هذا هو منطق الطغاة. أليس كذلك؟ بلى. ولكنهم ليسوا الوحيدين، بل تشترك معهم في هذا المنطق الاستبدادي طائفةٌ من "الإسلاميين" الذين يرون أن لهم الحق في فرض "فهمهم للإسلام" على المسلمين.
ناقشت ذات يوم واحداً من مفكّري "التيار الجهادي" الذي يُعرَف -اصطلاحاً- باسم "السلفية الجهادية". والمنتمون إلى هذا التيار لا يرون أن مهمتهم هي تحرير بلدان المسلمين من السيطرة الأجنبية فحسب، بل يرون أن من حقهم الاستئثار بحكم البلاد بعد تحريرها، ويعتقدون أنهم يملكون الحق في فرض الإسلام على أهلها بالإكراه إن لم يختاروه راضين (وهم يقصدون حتماً فهمَهم الخاص للإسلام، لأن الإسلام يتنوع فهمُه وتتعدد مذاهبُه كما هو معروف).
قال الرجل: لن نسمح لغيرنا بأن يحكم البلاد التي قاتلنا لتحريرها؛ سوف نحكمها بقوانينا ونفرض الإسلام على الناس، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. قلت: لكن ألا ترى أن فرض أنفسكم بالقوة على الناس وحكمهم رغم أنوفهم فيه استبداد؟ قال: بلى، هذا صحيح، لكنه مثل تسلّط الأب على أولاده، إنه استبداد لمصلحة الأولاد، فهو استبدادٌ حَميد.
قلت: لنقل إنني وافقتك، ألا ترى أننا سنواجه مشكلة أخرى؟ مَن سيقرر أن هذا هو الأب وأن هؤلاء هم الأولاد؟ في النظام الطبيعي يكون الأب سبباً في وجود أولاده، ثم هو يرعاهم وينفق عليهم حتى يصبحوا كباراً راشدين قادرين على الاعتماد على أنفسهم. لكنّ أحداً لا يستطيع الزعم أنه أبٌ لولد فقير لو نفَحَه درهماً من المال أو منَحَه شيئاً من الاهتمام. لو كان إثباتُ الأبوّة بهذه البساطة لادّعاها كل إنسان!
ولو قلتم: "نحن نملك الحق في حكم الناس لأننا أقوياء وفي يدنا الكثير من السلاح" فاعلموا أن القوة دَوّارة وأن السلاح لا يدوم، فهو في أيديكم اليوم وفي أيدي غيركم غداً، فهل ترضون أن تكونوا -إذا ضعفتم- الأولادَ ويكون القويّ الجديد هو الأب الذي يفرض عليكم الرأي الذي يرى والمشروع الذي يريد؟
ولو أنكم قلتم: "سنمنح أنفسنا حق الوصاية على الأمة لأننا نفهم الإسلام حق الفهم ونحرص على تطبيقه أحسن تطبيق" فسوف تأتي جماعة أخرى فتقول: "أنا أحسن منكم فهماً للدين وأحرص على تطبيق الشريعة، وكما منحتم أنفسَكم حق حكم الناس وفرض الإسلام عليهم فإنني أمنح نفسي الحق نفسَه، فسوف أحكمهم وأحكمكم وأفرض الإسلام عليهم وعليكم معاً". ثم تقتتلون! وقد رأينا ذلك عياناً ولسنا نتخيّله خَيالاً، رأيناه بين الجماعات الجهادية في أفغانستان والصومال والجزائر وفي العراق والشام.
* * *
يا مَن ترددون تلك المقالة: معذرة، إنما أنتم طغاة مستبدّون ولو تلبستم بلباس الإسلام وزعمتم أنكم مسلمون.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول