاطفته صلى الله عليه وسلم لعائشة:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلاطفها ويتزاحما عند الدخول من الباب أو الخروج منه. وسابقته مرة أول ما تزوجت، وكانت خفيفة الجسم فسبقت النبي، وبعد سنين سمتن وأصبحت ثقيلة مع أن النبي كان فوق الخمسين في ذلك الوقت، سابقت النبي فسبقها رسول الله فقال: "هذه بتلك" كما يقول أهل الكرة: تعادل.
وفاته صلى الله عليه وسلم في بيتها:
هكذا كان معها عليه الصلاة والسلام، والنبي حينما مرض مَرَضَ موته كان حسب العادة ينقلوه بين نسائه، كل يوم عند امرأة، فكان يتعب من ذلك فيسألهن: أين أنا غدا، فيقولون له: عند زينب، أين أنا غدا، فيقولون له: عند أم سلمة .. فعرفن أنه يسأل عن يوم عائشة، وأنَّ من الأفضل له أن يبقى في بيت واحد لا يتنقل من بيت إلى بيت، فتنازلن جميعًا ليمرض في بيت عائشة رضي الله عنها، فقالت: وقد مات بين سَحري ونَحري، ودُفن في بيتي. فقبر النبي عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة، في حجرتها التي كان يعيش فيها معها.
زيارة ابن عباس لعائشة في مرض وفاتها:
هكذا كانت رضي الله عنها وأرضاها، وحينما أشرفت على الموت كان ممن زاروها ابن عباس، فقال لها كلاما طيبا: أنت كنت أحبَّ الناس إلى رسول الله، وهو لا يحب إلا طيبا، وأنت أنزل الله فيك قرآنا، وأنت أنزل الله من أجلك رخصة التيمم، وأنت كذا وكذا، فقالت له: دعني عنك يا ابن عباس، والله وددت لو كنت منسيا منسيا.
صومها الدهر:
من خوفها من الله عز وجل، مع أنها كانت تصوم الدهر، ما عدا صوم العيدين والحيض وغيرها، تصوم الدهر كله، هكذا كانت.
سخاؤها:
وكانت من أسخى الناس، تأتيها العطايا من عمر ومن معاوية ومن عبد الله بن الزبير حينما ولي إمارة المؤمنين، حيث بعث لها زرارتين فيها حوالي مائة ألف درهم، فوزعتها كلها، وليس في بيتها شيئا، فقالت لها خادمتها حينما طالبتها بإعداد الفطور وهي صائمة: يا أم المؤمنين، لو كنت أبقيت لنا درهما نشتري به لحما تفطرين عليه، فقالت لها: لا تعنفيني، لو ذكرتني لفعلت، هكذا كانت من أسخى الناس، الدنيا عندها لا قيمة لها.
اجتهادها في المشاركة في موقعة الجمل:
لكن الغلطة الوحيدة التي غلطتها في حياتها أنها دخلت الفتنة، وقادت معركة الجمل، وقد ندمت عليها ندامة كلية كما قال الإمام الذهبي، وكان من اجتهاد منها، لأنها رأت أن تثأر لعثمان من قَتَلته، وظنَّت أن عليا رضي الله عنه تهاون في ذلك، وعليٌّ رضي الله عنه ما تهاون، ولكن الأمر لم يَسْتَتبَّ له تماما حتى يستطيع أن يقتصَّ من هؤلاء الناس، وهؤلاء قوة ومعهم سلاح وهم الذين حاصروا المدينة وقتلوا عثمان، فليس من السهل أن تقتصَّ منهم، وإلا تحدث فتنة لا يمكن إطفاء نارها، ولكن للأسف بعض الصحابة: سيدنا طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة رضي الله عنها قاموا بهذا الأمر ليطلبوا بالثأر من قتلة عثمان، وكانت معركة الجمل، وحينما لقي سيدنا علي طلحة والزبير أقنعهم بأن هذا خطر، وذكَّرهم ببعض الأحاديث فتركوا القتال.
دور ابن سبأ في الفتنة:
وكان كلما سعى الساعون مثل القعقاع بن عمرو التميمي وغيره لإيقاف هذه الفتنة وإطفاء هذه النار المشتعلة، يجدون هناك من يرمي بسهامه على المعسكر الآخر فيرد عليهم الآخرون، وكان هذا من عمل عبد الله بن سبأ وشيعته اليهودية الذين لا يريدون للمسلمين أن يلتئمن شملهم، كانت هذه هي الفتنة التي استعاذت منها عائشة رضي الله عنها وندمت عليها ندامة، حتى قالت لبعض أقاربها: إذا فات بن عمر أرونيه، فلما مر ابن عمر قالت له: يا أبا عبد الرحمن، لماذا لم تنهاني عن مسيري حينما سرت إلى البصرة؟ قال: رأيتك قد غلب عليك أحد الرجال، وهو ابن أختها عبد الله بن الزبير الذي كان مؤثرا عليها.
هذه هي قصتها في الفتنة، ولكنها كانت عن اجتهاد منها، فنحن لا نشك في نوايا أصحاب رسول الله وخصوصًا الذين توفي رسول الله عنهم وهو عنهم راض، مثل الستة أصحاب الشورى، والعشرة المبشرون بالجنة، والسابقون الأولون من المهاجرون والأنصار، وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان وأهل بدر الذين قال فيهم رسول الله لعمر: "يا عمر ما يدريك لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ماشئتم فإني قد غفرت لكم"، وهؤلاء كلهم من السابقين الأوَّلين ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد وممَّن شهدوا المشاهد كلها مع رسول الله، فسوابقهم تشفع لهم، وهم مرضيون عند الله {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100].
هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي أم المؤمنين رضي الله عنها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبَّلهم في الصَّالحين، وأن يجعلنا ممن يسيرون في ركابهم، ويحشرون في زمرتهم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبية الثانية:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطَّوْل لا إله إلا هو إليه المصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما الأرض، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا ومولانا ورسولنا وحبيبنا محمد عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولائك هم المفلحون.
ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهده جهاده إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمين:
موقف المستشارة الألمانية ميركل في تكريم الرسام الدانمركي:
في هذا الوقت الذي يصيبنا فيه من أذى من داخل الدائرة الإسلامية، لا نعجب أن يصيبنا أذى من خارج الدائرة الإسلامية، مما ينبغي أن أذكره هنا وأذكره متأسفا غاية التأسف، أنَّ المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل كرمت الرسام الدانمركي، الذي سنَّ سنة سيئة في اتِّخاذ  شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم - أعظم شخصية في الوجود - مجالاً للسخرية الكاريكاتورية، هذه الرسوم التي أثارت العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وأغضبت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقامت المسيرات في أنحاء العالم احتجاجًا على هذا الرسام الذي أساء وأسفّ وكذب وافترى، هذه الإساءة لم تكن مجرَّد إساءة وإسفاف، بل كانت افتراء على رسول الله الرحمة المهداة للعالمين، صاحب الخلق العظيم، هذا الرسام تكرمه السيدة ميركل بإعطائه وسام أو جائزة تكريم خاص، لأنه يمثل حرية التعبير، ولا أدري ما الذي يدعوها لهذا في هذا الوقت؟ وقد مر على المسألة سنين، وتعرف هي ماذا جرّ هذا الأمر على المسلمين في كل مكان، فتأتي بعد هذه السنين وتكرم هذا الرسام وهو ليس ألمانيًا.
الاستهانة بأمة الإسلام ومقدساتها:
هذا في الحقيقة استهانة بأمة الإسلام ومقدسات الإسلام، وقُدُس الأقداس عند المسلمين هو محمد رسول الله وكتاب الله، الذي يسيء إلى رسول الله وإلى كتاب الله هو يسيء إلى أقدس الأقداس عند المسلمين، فكيف تفعل هذه المرأة هذا؟ التي تذهب إلى بلاد العرب والمسلمين وتستقبل استقبال الأبطال، ولم نجد دولة من الدول استنكرت هذا الأمر وأرسلت حتى إلى سفيرها تحتج على هذا، أو أرسلت برقية، وكأنَّ الأمر لا يعني هذه الأمة، كأنَّ محمدا رسول الله - بأمي هو وأمي - الذي لولاه ما اهتدينا بعد ضلالة ولا تعلَّمنا بعد جهالة ولا عززنا بعد ذ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين



التعليقات