في كلِّ عصرٍ مِن العصور تتخطَّف شبابَنَا أعاصيرُ الفتن الهوجاءِ؛ لتفتك بفكرهم، وتبعدهم عن دينهم، فيهيِّئ الله لهم برحمته وكرمه علماءَ يَنفون عنهم شُبَه الـمُبطلين الغَالين كما ورد في الأثر: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ» [مسند الشاميين للطبراني برقم:599].
ونحن في أرض الشَّام والعراق ابتُلِيْنا بفرقة الخوارج التي حوَّلت وجهة ثورتنا، وسلَّطت سيفها على المسلمين بَدَلَ أن ْتُسلِّطه على الكافرين، فصدق فيهم قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ» [البخاري برقم:3344].
ومع شيخنا ومربينا العلَّامة الشَّيخ أسامة الرفاعي حفظه الله تعالى نتوقَّف على بعض فتن هؤلاءِ الخوارج؛ لننبِّه شبابنا المسلم ونحفظه مِن الوقوع بهذا المستنقعِ مستنقعِ الخوارج في هذا العصر ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
المجلة الحميدية: في هذه الظُّروف الصَّعبة التي تمرُّ بها الأمَّة، وهذه الفتن التي تَعصِفُ بشبابها المسلم، في بداية لقائنا ماذا تقدمون بين يدي الشَّباب المسلم عامَّة والشَّباب التركي خاصَّةً:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
اللَّهم ربَّنا لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التُّكلان، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم الله، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمدٍ صلاةً ترضيك اللهم وترضيه وترضى بها عنَّا يا ربَّ العالمين، وبعد أيُّها الإخوة الشَّباب ويا أيها الشَّباب الأتراك الطيبون، إخوتي الأعزاء إنَّ الله تبارك وتعالى قد تفضَّل عليكم فورثتم عن مشايخكم وآبائكم وأجدادكم دينًا خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى: ?إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ? [آل عمران:19]، ورثتم هذا الدَّين عن سلفكم الصَّالح خالصًا مخلصًا صافيًّا مصفًّا مِن كلِّ شائبةٍ مِن الشَّوائب، كما نُزِّلَ على نبيِّنا محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه.
ولكن نحن في زمانٍ كَثُرَتْ فيه الفتنُ، وتَلَاطَمَتْ كأمواج البحر الهائج، والأمَّة كلُّها في خطرٍ وخاصَّةً شبابها الذين ينبغي أن يَحملوا رسالتها إلى العالم كلِّه، هؤلاء الشَّباب الأعزَّاء على قلوبنا، الذين لا ننساهم في ليلٍ أو نهارٍ، هؤلاء الشَّاب هم الذين يتعرَّضون لهذه الفتن المائجة الهائجة.
يا أيُّها الشَّباب: انتبهوا! فإنَّنا في العصر الذي وصفه رسولنا صلى الله عليه وسلم نعيش هذا العصر بأجوائه ومشاكله والمصائب التي نزلت بالمسلمين فيه.
وصف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا العصر الذي نحن فيه فقال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» [مسلم برقم:118].
هذه مصيبةُ المصائب أن تكون الفتن تجتاح الدِّين، وتستأصل الأخلاق، يا إخوتنا الأتراك يا أيُّها الشَّباب تنبهوا وتيقظوا لما يُحاك لكم مِن الخطر والفتن الدَّاهمة على هذا البلد وعلى كلِّ بلاد العالم الإسلاميِّ شرقه وغربه.
أسأل الله تبارك تعالى أن يعيذنا جميعًا مِن شرِّ هذه الفتن.
- المجلة الحميدية: في سوريا والعراق انتشرت فئاتٌ تستَّرت بزيِّ الجهاد تكفِّر النَّاس هنا وهناك، هل لهم علاقةٌ وصلةٌ بالخوارج الذين عرفناهم عبر التَّاريخ، وهل ينتمون لهم فكرًا وسلوكًا:
مِن هذه الفتن، فتنُ الخوارج، وفتن الخوارج ليست حديثةً في هذا العصر، وإنَّما أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديثَ كثيرةٍ، يصحُّ كثيرٌ منها وينطبق على ما نعيش فيه اليوم مِن بعض الفرق التي دَاهمت بلادنا والعياذ بالله تعالى.
وباختصارٍ شديدٍ، أنا أقول لكم هذه الفئات هي فئات التَّكفير التي تكفِّر المسلمين والتي تجعل كلَّ مسلمٍ يقيم في دار الإسلام تحكَّم بأيِّ نوعٍ مِن أنواع الحكم وهو مسلمٌ مؤمنٌ بالله واليوم الآخر توفَّرت فيه عناصر الإيمان جميعها يتهمونه بالكفر، وإذا اتهموه بالكفر يُلحقون ذلك بأحكام الرِّدَّة، والرِّدَّة جزاؤها القتل، فمعنى ذلك أنَّ هؤلاءِ صراحةً وبدون مواربةٍ يكفِّرون النَّاس المسلمين المؤمنين الصَّالحين، ويبيحون قتلهم ويستبيحون دماءهم وهذه بليةٌ عظمى نتعرَّض لها في هذا العصر.
فتنة الخوارج الذين خرجوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمر الله تبارك وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يقاتلوا هذه الفئة الباغية، ولقد أرسل سيِّدنا عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أرسل لهم ابنَ عمِّه وابنَ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا عبد الله بن عباس؛ ليحاورَ هؤلاء الخوارج، ولقد استطاع أن يؤثِّر على خمسة آلافٍ مِن هؤلاءِ فيردهم إلى جادَّة الصَّواب، ولكنَّ الباقين منهم بالألوف المؤلفة حاربوا المسلمين، واستباحوا دماءهم، وأزهقوا أرواحهم في معارك كثيرة اشتركوا فيها مع أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومع التَّابعين الكرام رضوان الله تعالى عليهم.
الصَّحابة رضوان الله عليهم لم يتورَّعوا عن قتال هؤلاء، فالصَّحابةُ لم يتورَّعوا فكيف نتورَّع نحن ورعًا باردًا يخرج عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن فعل الصَّحابة والتَّابعين رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
لقد حدثتك عن جزءٍ مِن فتنة الخوارج التي داهمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتَّابعين ومَن بعدهم، وهي تداهمنا اليوم في عُقر دارنا، دخلت فرقة الخوارج ونبغتْ أوَّل ما نبغتْ في العراق ثمَّ بعد ذلك دخلت إلى بلادنا إلى سوريا، وأنشأت لنا مِن الفتن، والاضطرابات والمشاكل، وسفك الدِّماء، وإزهاق الأرواح، وانتهاك الأعراض، الشَّيء الكثير الكثير، تصوروا أنَّهم يَسبون نساء المسلمين ويجعلونهنَّ سبايا وعبيدًا لهم، ينتهكون أعراضهنَّ بغيرِ حقٍّ ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.
هؤلاء الخوارج قد دخلوا بفتنتهم إلى بلادنا ولكنَّ الأهمَّ مِن ذلك أنَّهم يُصدِّرون أفكارَهم، وآراءهم، وفتنتهم إلى تركيا، وإلى كثيرٍ مِن بلاد العالم الإسلاميِّ، ويستجلبون شباب العالم الإسلاميَّ الذين ورثوا عن آبائهم وأجدادهم ومشايخهم الدَّين الخالص عن الله تبارك وتعالى، يفسدون دينهم، ويفسدون عقائدهم، ويستبيحون دماء المسلمين، ويُعلِّمون الشَّباب هذا الأمر، ويجعلون الفتنة فيما بين صفوف المسلمين والعياذ بالله تبارك وتعالى.
نحن نتعرَّض لهذه الفتنة في سوريا بشكلٍ واسعٍ وفي العراق أيضًا، ونتعرَّض لها هنا في تركيا، يَنشرون هذه الأفكار، ويستجلبون الشَّباب للدُّخول إلى سوريا، وهذه فتنةٌ عظيمةٌ ينبغي أن تتنبَّهوا لها، وألَّا تقعوا في براثنها أبدًا؛ لأنَّها فتنةٌ تريد أن تَجتَثَّ دينكم مِن أصله.
- المجلة الحميدية: ما رأيكم شيخنا الكريم في الدَّعوات التي تخرج مِن المنظِّرين لهؤلاء الخوارج في العراق وسوريا لشبابنا في تركيا وخارج تركيا؛ للجهاد في سوريا والعراق، مستغلِّين بخطابهم عنفوان الشَّباب وعاطفتهم:
النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر مِن فتنة الخوارج وهذه الفتنة التي وصفهم فيها بها: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ» [البخاري برقم:3344]، وهذا وصفٌ رائعٌ مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنَّهم خرجوا من الدِّين.
وهذا الوصف يَنبغي أن ننتبه له، وأن لا ننساق وراء شبهاتهم التي ينشرونها بين المسلمين، هم يلبِّسون علينا وعلى شبابنا كثيرًا من الحقائق التي هم أبعدُ النَّاس عنها، حقائق الدِّين يتلبسون بها ويصبغون كلامهم بصبغة الدِّين والحماس والجهاد في سبيل الله، وهم في الحقيقة مَرَقَةٌ مِن الدِّين خارجون منه بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هم يدعون الشباب الأتراك وغير الأتراك إلى سوريا، وأنا أقول لكم أيُّها الإخوة إضافةً إلى أنَّهم مِن الخوارج الذين حذَّرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم إلى جانب ذلك قد تَغَلْغَلَتْ في صفوفهم المخابرات الدُّوليَّة، الذين لَبِسَ ضبَّاطهم الثِّياب القصيرة، وأرخوا لحاهم الطويلة؛ ليوهموا النَّاس أنَّهم على سيرة السَّلف الصَّالح رضوان الله تعالى عليهم، وأتقنوا شبهات الخوارج كلّها، وأصبحوا يَستجلِبون الشَّباب مِن أنحاء العالم الإسلامي إلى الفخِّ الكبير والمصيدة العظمى في سوريا؛ ليجروهم بذلك إلى الذَّبح، وإلى القتل، وإلى التَّخلص مِن شباب المسلمين بهذه الأعداد الهائلة الكبيرة.
وأنا أرجو أن تتنبهوا لذلك، وأن تعلموا أنَّ مفاصل القرار في هذه الحركات المتطرِّفة إنَّما هي بيد المخابرات الدُّوليَّة، وليست بيد الخوارج أو أمراء الخوارج، فالذي يتحكم بغرف العمليات وبمراكز القرار في هذه الطوائف - والعياذ بالله - المارقة مِن الدِّين مِن المخابرات الدُّوليَّة.
فانتبهوا ولا تُصغوا بآذانكم، ولا تميلوا بقلوبكم إلى أيِّ اسمٍ مِن الأسماء أو إلى أيِّ شخصيَّةٍ مِن الشَّخصيات التي تدعوكم إلى الالتحاق بهذه الفصائل ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.
إيَّاكم أن تفعلوا ذلك، وتنبهوا واحرصوا على دينكم، وإيمانكم، فإنَّنا في خطر عظيم وإنَّ الرِّياح العاصفة تكاد تجتاح بلادنا كلَّها.
أيُّها الشَّباب: إنَّ الذين يستدعونكم مِن وراء الحدود؛ لتدخلوا إلى سوريا أو إلى العراق للجهاد في سبيل الله إنما هي أَغطيةٌ وأَغشيةٌ كاذبةٌ مزيَّفةٌ، أنتم تدخلون لمجرد أن تُقتلوا وتُذبَحوا.
المخابرات الدُّوليَّة تفرح فرحًا شديدًا وتضحك علينا وتهزأ بنا؛ لأنَّ شبابنا حينما يدخلون إلى سوريا ويشتبكون مع الشَّباب الآخرين في القتال أيًا كان هؤلاءِ الشَّباب، وجُلُّ هؤلاءِ الشَّباب مِن الجيش الحرِّ المؤمن الصَّادق في سوريا، الشَّباب الملتزمون الطَّائعون يتهمونهم بأنَّهم إرهابيُّون، ويسلِّطون عليهم هذه الفئات الباغية الخارجيَّة.
أنتم حينما تَذهبون للالتحاق بصفوف هذه الفئات المتطرِّفة، فأنتم تحاربون الجيش الحرَّ المسلم المؤمن، انتبهوا إلى ذلك، أنتم لا تُحاربون نظام بشار الأسد، ولا تُحاربون النُّصيريِّين والعلويِّين، إنَّما تُحاربون إخوانكم، وتقتلون إخوانكم بأيديكم: «لَنْ يَزَالَ الـمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» [البخاري برقم:6862].
قطرة دمٍ مِن مؤمنٍ تُحاسب عليها بين يديِّ الله تعالى حسابًا شديدًا، فلا تَتَورَّطوا بمثل هذه الأمور، وكونوا على حذرٍ شديدٍ مما تدعون إليه.
كونوا على حذرٍ، وارجعوا إلى علمائكم الأثبات علمائكم الرِّجال، علمائكم ورثة المفسر الكبير الشَّيخ أبي السُّعود رضوان الله وتبارك عليه، ورثة الشَّيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام رضي الله تعالى عنه، ورثة الشَّيخ محمد زاهد الكوثري نائب شيخ الإسلام، هؤلاء الرجال، وورثتهم مِن العلماءِ الحاضرين على أرض تركيا اليوم ينبغي أن يكونوا هم مرجعكم في هذه الأمور كلها.
يَنبغي أن ترجعوا إلى العلماء في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ ولا تُورِّطوا أنفسكم، ولا إخوانكم في خطوة تخطونها تَخسرون بها دينكم ودنياكم.
- المجلة الحميدية: كيف نفهم قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحثِّ على قتال الخوارج، ولماذا وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الشَّديد، وتوعَّد لقتلاهم النَّار ولقتلى المسلمين الجنَّة:
أيُّها الإخوة الشَّباب لماذا يركِّز العلماء على حديث الخوارج في هذه الأيَّام، وهذا أمرٌ ضروريٌّ، لأنَّه فتنةٌ نبغت في هذا الوقت وترتَّب عليها دماءٌ وأموالٌ وضحايا كثيرةٌ وخسائرُ للأمَّة، خسرنا كثيرًا مِن شبابنا الذين جاؤوا مِن أنحاء الأرض لا يَقصدون إلَّا وجه الله تبارك وتعالى، ولكنَّهم ضُلِّلوا فساروا مع الخوارج وكانوا منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أحبُّ أن أُشيرَ هنا أيُّها الإخوة إلى أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حتَّى لا يتردد الصَّحابة رضي الله عنهم في خُصومتهم لهؤلاء بل وفي قتالهم وفي استئصالهم وإراحة الأمَّة منهم لم يتوانَ أبدًا أن يدفع الصَّحابة إلى هذا دفعًا، فيقول لهم عن هؤلاء الخوارج: «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ» [مسند أحمد برقم:22208]، وهذه كلمةٌ عظيمةٌ جدًّا مِن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.
هناك قتلى مِن اليهود والنَّصارى، ومِن الأديان الأخرى، ومِن المسلمين، وهؤلاء لم نحكم بكفرهم، ومع ذلك فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد وصفهم بهذا الوصف، أنَّهم «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ»؛ لأنَّ فتنتهم عظيمةٌ جدًا على المسلمين، وفي مقابل هذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ» هذا دفعٌ مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لقتالهم، وأن مَن يُقتل بين أيدهم ويفتكون به ويزهقون روحه أو يسفكون دمه فهو خير قتيلٍ على الإطلاق.
وينبغي أن نتنبه إلى مثل هذا الإشارة مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هؤلاءِ ليسوا أصحابَ فتنةٍ عاديةٍ، هم صحيحٌ أنَّهم أوَّلُ فتنةٍ ظهرت في الإسلام، ثم بعدهم ظهرت فتنة الرَّافضة - والعياذ بالله -، ولكن هؤلاءِ أوَّل فتنةٍ ظهرت في الإسلام، وترتَّب عليها شرٌ كبيرٌ، والصَّحابة رضي الله تعالى عنهم ما قصَّروا أبدًا في امتثال أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وبإزاحتهم عن المشهد قدر الطَّاقة، ولكن بقي بلاؤهم وشرُّهم فترةً طويلةً ثمَّ ظهروا في أزمانٍ أخرى بعد ذلك حتَّى أنَّهم ظهروا في أيَّامنا هذه.
وينبغي للشَّباب أن يكونوا على يَقَظَةٍ وحذرٍ، فلا يدخلوا في مثل هذا المدخل، ولا يتورَّطوا في مثل هذا الورطات؛ لأنَّ عاقبتها أليمةٌ جدًّا نار جهنَّم والعياذ بالله، وأن يكون المقتول منهم شرُّ قتيلٍ تحت أديم السَّماء والعياذ بالله تعالى.
- المجلة الحميدية: هل مِن الممكن يا شيخنا الكريم أن تضعونا بصورةٍ سريعةٍ أمام تاريخ الخوارج لكي يطَّلع شبابنا بلمحةٍ خاطفةٍ على تاريخ هذه الفرقة، ويقيسوا حالهم على حال الخوارج في هذا الوقت:
لا أستطيع في هذا المقام أن أستقصي كل الأحاديث التي وردت عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في التَّحذير منهم وفي كشف ضلالاتهم ولكن أدخل في هذا الموضوع ما استطعت إلى ذلك سبيلا إن شاء الله تعالى وبلمحة خاطفة كما طلبتم.
أخي الكريم يكفينا أنَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم وصف الخوارج فقال: «كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثًا» [مسند أحمد:22208]، وهذا وصفٌ فظيعٌ جدًا، ويدلُّ على تقزُّز رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ونفوره مِن أعمالهم حتَّى إنَّ بعض التَّابعين سأل أحد الصَّحابة رضي الله عنهم لـمَّا وصفهم بهذا الوصف فقال: هذا الوصف مِن عندك أم مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مرَّة ولا مرَّتين ولا ثلاث مرات متعدِّدة يَصفهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّهم «كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثًا».
وما معنى كلاب أهل النَّار، معنى ذلك أنَّهم يُحشرون يوم القيامة على صورة الكلاب والعياذ بالله تعالى، ويتعاوون في النَّار عواء الكلاب، إضافةً إلى ذلك أنَّهم أخسُّ أهل النَّار، لأنَّ الكلاب هي أخسُّ الحيوانات في هذه الحياة الدُّينا في عرف شرعنا وديننا، فكذلك هم أخسُّ أهل النَّار والعياذ بالله تعالى.
هم كلاب أهل النَّار؛ لأنَّهم فعلوا في هذه الحياة الدُّينا فعل الكلاب، فالكلاب تؤذي المسلمين، وتعتدي عليهم وقد تقتلهم في بعض الأحيان، لذلك سماهم بالكلاب كلاب أهل النَّار والعياذ بالله.
لذا أرجو مِن الشَّباب كلِّهم أن يتنبهوا لهذه الأوصاف ويعلموا نفور رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن هؤلاء، وأن ينفروا كما نفر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منهم، وأن يتقزَّزوا منهم كما تقزَّز نبيُّنا صلى الله عليه وسلم منهم.
وأمَّا الحديث عن نشأة هذه الفرق الضَّالة، فهي قد نشأت أيَّام رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد غزوة هوازن يوزع الغنائم على المسلمين، فجاءته بعض الأموال فوزَّعها على بعض مَن كان يرى صلى الله عليه وسلم أنّه أهلٌ لها، فجاءه رجلٌ كثُّ اللِّحية، ناتئ الوجنتين، مُشْرفُ الجبهة، غَائِرُ العنينين، حليق الرَّأس، فوقف أمام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال له: اعدل يا محمد! هكذا بهذه الوقاحة يقول له: اعدل يا محمد، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ويحك إن لم أكن أعدل فمن يعدل، وهذه حقيقةٌ واضحةٌ، أنَّ أعدل مَن في الأرض، إنَّما هو نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم لا أحد مِن المخلوقات يوازيه أو يساويه أو يقاربه في عدالته صلى الله عليه وسلم، ثمَّ استئذن سيِّدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أن يقتله فما أَذِنَ له، ولكن لما أدبر الرَّجل قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخرج مِن ضِئْضِئِ هذا (أي من نسله) قومٌ يمرقون مِن الدِّين كما يمرق السَّهم مِن الرَّميَّة أي يخرجون مِن الدِّين، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
ثمَّ انظروا إلى هذا الوصف مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي نراه قد تحقَّق أيَّام الصَّحابة رضوان الله عليهم، وهو يتحقَّق اليوم، يقول صلى الله عليه وسلم: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لا يقتلون الكفار ولا المشركين إنَّما يقتلون أهل الإسلام، وهذا والله يا إخواني واقع حاليًّا، ويجري في سوريا والعراق، هم يقتلون الأئمَّة والخطباء والدُّعاة إلى الله عزَّ وجلَّ، يقتلون الفصائل الإسلاميَّة المشهورة بإسلاميِّتها، يقتلون قادة هذه الفصائل، ويَدَعُونَ المشركين والعياذ بالله، يدعون الكفَّار، ويدعون الذين تسلَّطوا على بلادنا والعياذ بالله تعالى.
فهذا ينبغي أن نتنبه له أنَّ هذه الأوصاف لم نلبسها لهم، ونصفهم بها نحن، وإنَّما وصفهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأل الله تعالى أن يخلِّصنا مِن هذه المحنة، ومِن هذه الفتنة التي تكرَّرت على هذه الأمَّة أكثر مِن مرَّة ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.
- المجلة الحميدية: نرجو منكم في الختام يا شيخنا أن توجِّهوا كلمةً أخيرةً تنصحون بها شباب الأمَّة، وليكونوا على بينةٍ مِن هذه الفتنة، عسى أن يحفظ الله بهذه النَّصيحة شبابنا، وجزاكم الله عنَّا كلَّ خيرٍ:
أخي الكريم أَختِم لكم هذه الأحاديث التي تتعلَّق بالخوارج وفتنتهم في بلاد المسلمين في سوريا والعراق وغيرها.
أَختِم لكم بنصيحةٍ أنصحكم بها لوجه الله تعالى يا إخوتي، أيُّها الشَّباب أنتم منَّا ومِن صميم قلوبنا، وأنتم تَعزُّون علينا كما يَعزُّ علينا أولادنا وأحبابنا وأصحابنا وتلامذتنا، ولا يَنبغي أن نسكت إذا رأيناكم قد تعرَّضتم لغَشِّ الغشَّاشين وكذب الكاذبين.
يا أيُّها الإخوة إنَّ مَن يَعرف حال بلادنا سوريا أكثر منكم هم العلماء والمجلس الإسلامي السوري الذي مركزه هنا في إصطنبول، يَضمُّ هذا المجلس حوالي أربعين هيئةً شرعيَّةً علميَّةً ورابطةً للعلماء، يدخل فيها كلُّ الهيئات الشرعيَّة والرَّوابط العليَّمة الموجودة في داخل سوريا وخارجها، وحتَّى الهيئات الشرعيَّة لكبرى الفصائل جُلُّها موجودةٌ ضِمنَ هذا المجلس الإسلاميّ السُّوري تحت كلمةٍ واحدةٍ وانطلاقاتٍ واحدةٍ وقناعاتٍ واحدةٍ والحمد لله.
المجلس الإسلاميُّ السُّوريُّ يَنهاكم ويحذِّركم من أن تَنزلوا إلى سوريا أو أن تسمعوا كلام هؤلاء الذين يدعونكم إلى النُّزول إلى سوريا أو العراق أو غير ذلك، إذا سمعتم مِن مكوِّنات المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ أو بالأحرى مِن المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ مباشرة دعوة لكم إلى النُّزول إلى سوريا فحيَّا هلا.
يكون النُّزول عندها مرتَّبًا منظَّمًا والتحاقكم بالفصائل الإسلاميَّة المعروفة أمرٌ واضحٌ لا لَبْسَ فيه ولا غموض، أمَّا أن تنزلوا بدعواتٍ تُنشرُ لكم على صفحات الفيس بوك أو غير ذلك مِن وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ لا يُعرف مَن يُصدرِها أو يُعرف ولكن ليس من سوريا ولا يَعرف الحقائق الموجودة في سوريا، فإيَّاكم أن تفعلوا ذلك وتصدقوا دعوته.
التزموا بعلمائكم الأجلاء الذين ورثوا العلم كابرًا عن كابرٍ، عن أكابر الرِّجال وأعاظمهم في تاريخ تركيا والدولة العثمانيَّة، ونحن في خدمتكم ونصيحتكم والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» [مسلم برقم:55].
نحن في المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ ننصحكم لوجه الله تعالى، ألَّا تستجيبوا لأيَّة دعوةٍ مِن هذه الدَّعوات، وتتحفَّظوا عليها، وتكونوا على حذر منها، وانتظروا إذا أصبح في يوم من الأيام من المناسب أن ندعوكم للنُّزول إلى سوريا فلن ندَّخر ذلك أبدًا إن شاء الله تعالى وسننصحكم في ذلك إن شاء الله تعالى.
أمَّا الآن فلا، إيَّاكم ثمَّ إيَّاكم أن تستجيبوا لأيَّة دعوةٍ تَصدُرُ لكم مِن غيرِ علمائكم الأجلاء، أو علماء المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ، وجزاكم الله تبارك وتعالى خيرًا وحفظكم مِن كلِّ سوءٍ، وحماكم مِن كلِّ فتنةٍ، إنَّه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ، وصلى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم والسَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول