سبل التخلص من الأخلاق السيئة - الجامع الأموي الكبير بحلب
سبل التخلص من الأخلاق السيئة/ الجامع الأموي الكبير بحلب
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
لا شك في أن كلاً منا يكره الخُلق السيء، ولا شك في أن كل واحد منا أيضاً يرفض أن يكون ولده ذا خلق سيء، أو أن يكون هو - من باب أولى - ذا خُلق سيء، أو يكون تلميذه ذا خلق سيء، أو أن يكون مواطنه أو جاره أو أي إنسان يمتُ إليه بصلة ذا خلق سيء، وإني لأعتقد جازماً أنكم توافقونني هذا الذي قلت، فإذا كان الخُلق السيء مرفوضاً، فما هو الخلق السيء الذي نرفضه، وكيف يمكننا التخلق بضده ؟
الخلق السيء بكل بساطة هو: بذل القبيح والكف عن الجميل، ويمكن أن نعرفه أيضاً فنقول: الخلق السيء: التحلي بالرذائل والتخلي عن الفضائل.
أتريد أن تتخلص من الخلق السيء، أتريد أن تخلص أولادك من الخلق السيء، أتريدون أيها الناس في هذا المجتمع الذي نعيش فيه أن نتخلص جميعاً من الأخلاق السيئة التي إن حفَّت مجتمعاً ما دمَّرته، والتي إن كانت صفة لإنسانٍ ما قضت عليه، فصاحب الأخلاق السيئة غير مقبول لا في الأرض ولا في السماء، لا في المسجد ولا في الكنيسة، لا في الشارع ولا في السوق، لا في البيت ولا في أي مكان، لا في المدرسة ولا في الجامعة، ليس مقبولاً عند ولده إن كان أباً، ولا عند والده إن كان ولداً، ولا عند أستاذه إن كان تلميذاً، ولا عند تلميذه إن كان أستاذاً، ولا عند شعبه إن كان حاكماً، ولا عند حاكمه إن كان شعباً...
الخلق السيء داء وبيل وشر مستطير، وإذا ما عانت الأمة في أخلاقها فأقم عليها مأتماً وعويلاً.
كيف نتخلص من الخلق السيء ؟ هنالك سبل ووسائل وها أنذا أعرض عليكم وعلى نفسي من أجل أن نسلك هذه السبل، فعسانا إن كان الواحد منا متخلقاً بأخلاق سيئة أو بخلق سيء أن يقلع عنه.
السبيل الأولى للتخلص من الخُلق السيء: المجاهدة والدعاء، وأعني بالمجاهدة الترويض، وأعني بالترويض أن تضع الأمر في حسبانك من أجل أن تتخلص منه، أن تضع هذا الأمر تحت مجهرك من أجل أن تتخلص منه، إذا كان الواحد منا يعاني من خلق سيء فما عليه إلا أن يضع هذا الخلق السيء تحت الدراسة، ثم يتابع من أجل المجاهدة والترويض حتى يتخلص منه، فإنك إن فعلت وبدأت ودرست وبحثت وأكدت على نفسك فلا شك في أنك ستتخلص منه، مثل ذلك مثل المريض إذا ما قال عن نفسه بأنه مريض واستشعر المرض جهد في أن يُذهب هذا المرض عن نفسه، وهذا ما يُطلق عليه المجاهدة. والدعاء مع المجاهدة أمرٌ مطلوب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم كان يدعو ويقول: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئ الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت). هكذا كان يدعو النبي فهل تدعون أنتم لأنفسكم ولأولادكم عندما تزعمون أن خلقاً سيئاً علا إحدى شخصياتنا من ولدنا أو من أنفسنا أو من أقربائنا ؟
السبيل الثاني من سبل التخلص من الخُلق السيء: أن تتفكر في عواقب الخُلق السيء، إن نظرت وتفكرت في عواقب الخلق السيء أقلعت عنه، عواقب الخُلق السيء وخيمة على مستوى الدنيا وعلى مستوى الآخرة، فالنميمة خلق سيء عواقبها في الدنيا قطيعة وعواقبها في الآخرة عذاب، الغيبة خلق سيء عواقبها في الدنيا تناحر وشحناء وبغضاء وعواقبها في الآخرة عذاب شديد، وتحدَّث هكذا عن سائر الأخلاق السيئة فهل تريد أن تكون عاقبتكَ في الدنيا وبالاً وفي الآخرة خسارة ودخولاً في جهنم، ما أعتقد أنك حينما تنظر عواقب الخلق السيء في أنك ستستمر على الخلق السيء.
ثالثاً: تتخلص من الخلق السيء بالترفع عن الدّنايا والتغاضي والتغافل الإيجابي، ?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين? ترفع عن الدّنايا، مالنا لا نترفع عن الدنايا ؟ مالنا نقابل السيئة بسيئة بل أكثر من سيئة ؟ لماذا لا نتعالى عن الدنايا ؟ إن شتمك إنسان فأعرض عنه من أجل ألا يكون خلقك سيئاً إذ تخاطبه كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الترمذي: (لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا) كان رجل يدعى ابن هبيرة جاءه إنسان فكلمه كلاماً سيئاً فأعرض عنه ابن هبيرة، فقال هذا الرجل السيء الخلق: يا ابن هبيرة إياك أعني بكلامي. فقال له ابن هبيرة: نعم أعلم هذا إياي تعني، وأنا عنك أُعرضْ ?وأعرض عن الجاهلين?. جاء في الحاكم وصححه: (من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك منه محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل لم يَرِد عليّ الحوض). جاء أخوك الذي شتمك يتنصل من ذنبه يقول لك: لم أشتمكَ. فما عليك - بأمر المصطفى - إلا أن تقبل عذره وعليك ألا تقول له: سمعتك بأذني تشتمني، ثم تقول لي بأنك لم تشتمني !! لا تقل له هذا الكلام، فهذا الكلام كلام لئام، وسيدي رسول الله يريدك كريماً ولا يريدك لئيماً، فلئن جاء هذا الذي يريد التنصل من ذنبه أمامك فاقبله محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم تقبله فلن ترد حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: من أجل أن تتخلص من الخلق السيء عليك أن تصاحب الأخيار وان تنبذ مصاحبة الأشرار، إذا ما أردت الفضيلة عليك أن تساهر أهلها، قال ابن حزم: من أراد الفضائل فما عليه إلا أن يساهر أهلها ومن أراد العزوف عن الرذائل فما عليه إلا ان يجافي أهلها. روى مسلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح) والجليس السوء يا شبابنا، يا من تسهرون وتسمرون، يا من تغدون وتروحون، يا من تصاحبون، أناشدكم الله أن تصاحبوا وتجالسوا الجليس الصالح (إنما مثل الجليس الصالح  والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة).
انتبه لكلام وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن تتخلص من سوء خلق وذلك بمصاحبة الأخيار ومنابذة الأشرار، وأتوجه بهذا خصيصاً لشبابنا، لأبنائنا، أتريدون للوطن كرامة وعزة، أتريدون لوجودكم رفعة ومجداً ؟ فما عليكم إلا أن تبحثوا عن الصاحب النظيف الطاهر الذي ينهضكم حاله ويدلكم على الله مقاله، اجتنبوا رفقاء السوء من أجل أن نكون على مستوى الخلق الحسن والأمم بأخلاقها بل الأمم أخلاقها:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت          فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
السبيل الخامس من أجل أن تتخلص من سوء خلق هو أن تدعم قلبك بالإيمان، وزيادة جرعات الإيمان، ادعم قلبك بالإيمان من خلال قراءة القرآن، من خلال ذكر الله، يقول أحد الصالحين: من لم يكن صدره مشكاة النور الربانية لم يُفض على ظاهره جمال الآداب النبوية.
إن لم يكن صدرك مليئاً بالإيمان، إن لم يكن صدرك يسكنه الديان فلا يمكن أن تنعكس الأخلاق الحسنة على جوارحك، لذلك دعِّم قلبك بالإيمان وجوارحك بالطاعة بالصلاة بالصيام الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام يجعلك متقياً، والزكاة تطهرك، والحج ينفي عنك الخبث والفجور والرفث، أتريد أن تتخلص من سوء الأخلاق ؟ إذن ما عليك إلا أن تجعل الإيمان قوياً في داخلك فقوة الإيمان تخلقك بالأخلاق الحسان.
نريد أن نتخلص من الأخلاق السيئة، ولنجعل أيامنا القادمة، ولنجعل رمضاننا القادم فترة دراسية جادة وفترة عملية هامة من أجل ان نتخلص من سوء أخلاق لحقت بنا، بأولادنا، بطلابنا، بكل من فينا من بيوتنا لأن الأخلاق هي الحضارة وهي الرقي وهي الإيمان وهي التصوف، فالتصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف، تخلصوا من سوء الأخلاق بالمجاهدة والدعاء بالترفع عن الدنايا والتغافل والتغاضي بمصاحبة الأخيار، بتقوية الإيمان والقيام بالطاعات وبالوقوف صامدين أمام كل من يريد أن ينال منا، وبالنظر الجاد لعواقب الخلق السيء على مستوى الدنيا والآخرة.
اللهم إني أسألك أن تخلصنا من كل خلق ذميم، وأن تجعلنا متمتعين ومتحلين بكل خلق حميد حسن، نِعْم من يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ: 1/8/2008
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين