شخصيات سورية وإنجازات دولية
ابن دير الزور
الأستاذ عبيدة البنكي
وشرف كتابة مصحف قطر
ينال وسام الاستحقاق من ولي عهد قطر
بدأ نزول القرآن الكريم على أمة لا تعرف القراءة والكتابة إلا قليلاً، وكان أول ما نزل يحث على القراءة ، فشجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم على تعلم القراءة والكتابة، فانطلقت وراجت حتى بلغ كتَّاب الوحي أكثر من أربعين كاتبًا، وزادت مع انتشار الإسلام ودخول الأمم فيه.
وكتب الصحابة رضوان الله عليهم القرآن بالخط السائد في الحجاز المعروف بـ (( الجَزْم )) المأخوذ من الخط الأنباري أو الحيري، وكذلك كتبت به صحف أبي بكر ومصاحف عثمان رضي الله عنهما.
ومع توسع الفتوحات الإسلامية ، تحسّن الخط، وظهر ما يعرف بالخط المنسوب على يد رواد الخط العربي أمثال: قُطْبَة المحرِّر المتوفى سنة 131هـ، وأبي علي محمد بن مُقْلَة المتوفى سنة 328هـ، وأبي الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة 413هـ أو 423هـ، وياقوت بن عبد الله المستَعْصِمي المتوفى سنة 698هـ، وغيرهم.
وكان الغالب في كتابة المصاحف الخط الكوفي حتى القرن الخامس الهجري، ثم كُتبت بخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري، ثم كتبت بخط النسخ حتى وقتنا الحاضر.
وعندما عُرفت المطابع الحديثة في بعض البلاد الإسلامية والعربية كتركيا، ومصر، والشام، كان المصحف الشريف في مقدمة اهتماماتها، فطبع بأحجام مختلفة، إلا أنها سارت في ذلك على قواعد الرسم الإملائي الحديث حتى جاء العلامة الشيخ ((رضوان بن محمد المخَلَّلاتي )) المتوفى سنة 1311هـ ، فكتب مصحفه الشهير الذي نسب إليه وطبع سنة 1308هـ ، على قواعد الرسم العثماني.
وفي عام 1405هـ /1984م جاء إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز كأبرز مظاهر الاعتناء بطباعة المصحف الشريف.
مصحف قطر:
وفي عام 2010م جاء مشروع مصحف قطر ليكون إضافة جديدة باسم دولة قطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ودليلاً واضحاً على خدمة كتاب الله ، جاء ليربط ثقافة المسلمين بكتاب ربهم وخاصة أن قطر هذا العام عاصمة للثقافة العربية، وقد بدأ العمل في المشروع عام 2000م ، الذي بلغت ميزانيته 25 مليون ريال قطري ، ليتم طباعة حوالي 700 ألف نسخة من مختلف المقاسات والطبعات الفاخرة، من الحجم الجوامعي ونصف الجوامعي والحجم المتداول والربع المحبر والربع.
فكرة مصحف قطر بمسابقة عالمية لخط المصحف الشريف:
برزت فكرة المسابقة العالمية لخط وكتابة آيات الله المباركة ، وبعد أن تم التنظيم للمقترح كاملاً ، ورشح المركز أعضاء هيئة التحكيم ، وتوج ذلك كله بموافقة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وذلك في 20/5/2000م ، هذا تاريخ البداية الفعلية ، وفي 3/8/2001م بدأت المرحلة الأولى: بتوجيه الدعوة إلى ( 21 ) خطاطاً رشحهم مركز الأبحاث ثم فتحت الدعوة ، وتوسعت المشاركة فتسلمت الوزارة ( 120 ) عملاً ، منها ( 13 ) عملاً من الذين وجهت لهم الدعوة ، اختارت هيئة التحكيم ( 35 ) عملاً وتم اعتبارها مقبولة على أن تجري بينها مفاضلة ، بعد المفاضلة قُبل ( 14 ) عملاً وفي التصفية بقيت ( 7 ) أعمال هي المختارة.
المفاضلة بين الأعمال السبعة:
عرضت على هيئة التحكيم المكونة من معالي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو والخطاط الكبير الأستاذ حسن جلبي ، والناقد الأستاذ الدكتور مصطفى أوردغان ، والخطاط الأستاذ الدكتور محمد سعيد شريفي ، والأستاذ محمد داود التميمي ، حيث وجه معالي الدكتور أكمل الدين رئيس لجنة التحكيم الدعوة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد بن عبدالله المري لحضور اجتماع اللجنة خلال الفترة من 12 – 18 /10/2002م .
وأشارت هيئة التحكيم إلى أن الأعمال المقدمة أفضل بكثير من الأعمال المطبوعة والمتداولة ، واستبعدت اللجنة أربعة أعمال من الستة واستقر الرأي على اختيار عملين فائزين وتم الإعلان عن صاحبيهما وهما عبيدة محمد صالح البنكي سوري الجنسية ، وصباح مغيديد الأربيلي عراقي الجنسية ، وحددت الجائزة بدون تعيين الأول منهما وفي 25/6/2003م تم توقيع العقد معهما بحضور أ.د محمد سعيد شريفي ، وتم تزويدهما بالملاحظات والضوابط التي يجب الالتزام بها وخلال الفترة من 18 – 20 من شهر يناير 2007 عقدت هيئة التحكيم اجتماعاً في الدوحة بكامل أعضائها ، وتم إعلان النتيجة النهائية للمسابقة من خلال مؤتمر صحفي وأُعلن عن فوز عبيدة محمد صالح البنكي بالمركز الأول ، وجاء بعده في المركز الثاني الخطاط صباح مغيديد الأربيلي.
مرحلة المراجعة :
بعد إعلان النتيجة وفوز البنكي بكتابة المصحف بدأت مرحلة جديدة حيث انتقل الإشراف على المشروع إلى الشيخ عبدالله بن عمر البكري ، وقد شهدت هذه المرحلة تشكيل لجنة المراجعة المحلية التي انتهت من المراجعة الأولى في ستة أسابيع ، وفي يوم الأربعاء بتاريخ 24/2/1428هـ الموافق 14/3/2007م عقدت اللجنة اجتماعها بحضور المشرف على المشروع والخطاط عبيدة البنكي ، وتم التنبيه على الملاحظات العلمية ، وأبدى الخطاط استعداده للأخذ بها وتنفيذها ، وفي الفترة من 22-28/6/2007 تم تكليف المشرف على المشروع بمهمة السفر إلى القاهرة والاجتماع بلجنة المراجعة بالأزهر الشريف والتشاور معهم بخصوص التدقيق والمراجعة ، وعليه فقد اجتمع مع فضيلة شيخ عموم المقارىء المصرية ورئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر أربعة اجتماعات ، عملية مطولة بعضها بحضور جميع أعضاء لجنته ، وكان في صحبة المشرف الشيخ عبدالله ولد سليمان عضو اللجنة المحلية ، والأستاذ عبيدة البنكي ، أبدت لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر ملاحظات مهمة منها :
- إعجابهم الشديد بخط المصحف ، ووصفه بأنه تحفة فنية وأنه من المصاحف النادرة.
- اتفقت لجنة الأزهر مع اللجنة المحلية في ضرورة تصحيح بعض المواضع من قبل الخطاط.
- رأت اللجنة أن من المصلحة أن يراجع مرة ثانية في هذه الفترة تتلوها مرة أخرى عند مجيئها إلى الدوحة ، وبعدها بذل الخطاط جهده ليكمل ما بدأ بتصحيح ما طُلب منه ، ودخل المصحف مرحلة جديدة بالبحث عن مكان مناسب يقوم على طباعته بعد كل ما بُذل فيه من جهود مضنية حتى يخرج للناس في صورة رائعة تليق به.
المراجعة الخارجية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية :
في 11/3/2008م اجتمعت لجنة طباعة "مصحف قطر " مع رئيس لجنة التصحيح بالأزهر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي ، وقرر فضيلته بصفته رئيساً للجنة التصحيح أن مستوى التصحيح الأخير في درجة الامتياز ، واقترح فضيلته الشيخين سلامة كامل جمعة، والشيخ حسن عيسى المعصراوي للقيام بالتصحيح خلال الطباعة في تركيا، وإرسال النسخ مباشرة إليه في القاهرة فور الطباعة للتأكد من سلامة العمل ، وأن يبدأ العمل بالمقاس الجوامعي يليه نصف الجوامعي فالربع ، فصدر القرار الوزاري رقم ( 36 ) لسنة 2008م بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة وتدقيق " مصحف قطر " وفي المادة ( 3 ) تختص اللجنة بالإشراف العلمي على مراحل الطباعة ومراجعة وتدقيق الطبعة التجريبية، وإحالتها للجنة مراجعة المصاحف بالأزهر ، وتحملت اللجنة المسؤولية ففي المادة رقم ( 5 ) تعتبر اللجنة مسؤولة مسؤولية فردية وتضامنية عن كل خطأ أو تقصير في أداء العمل على الوجه الأكمل.
وفي تاريخ 15/ 2/1430هـ الموافق 10/ 2/2009م، تم بحمد الله وتوفيقه الحصول على إذن التداول ليخرج المصحف في أبهر صورة تجمع بين جمالية الفن ودقة الضبط ، ولتبدأ عملية الطباعة في العاشر من مارس الجاري في المقاسات الخمسة التي تم الاتفاق عليها.
تركيا لطباعة مصحف قطر:
سافر وفد من الوزارة إلى بيروت للاطلاع على المطابع ، والوقوف على قدرتها على تنفيذ المشروع ، وبعد طبع عينات منه ،سافر الوفد كذلك إلى استانبول حيث زار المطابع المؤهلة وطبعت كذلك عينات منه " جزء عمّ " ثم تمت المقارنة واستقر الأمر على الطباعة في تركيا نظرا للفروق الواضحة التي وجدتها اللجنة في مطابع تركيا.
الدفعة الأولى:
وصلت الدفعة الأولى من مصحف قطر وعددها يقارب 30 ألف نسخة قادمة من تركيا حيث تمت كتابته وطباعته، والمصحف له 4 أحجام مختلفة ابتداء من حجم الجيب المعروف وثلاثة أحجام أخرى اكبر.
تدشين المشروع:
يوم الثلاثاء 23ربيع الأول 1431هـ الموافق 9/3/2010م تمّ تدشين مصحف قطر في حفل كبير في متحف الفن الإسلامي وقد قام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتكريم خطاط مصحف قطر السيد عبيدة صالح البنكي وقلده وسام الاستحقاق، هذا وقد بدأ توزيع المصحف، هدية غالية من قطر إلى الأمة الإسلامية، اعتباراً من 10/3/2010م .
وأخيراً هذا تعريف مختصر بالأستاذ المهندس عبيدة محمد صالح البنكي، ورحلته مع الخط العربي،- وهو من مواليد دير الزور في سوريا سنة (1964م)- يرويه بنفسه في حوار لموقع الشبكة الإسلامية :
في الحقيقة لقد بدأت مسيرتي مع الخط العربي منذ نعومة أظفاري وحتى قبل المرحلة الابتدائية عندما كان والدي مديراً لإحدى المدارس في سوريا في محافظة دير الزور وكنت أذهب معه للمدرسة وأشاهد أستاذ مادة الخط وهو يكتب، فعشقت الخط وتأثرت بكتابات الأستاذ وأصبحت أقلد هذه الكتابة، وأيضا كان عندنا بالبيت لوحات جدارية مكتوبة بخط جميل منها آية " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " وكانت مكتوبة بخط النسخ فتأثرت بها كثيرًا وأصبحت أقلد كتابتها، وعندما دخلت المدرسة في المرحلة الابتدائية عاشقًا للخط العربي وهنا أذكر عندما زارنا بالمدرسة وفد من وزارة التربية والتعليم وكنت يومها في الصف الثاني الابتدائي قدمني الأستاذ لأكتب عبارة على السبورة فكتبتها بخط جميل وصفق لي الوفد كثيرا على حسن الخط وجماله فكانت هذه الحادثة دافعا قويا لي على
المضي قدما والاستمرار في تعلم فن الخط.
وفي المرحلة الإعدادية عندما رأى خطي أستاذ مادة الرسم والخط قال للطلاب سيكون له شأن كبير في المستقبل، ولأنه لم يكن هناك في محافظتي دير الزور مدارس لتعلم فنون الخط العربي اعتمدت على قدراتي الذاتية، وكان والدي رحمه الله لديه مكتبة أدبية كبيرة وبها عناوين للكتب وكنت دائم الاطلاع عليها والتدريب على كتابة هذه العناوين الجميلة للخطاطين ومنهم الخطاط الديراني من الشام والخطاط سيد إبراهيم من مصر والخطاط هاشم بغدادي من العراق هؤلاء الخطاطون كانت خطوطهم مصدر إلهام بالنسبة لي للاطلاع على الخطوط وأيضا كان هناك كتاب قواعد الخط العربي للخطاط هاشم البغدادي رحمه الله الذي استفدت منه كثيرا في تعلم قواعد الخط العربي وفنونه ، إلى أن انتقلت إلى المرحلة الأهم وهي الانتقال إلى العاصمة دمشق وفيها التقيت بخطاطين كبار وكنت أتردد على الخطاط أحمد الباري، وهو صاحب خبرة طويلة في مجال الخط وكتابة المصاحف، واستمرت علاقتي به فترة من الزمن اطلعت فيها على أسرار كتابة المصاحف.
وبعد هذه الفترة أقيمت المسابقة الدولية الأولى للخط العربي في استانبول فكانت دافعا قويا وحافزا مثيرا لي للتقدم والمشاركة وهي مسابقة تقام بشكل دوري كل ثلاث سنوات وكانت مشاركتي في مسابقة ياقوت المستعصمي الدولية الثانية عام 1989 وأحرزت فيها المركز الثاني في خط النسخ . وكانت هذه الجائزة وهذا الفوز نقطة تحول في مسيرتي وبعدها توالت ولله الحمد المسابقات والإنجازات كل ثلاث سنوات .. حيث أحرزت في أربع مسابقات متتالية تسع جوائز في خطوط مختلفة ، إلى أن تم اختياري عضواً في هيئة تحكيم المسابقة في ثلاث دورات متتالية إلى وقتنا الحالي.
ولما سئل عن العوامل التي ساعدته على إنجاز مصحف قطر، قال:
- الرغبة في نيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى إذ أن أشرف ما يقوم به الخطاط هو كتابة القرآن كلام الله ، والمنافسة بيني وبين الخطاطين خصوصا أن المتقدمين للمسابقة من أكبر الخطاطين في العالم وهذا دفعني للمزيد من الاتقان والجودة ، واهتمام المسؤولين في الوزارة بهذا العمل الجليل وعلى رأسهم سعادة الوزير شخصيا، والقيام بتفريغي بشكل كامل للقيام بهذا العمل وإنجازه على الوجه الأكمل .
كان خطاطنا المبدع عبيدةيكتب الصفحة الواحدة في ثماني ساعات ، قلما تتخللها راحة ، ينظر في كلمات الآية وما بعدها ، وينظر في الأسطر ليرى كيف ينسق كل كلمة ، فقد اشترط عليه ألاّ يبدأ سطراً بنهاية آية ، عليه أن يتقن توزيع كل كلمة بعد النظر في حروفها ليشكل من الجميع لوحة جمالية .
واصل ليله بنهاره كي ينجز مهمته ، عاش بركة اللحظة ، وهو يبدأ مردداً: (( رب يسّر ولا تعسر ، رب تمّم بالخير )) ، كانت أجمل لحظاته في سكينة الليل وهدأته ، وفي خاتمته بتنفسات فجر يعلن عن ميلاد يوم جديد ، والقلم في يده .
أخيراً والحمد لله أنجز المهمة ، وكما بدأت القصة بحلم وفكرة تحولت ، بفضل الله ، إلى حقيقة وواقع ، فكان (( مصحف قطر )).
والحمد لله من قبل بعد .
المصادر:
- الشبكة الإسلامية .
- جريدة الراية عدد الأربعاء 24/ربيع الأول/1431هـ الموافق 10/3/2010م
- موقع مصحف قطر http://mus-hafqatar.info/
- الجزيرة نت .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول