صفحة مطوية من كفاح الشعب

 

نعود للوراء قليلا للنصف الأول من القرن العشرين لنستعرض صفحة مطوية من تاريخ كفاح شعب مصر نحو الحرية .

في هذه الفترة مارس الشعب المصري ما تتحدث عنه دراسات الكفاح اللاعنفي مثل : (تحدي القوانين - العزل السياسي والمجتمعي للمتعاونين مع المحتل - المقاطعة الاقتصادية - المظاهرات - قطع خطوط السكك الحديدية - الإضراب عن العمل - إعلان العصيان ....).

ومن تفاصيل هذا الكفاح ننقل بعضاً مما ورد في كتاب (50 عاماً على ثورة 1919) مركز الوثائق والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة التابع لمؤسسة الأهرام .

[ انطلقت الثورة يوم ? مارس يوم اعتقال سعد زغلول بدأت بإضراب الطلبة وخروجهم في المظاهرات وإطلاق النار عليهم من قوات الاحتلال ، ثم امتد الإضراب في الأيام التالية إلى إضراب سائقي الترام وسيارات الأجرة وتعطلت المواصلات في أنحاء العاصمة ، وأضرب التجار وأقفلت المحلات أبوابها ، وأضرب المحامون عن مزاولة أعمالهم بناءً على قرار مجلس نقابتهم 

، وأضرب عمال العنابر بالسكك الحديدية وعددهم أربعة آلاف ، وقد عمد البعض لإتلاف بعض مفاتيح قضبان السكة الحديدية وقطع بعض الخطوط ، وأضرب عمال شركة النور فباتت العاصمة في ظلام حالك وخرجت بعض المظاهرات ليلا تتقدمها المشاعل .

وكالمعتاد كان الأزهر بطلابه وعلمائه في طليعة الثورة حتى لجأت السلطة لتوجيه إنذار لشيخ الأزهر بإغلاقه ، أو فتحه وقت الصلوات فقط ، ولكنه رفض الإنذار ورفض تطبيقه .

وامتد الكفاح من العاصمة إلى المدن الكبرى ومنها إلى عمق الريف .

وكان أكثر أعمال الكفاح إثارة تصرف مدينة "زفتى" التي أعلنت الاستقلال وأنزلت العلم المرفوع على المركز الحكومي للمدينة وصمموا علماً آخر ووضعوه مكانه ، وشكلوا لجنة وطنية لإدارة شئون المدينة وحفظ الأمن بها.

وقد قابل الإنجليز هذا الكفاح بكل همجية ووحشية حيث أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين ، وكانت فظاعاتهم في الريف أشد جرمًا ؛

فعلى سبيل المثال أضرموا النيران في منازل "البدرشين" "والعزيزية" ( ونزلة الشوبك -مركز العياط) واقتحموا المنازل وانتهكوا الأعراض وأطلقوا النار على الأهالي فقتلوا في نزلة الشوبك وحدها 21 .

وفي بلدة "ميت القرشي" مركز "ميت غمر" وحدها قُتِل مائة من المتظاهرين برصاص جنود الاحتلال ].

وننقل ماكتبه "مصطفي أمين" في العيد السادس والستين للثورة :

( قاطع الشعب المصري البضائع والبنوك الإنجليزية وكانت السيدات المصريات يقفن أمام المحلات التجارية البريطانية والبنوك البريطانية يحذرن أي مصري من دخول هذه المحلات التي طلبت الثورة مقاطعتها ونتج عن هذه المقاطعة الجماعية إفلاس عدد من المؤسسات الانجليزية وظهور عدد من المحلات التجارية المصرية .)

أما الأستاذ "خالد محمد خالد" فيروي في كتابه (دفاع عن الديموقراطية) موقفا فريداً: ( يوم علقت إحدى حكومات الأقلية الدستور وأوقفت العمل به ، فإذا باليوم التالي يستقيل مئات من عُمَد البلاد دون أن يتم أي لقاء بينهم ولم يكن ثمة وقت للإيعاز إليهم وتحريضهم ، إنما تَصَّرف كل منهم تلقائيا وكأنه أُمة وحده ..)

إلى هذا الحد بلغ الوعي إلى عمق الريف المصري.

وبعد كل هذا الإرث من كفاح هذا الشعب العظيم ، وبعد ما قدمه في (ثورة يناير) من تضحيات ، يأتي غِرٌ جاهل ويدعي أننا شعب (غير مؤهل للديموقراطية) .!! 

والعبارة الصحيحة هي : ( نحن شعب سُلِبَت منه الديموقراطية تحت تهديد السلاح وإغراق البلد في الدماء ).

في نفس الكتاب يروي "خالد محمد خالد" رد عبد الناصر عليه حين طالبه بالديموقراطية : ( واحنا مستعجلين على إيه .. إحنا قاعدين في الحكم عشرين سنة .. ولما الثورة تُثَّبت أقدامها وتنتهي من أعدائها نبقى نعمل الديموقراطية اللي انت عايزها).!! 

مشكلة العقلية العسكرية أنهم يعتبرون أنفسهم بداية التاريخ .

فعبد الناصر محي هذا التاريخ واعتبر نفسه بداية التاريخ حين نطق كذبا وزورا في تمثيلية حادثة المنشية : ( أنا اللي علمتكم الكرامة .)!!

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين