
الكتاب
الادعاء الأساسي للشحرور وأستاذه دكّ الباب أن قراءتهما المعاصرة إنما تقوم على الدراسات اللغوية..
قال دك الباب في تقديمه لكتاب الشحرور (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة):
[تبنّى الدكتور شحرور المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية، الذي طرحته لدى دراستي الخصائص البنيوية للعربية، في ضوء الدراسات اللسانية الحديثة.]
ثم أخذ يورد أسماء أئمة في اللغة كأبي علي الفارسي وابن جني وعبد القاهر الجرجاني وابن فارس.. وهو في صنيعه هذا أشبه ما يكون بسحرة فرعون عندما ألقوا حبالهم وعصيّهم فسحروا أعين واسترهبوهم، لأنه يحاول إيهام القاريء بتضلعه وتلميذه من علوم اللغة ومعرفة أئمتها.. فإذا أبحرت في الكتاب الذي يمتدّ على أكثر من ثمانمئة صفحة لم تجد أي مصداق لهذا القول ولا وجدتَ شيئاً من فكر هؤلاء الأئمة الكبار.. وسيطول الكلام إذا أخذنا نتتبع الطامّات اللغوية التي يبرأ منها تلاميذ المدارس فضلاً عن العلماء الأعلام.. ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.. وسأورد أمثلة لتلك الطامات وإذا أردت الاستزادة فما عليك إلا قراءة الكتاب..
قال الشحرور، في الصفحة ٥١ من كتابه المذكور:
[والكتاب في اللسان العربي تعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو لإخراج موضوع ذي معنى متكامل]
فقوله في اللسان العربي يعني في لغة العرب، فإذا أردنا اليوم معرفة معنى كلمة ما في لغة العرب فما هو مرجعنا؟؟ لا شك أن أي عاقل سيقول المرجع في هذا هو معاجم اللغة العربية التي جمعت مفرداتها من أقوال العرب الفصحاء الذين يُستشهد بكلامهم في اللغة ومن القرآن الكريم والحديث الشريف.. وهذا من البديهيات التي لم أكن أتصوّر أنني سأحتاج يوماً إلى شرحها.. ولكنها القراءة المعاصرة..
فمن أين أتى المؤلف بكلامه السابق الذي يقول فيه إن (الكتاب هو جمع أشياء بعضها مع بعض) ودونك مراجع اللغة كلها فلن تجد هذا التعريف العجيب (جمع أشياء).. وكي لا نطيل فهاك بعض ما ورد في لسان العرب لابن منظور في مادة كتب:
كَتَبَ الشيءَ يَكْتُبه كَتْباً وكِتاباً وكِتابةً، وكَتَّبه: خَطَّه
إلى أن قال : والكِتابُ أَيضاً: الاسمُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. الأَزهري: الكِتابُ اسْمٌ لِمَا كُتب مَجْمُوعاً؛ والكِتابُ مَصْدَرٌ؛
فالكتاب مصدر الفعل كتب وهو الاسم لما يُكتب مجموعاً.. وكل معاجم اللغة تدور على هذا المعنى وليس في أحدها (الكتاب جمع أشياء) فاحكم أنت أيها القارئ.. ماذا تسمي صنيع المؤلف؟؟ أهو جهلٌ قبيح، أم كذب صريح؟؟ ثم قال (لإخراج معنى مفيد) ولست أدري كيف تُجمع الأشياء لإخراج معنى مفيد؟
ثمّ مضى في التدليل على صحة تفسيره لمعنى الكتاب فقال بعد ذلك الكلام مباشرة:
[ونقول مكتب هندسي أي هو مكان تتجمع فيه عناصر إخراج مشروع هندسي من مهندس ورسام وخطاط وآلة سحب، وهي العناصر اللازمة لإخراج مخططات هندسية، ونقول كذلك مكتب محاماة]
هكذا يستشهد باللغة المعاصرة الاصطلاحية التي لم يعرفها العرب ليفسر بها القرآن، ذلك أن العرب لا تعرف من كلمة (مكتب) إلا أنه مكان الكتابة أو مكان تعليمها.. أما المكتب الهندسي ومكتب المحاماة فمن ابتكارات لغة العصر فكيف يمكن أن تكون مرجعاً لفهم لغة القرآن الكريم.. الجواب لأن المؤلف (أراد) أن يكون المكتب مكاناً تتجمع فيه (العناصر) فانظر كيف تصبح اللغة ألعوبة بين يدي القراءة المعاصرة..
إلى أن يقول في الصفحة ٥٢:
[وهكذا فعندما نقول الصلاة كتاب فهذا يعني أن الصلاة هي من المواضيع التعبدية التي وجب على المسلم القيام بها {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}النساء 103.]
لأن أستاذه على ما يبدو لم يعلّمه أن (كَتَبَ) تأتي بمعنى (فَرَض) عندما تتعدى بحرف الجر (على) كما في قوله تعالى (كُتِبَ عليكم الصيام).. ومعناه الواضح (فُرضَ عليكم الصيام)..
فتفسير آية {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} كما أجمع المفسرون أن الصلاة مفروضة بأوقاتها.. ففي تفسير القرطبي (أَيْ مُؤَقَّتَةً مفروضة) وفي تفسير ابن كثير (وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَفْرُوضًا. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَمُقَاتِلٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ.)
لكنها تصبح على تفسيره (إن الصلاة كانت على المؤمنين مجموعة العناصر موقوتاً) وكلٌّ حرٌّ في قرآنه..
كل ذلك ليصل إلى قوله في الصفحة ٥٤:
[أي إن هناك نوعين من الكتب: النوع الأول هو الذي يتعلق بسلوك الإنسان، ككتاب الصلاة الذي يتألف من الوضوء والقيام والركوع والسجود، وهذه الكتب غير مفروضة على الإنسان حتماً، بل له القدرة على اختيار الالتزام بها أو عدم التقيد بها. ويعني ذلك أن الإنسان هو الذي يقضي “يختار” موقفه منها. وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح “القضاء” والنوع الثاني قوانين الكون وحياة الإنسان ككتاب الموت وكتاب خلق الكون والتطور والساعة والبعث، وهذه الكتب مفروضة على الإنسان حتماً، وليست له القدرة على عدم الخضوع لها. وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح “القدر”. ويتوجب على الإنسان أن يكتشف هذه القوانين ويتعلمها ليستفيد من معرفته لها.]
وقد قرر من قبل إن بقية العبادات كالصيام والحج هي كتب من نوع كتاب الصلاة ولنا أن نفهم من كلامه أن هذه الكتب (أي العبادات) ليست على سبيل الإلزام بل المسلم له الخيار في أن يؤديها أو لا.. فالمفروض على الإنسان في النظرية الشحرورية هو الموت والخلق والتطور والساعة والبعث.. ولا ريب أن هذه العبقرية التي استنتجت ذلك هي عبقرية نادرة يحقّ لنا أن نفخر بها (الموت مفروض على الإنسان).. أما العبادات كلها فغير مفروضة والإنسان حرّ في أن يؤديَها أو لا - فلسفة عميقة قلّ من يفهمها- وهذا التفسير للقضاء والقدر لم يعرفه أحد قبل بعثة الشحرور.. ولا تغفل أن الشحرور هنا يترك باباً للهرب إذا أمسك الناقد بتلابيبه لأنه سيقول (أنما أردت بكون العبادات غير مفروضة أن الإنسان غير مجبر عليها).. وهل كان يظنّ عاقلٌ أن الإنسان مجبور على العبادات؟؟؟ فما معنى التكليف إذاً؟؟؟.. لكنّه المكر الشحروري استخدم عامداً عبارة (غير مفروضة) وكان بإمكانه أن يستخدم العبارة التي يفهمها كل العقلاء (الإنسان غير مجبر عليها) كي يبقي الباب موارباً إذا أراد الهرب.. فانظر يا رعاك الله..
ولكي يدلل على أن الفرقان غير القرآن قال في صفحة ٥٧:
[{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآنُ هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقانِ} البقرة 185. وبما أن الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج أن الفرقان غير القرآن،.]
وهنا فَضَح جهلَه المطبِق بل وجهلَ أستاذه صاحب الدكتوراه في اللغة العربية من موسكو.. فإن من منهج دروس العربية في المرحلة الابتدائية أنه يُقال للتلميذ: إن المعطوف يتبع المعطوف عليه في الرفع والنصب والجرّ.. فكيف ساغ لنبي القراءة المعاصرة أن يعطف الفرقان وهو مجرور على القرآن وهو مرفوع؟ إن هذا لشيء عجيب.. ولو أن تلميذاً من تلامذة الإعدادية أعرب في هذه الآية كلمة الفرقان وهي مجرورة على كلمة القرآن وهي مرفوعة لنال علامة الصفر بجدارة وإذا كان في زمان الكُتّاب، لأوجعه أستاذه ضرباً ليكون عبرةً للطلاب.. فرحم الله أيام (الفلقة) كم نحتاجها اليوم..
لقد جهل الشحرور لغة القرآن ثمّ بنى على جهله إعراباً ثمّ بنى على إعرابه حُكماً أن القرآن غير الفرقان.. فانظر إلى هذا البناء المنهار قبل أن يبدأ المهندس الشحرور في بنائه.. وهل من لا يعرف معلومات طالب الابتدائية في اللغة العربية يسوغ في عقل عاقل أو وهم واهم أن يتصدى لتفسير كلام الله؟؟ أجيبونا أيها العقلاء..
الحلقة السابقة هـــنا
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول